لم يجد المجلس العسكري "حلا" إلا في دعوة القوى السياسية لاجتماع عاجل للخروج بتسوية لحل الأزمة الحالية. ويبدو لي أن المجلس لم يكن مستعدا لهذه "المفاجأة" التي ادخرها له "ميدان التحرير".. فالأفكار لديه كانت عند حدود ما أعلنه من جدول زمني فقط لإجراء الانتخابات التشريعية، فيما ظل موعد الانتخابات الرئاسية في رحم الغيب لا يعرف المصريون متى سيكون لهم رئيس جمهورية منتخب.! ثمة تطابق بين ترك منصب نائب الرئيس شاغرا في عهد مبارك.. وبين ترك منصب الرئاسة أيضا شاغرا بعد الثورة .. في الأولى كان محجوزا لنجل الرئيس السابق.. وفي الثانية أخذت الظنون الناس كل مأخذ، وبدا المشهد وكأن ثمة نية لحجزه إما لشخصية ترضى عنه المؤسسة العسكرية، أو تركه ل"الزمن" أي الرهان على الوقت وإطالة الفترة الانتقالية، على النحو الذي يحيل حكم العسكر إلى واقع مقبول وفي بيئة سياسية "باردة" لم يعد يشغلها من سيدير البلاد :"كوبري القبة" أم قصر العروبة. هذا الواقع.. أفرز حالة من عدم الثقة بين الشعب والمجلس العسكري، فيما خلت الساحة من أية إبداعات سياسية سواء من قبل النخبة الحاكمة أو الطبقة السياسية التي تمارس العمل العام من خارج دائرة الفعل السياسي: الأولى لم تبدع إلا ما هو أسوأ "وثيقة السلمي" والثانية لا يشغلها إلا مصالحها والقتال على مقاعد مجلس الشعب المقبل.. ولم تقترح إلا ما يسمى "مجلس رئاسي" وهي صيغة استهدفت اختطاف السلطة والحكم بعيدا عن صناديق الاقتراع. المستشار هشام البسطاويسي، أعلن من الكويت تخليه عن الترشح لمنصب الرئاسة، وطالب وهذه هي المفاجأة أن تقلد النخبة المصرية تونس.. بانتخاب مجلس تأسيسي لكتابة الدستور! أي بعد عشرة أشهر من عمر الثورة، لا تجد النخبة السياسية أي حل لأزمتها إلا باستيراد الحل التونسي!! وهي مفارقة لطيفة تعكس حجم التجريف الذي أصاب "الطبقة الخصبة" في مصر، على النحو الذي يجعلها قوة عقيمة لا تنتج الأفكار ولا تبدع الحلول ولا تملك أدوات المبادرة وغير مؤهلة لأن تفرز "رجال دولة".. وهو أسوأ ما يوجد في مصر الآن: دولة تستهلك وتستورد كل شئ حتى الأفكار البسيطة التي لا تحتاج السياسي "الشاطر" أو "الذكي" وإنما رجال سياسة عندهم "شوية ضمير" [email protected]