وسط أخبار النكد والعك وفوضوية القرار في مصر فاجأنا أمس قرار موفق من الحكومة ، وإن كان قد تأخر كثيرا ، لكنه كما يقول "الخواجات" : أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا ، فأمس الأربعاء قررت الحكومة المصرية، تخفيض التمثيل الخارجي لبعثاتها الدبلوماسية في الخارج بنسبة 50%؛ "ترشيدًا للنفقات" ، وقال حسام القاويش، المتحدث باسم الحكومة إن "اللجنة الوزارية الاقتصادية (تضم الوزارات المعنية بالشأن الاقتصادي والمالي)، قررت في اجتماعها أمس برئاسة شريف إسماعيل رئيس الوزراء، خفض التمثيل الخارجي في البعثات الدبلوماسية التابعة للوزارات بنسبة 50%، والاعتماد على كوادر الخارجية في تنفيذ ومتابعة الأعمال". القاويش أضاف أن اللجنة الوزارية الاقتصادية قررت، أيضًا، "ترشيد وضغط الإنفاق في الوزارات والهيئات والجهاز الإداري للدولة بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% دون المساس بالأجور والرواتب والاستثمارات". هذا قرار جيد للغاية ، وإن تأخر ، وللمعلومية إن عدد البعثات الديبلوماسية لمصر في العالم أكبر من عدد البعثات الديبلوماسية للولايات المتحدة ، الدولة العظمى التي تدير شئون العالم كله تقريبا الآن وميزانيتها تعادل مائة دولة مثل مصر ، فالدولة المصرية منذ زمن طويل وهي تميل إلى الاستعراض والفخفخة ، حتى وهي تعاني أسوأ أحوالها الاقتصادية ، أي أنه كما يقول العامة "فقر وعنطزة" ، وهناك بلدان في أمريكا اللاتينية مثلا لنا فيها ممثليات اقتصادية في حين أن التعامل التجاري معها لا يصل إلى مبيعات محل ستائر في الغورية ، كما أن هناك بعض البلاد لنا فيها تمثيل ديبلوماسي وقنصليات في حين أنه تنعدم منها أي حركة سياحية إلى مصر أو من مصر ، وهناك بلدان عدد ديبلوماسينا فيها أكبر من عدد المواطنين المصريين المقيمين في تلك البلدان ، هذه معلومات منشورة وأعتقد أن كثيرين يعرفونها . لا معنى لأن تتحمل خزينة الدولة عشرات الآلاف من الدولارات راتبا شهريا لموظف "ديبلوماسي" سافر أساسا للعمل في الخارج بناء على توصية ، أو مجاملة ، سياسية أو عائلية أو أمنية ، أو بمعنى أصح ، سافر من أجل أن يرتب مستقبل الأولاد ويتمكن من تحسين وضعه المادي والاجتماعي في مصر ، وكل واحد وعائلته ، وكل واحد وشطارته ، هناك محظوظون يبتعثون في طوكيو أو كوبنهاجن أو لوس أنجيلوس ، وهناك "غلابة" يبتعثون إلى جزر القمر وجزر فيجي والصومال . المراجعة ضرورية لنفقات الحكومة ، وقد سبقتنا لها دول أكثر منا استقرارا في اقتصادها وأكثر قوة ، وقد فعلتها الكويت والسعودية ، وكل منهما تملك احتياطيا نقديا يقدر بمئات المليارات من الدولارات فضلا عن استثمارات بمئات أخرى في دول العالم المختلفة ، ومع ذلك قررت تخفيض النفقات الحكومية وتخفيض رواتب ومخصصات الوزراء وكبار رجال الدولة وحتى أعضاء البرلمان ، وكان أولى أن يحدث ذلك في مصر أولا ، كان المفترض قبل أن تطالب الغلابة والبائسين الذين يجوبون الشوارع بحثا عن كيلو سكر ، وتطالبهم بالتحمل والصبر ، كان أولى أن تبدأ بترشيد نفقات المترفين من المال العام ، كما أتمنى أن يكون هذا الترشيد شاملا لكل قطاعات الدولة ، حتى يقتنع الناس بأن المسار هو لوجه الله ثم لوجه الوطن ، فالناس تتحدث علنا عن أن هناك مؤسسات يغدق عليها دونا عن باقي المصريين ، ويتم تخفيض مداخيل الجميع بينما مداخيلهم هم تزيد ، والمكافآت لا تتوقف عن التصاعد ، بل إن البرلمان وهو يناقش تخفيض نفقات الدولة كان يناقش في الوقت نفسه كيفية إعفاء أعضائه من بعض الحقوق المتوجبة عليهم في المال العام . على كل حال ، قرار جيد يستحق الترحيب ، وإن كانت نسبة 15% تخفيضا في النفقات الحكومية هي أقرب إلى الرمزية منها إلى المردود الحقيقي ، وكانت أحق بأن تكون 50% مثلما جرى في البعثات الديبلوماسية ، الإفاقة مطلوبة ، ومراعاة مشاعر الناس وآلامهم .