يبدو أن ثمة قلقًا مما أثير بشأن الدفع برئيس "توافقى".. القلق لا يستبد فقط بالمرشحين الموجودين حاليًا، وإنما أيضا ببعض النخبة. المرشحون المحتملون يرون فى الفكرة نية مبيتة لتهميشهم.. ما حمل البعض على وصفه ب"الرئيس التواطئى"!.. فيما يرى الآخرون أن مصر تحتاج إلى "رئيس تنافسى" وليس "توافقياً".. واعتبروا الأخيرة مصادرة على النظام الديمقراطى الذى نأمله. جدل "التوافق" و"التنافس".. ظاهرة جيدة، لأنها تعنى أن النخبة انتقلت من مرحلة "النقد" و"الثرثرة" إلى مرحلة طرح الأفكار وتقديم اجتهادات سياسية.. حتى وإن كانت لا تعجب هذا التيار أو ذاك.. المهم أن يلج السياسيون والمثقفون من ظلمات الاجترار والتكرار وتصيد الأخطاء إلى تنوير "الإبداع"، حتى وإن كان فى مراحله البكر. المشكلة أن "الجدل" قد يُخفى بين تلابيب صخبه، بعض التفاصيل المهمة.. ولعل أبرزها أنه إذا كنا نتكلم عن حق أى مصرى فى أن يطلب المنصب الرئاسى.. فإنه من الأهمية أيضا أن نتأمل إعادة تشكيل الخرائط على الأرض، حتى يصان هذا "الحق" بالتزامن مع تنامى الوعى باحتمال توظيفه على النحو الذى يعيد البلاد إلى النقطة "صفر" مجددا. فى استهلال المشهد بعد الثورة.. تقدم مرشحون هم فعلا من أبنائها، ومع الإعلان عن موعد تلقى طلبات المرشحين.. ظهرت أسماء أخرى تنتمى إلى النظام السابق (شفيق والشريف وسليمان)! تضاريس المشهد على هذا النحو تنذر بوجود نية لإعادة تدوير نظام مبارك.. من خلال الاستيلاء على منصب الرئاسة. الصراع على المنصب.. لن يكون إذن بين مرشحى "الثورة".. وإنما بينهم وبين "مرشحى" الرئيس السابق.. ولا يسع المراقب إلا أن يسجل هذه الملاحظة، لأنها قد تكون ثمرة التساهل فى تطبيق مبدأ "العزل السياسى" لكل من شارك فى إفساد الحياة السياسية قبل الثورة. المسألة هنا ربما لا تحتاج إلى أى قرار "عصبى" لأن الكلمة الأخيرة ستكون للشعب المصرى، ولن يحصل أى مرشح "فلول" على ثقته بالمرة.. غير أنه من الأهمية الإشارة إلى ضرورة التساؤل بشأن المرجعية التى يستقى منها مرشحو النظام السابق ثقتهم فى "الفوز".. فى بيئة سياسية وواقع مجتمعى لا يحمل لهم أى مشاعر ودودة؟! الظاهرة ليست يسيرة.. لأنها قد تؤدى إلى كثير من المشاكل للسلطات العسكرية الحاكمة.. لأن تصريحات "شفيق" التى ألمح خلالها - ضمنيا استقواءه بالمجلس العسكرى، قد تضع الأخير فى موقف بالغ الحرج ليس بشأن "شفيق" وحده.. وإنما بشأن مرشحى "الفلول" جميعا.. فهم تقريبا أبناء مؤسسة الدولة فى عهد الرئيس السابق.. ولا ندرى ماذا يحدث معهم خلف "الأبواب المغلقة"؟! ومن أين جاءوا بكل هذا الجرأة فى تحدى ثورة كبيرة فى حجم ثورة 25 يناير؟! [email protected]