الفرق بين الفقه المتخصص والهاوى، أن الأول يراعى النص والواقع ويزاوج بينهما، ويلتفت للمدارك التى جاءت المسألة فى سياقها، والثانى يقتصر على تطبيق النص دونما التفات إلى الظروف المحيطة والمواءمات والأولويات، وبالتالى ينجح الأول فى تكوين حكم فقهى معاصر ومتزن، فيما يكون رأى الثانى فتنة مفخخة. ثم أسجل ملاحظات: 1 أن اللحية تدور حول الاستحباب أو الوجوب أو الإرشاد، وهى من النبى صلى الله عليه وسلم ولا يجوز السخرية ولا التنقيص من شأنها، كما لا يجوز تحويلها إلى قضية و شعار ورمز. 2 أن الإشكال حول مدى تطبيق هذا الحكم على الشرطة والجيش والقضاء تحديدًا، من ناحية الملاءمة والتوقيت، لأن إطلاقها ربما يبرز أمورا ليس من العقل إبرازها الآن، فتناول المسألة من خلال النص الفقهى فقط بعيدا عن مساراته الكلية ليس هو محل النقاش. 3 وهذا هو الأهم.. أن البعض ينازع على أنه لا يوجد قانون ينص على منع إطلاق اللحى، والحقيقة أن القانون نص على التزام الضباط بالحفاظ على (الهيئة العامة)، ثم جاءت الأعراف لتفسر هذا، فتعارف الجميع على أشياء أخرى منها: عدم لبس الجلباب، ولا ركوب الدراجة، ولا إطلاق اللحية، ولا التجارة فى الأسواق كبيع الخضار والمواشى وغيرها، ولا الجلوس على المقاهى، ولا الوقوف للتجارة فى سوبر ماركت، ولا بيع الأطعمة فى مطعم، ولا حمل أنبوبة البوتجاز وتوصيلها للبيت، ولا الجلوس على الأرض بالزى، وهلم جرا. والسؤال: أليس وقوف الضابط أوالقاضى لبيع الفول بعد عمله من السنة لأن فيه إعانة على المعيشة، وأليس قيامه بحمل أنبوبة البوتجاز على كتفه من السنة لأن فيه مساعدة لأهل بيته؟ وكل ذلك لم ينص القانون على منعه صراحة، وهنا سنرى القضاة والضباط يلبسون الجلباب والشبشب وأغطية الرأس فى المحاكم ويتاجرون فى الأسواق متمسكين بفتاوى الهواه من الدعاة بأن ذلك سنة وأن القانون لم ينص على منعه وأنه لا يعطل سير العمل، وهذا فى الواقع انتزاع للمسألة من سياقها دون مراعاة العرف والقاعدة: المعروف عرفا كالمشروط شرطا ما لم يخالف ثابتًا من ثوابت الدين. 4 القاعدة أن من ابتلى بشىء من الخلاف فله أن يقلد من أجاز، ما لم يتصادم مع ثوابت الدين فلماذا لم يقم الضباط بأعمال هذه القاعدة؟. 5 واجب الوقت يلزم هؤلاء الضباط باقتراح حلول لمشكلات الانفلات الأمنى بدلا من تشويه الرأى العام وإشاعة الخلل فى أولوياته. 6 حدث تلفيق فى الاستدلال بكلام الشيخ جاد الحق، لأنه أفتى بجواز إطلاق اللحية للمجندين فترة محددة، وليس للضباط والأفراد الدائمين، فالحال فى شخص مدنى ملتح استدعوه لأداء الخدمة، وأما هذه الحالة فتختلف فى الصورة والمكان والملابسات، كما أن الشيخ نفسه قال: من ابتلى بشىء من هذا فليقلد من أجاز، فلماذا تركنا قوله هنا؟ 7 أن المدافعين عن الضباط لم يدافعوا عن حرية رأى، ولا سنة نبوية، وإنما يرون فى انتشار اللحية والنقاب انتصارا أيديولوجيا معينا. 8 لماذا لم يتحدث بعض الدعاة عن حرية القضاة وضباط الجيش فى إطلاق اللحية، أم أنه انتهاز لضعف الشرطة تحديدا؟. 9 أليس من الأولوية أن يكشف لنا الضباط الملتحون طالما أرادوا الالتزام عن مبلغ الرشوة التى دفعوها لدخول كلية الشرطة؟ ودفعوها لمن؟ وأين؟ وحكم هذه الأموال؟ وكيف تبرأ منها ذمتهم المالية؟وهل ترد أم لا؟ وترد لمن؟ وما الحكم فى الزميل الذى حرم من حقه بسبب رشوتك؟ أليس طرح هذه الأسئلة هو المدخل الحقيقى لالتزام السنة؟ [email protected]