الإسلام كما نقول دائمًا: كلٌّ متراكبٌ، شاملٌ كاملٌ، بمعنى أنه لا يقبل الانفصال بين أجزائه، أو انفراد الإنسان بالعمل بجزءٍ منه دون الباقى، ونلمح هذا الشمول فى مثل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» (البقرة:208). بل ورد النص الصريح الزاجر الناهى عن الإيمان ببعضٍ دون بعضٍ، ونلمح هذا المعنى فى مثل قوله تعالى: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْى فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (البقرة:85). وهذه النظرة الشمولية للإسلام، لا تمانع فى وجود بعض الأعمال هى أعلى درجة من غيرها، فالصلاة المفروضة أعلى درجة من النافلة، ومُقَدَّمة عليها، لكن للفروض وظائف وللنوافل أخرى، ويتكامل الجميع فى بناء شامل كامل يُكوِّن الإسلام بشموله وكماله، فليست المسألة مسألة أجزاء، أو فروض ونوافل، وإنما هى مسألة تكامل وتراكب بين جميع الأجزاء، والبيت لا يكتمل بأعمدته فقط، وإِنْ كانت هى عصب البيت، لكنها بحاجة لغيرها مما هو أقل منها درجة ليُكمل معها شمول وكيان البيت كله، وبدون ذلك لن يكتمل البيت، وستظل الأعمدة رغم أهميتها مجرد أعمدة. ومن هنا تكتسب الأمور الأقل درجة، أهميتها وخصوصيتها بالنسبة لباقى الكيان الإسلامى كله، ونزولها فى الرتبة عن درجة الفرض أو الواجب فى نظر بعض الفقهاء مثلا؛ لا يخرجها بذلك عن الصف الإسلامى اللازم لاكتمال كيان الدين كله، ككيان كامل شامل. أقول هذا بيانًا لمن أنكر على النائب البرلمانى الفاضل المحترم ممدوح إسماعيل المحامى، عندما قام برفع الأذان داخل البرلمان المصرى، مؤخرًا، حتى ذهب بعضهم إلى الكلام عن منزلة الأذان الفقهية، ولم يلتفت إلى حكمه داخل منظومة الإسلام بمعناها الشامل، حتى قال محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة: «لو أن أهل قرية أو بلدة اجتمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليه ولو تركه أحد ضربته وحبسته». «البناية» (2/77). وهذا عينة ما حصل عندما رفع النائب المحترم الأذان، إعلانًا بالمفاصلة بين عهد قديم شاعت فيه المجافاة مع الدين، ودولة وليدة تتحسس خطاها فى رحاب الدين، ترتجى فيه سعادتها وسعادة غيرها. وقد جربت مصر عهودًا من العداء مع الدين، ولم ترشح أحدًا الآن ليهز «الأروقة» بالحديث بينما تهتز قلوب المصلين فى الخارج بآيات الله. ومصر تنتظر اليوم الذى تُسَنُّ فيه «قواعد» تسمح لأولادها بسحب الثقة من «النائب» إذا خالف شروطه التى انتخبته لأجلها؛ فليس من المعقول أن نرتبط مع نائب أو مسئول بعهد وكلمة فينقضها، ونظل نكتوى بناره عدة سنوات حتى نستطيع تغييره. لم ترشح مصر أحدًا لينفصل عنها بجسده وروحه، فتذهب للصلاة وهو جالسٌ يناقش، فماذا جنينا ممن ناقشوا وقرروا فى أوقات الصلوات؟! فلا تحرمونا من صوتٍ تسكن له قلوبنا، وتطرب له أسماعنا، لنتابع معكم بنفس راضية مطمئنة، نفرح بكم ونسعد، وإنه لاحظَّ لأحد فى التوفيق إذا سخطتْ عليه قلوب المؤمنين، ولعنوه فى دعواتهم. يا قوم اقتربوا من الله أكثر، تضرعوا إليه، امسحوا دموعنا باستغفاركم لله، فهذا أجدى وأنفع لنا وللناس، ومن راعى الله رُوعِى، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. وأكرر شكرى للنائب المحترم الذى فجّر فينا أنهارًا طالما جفّفها آخرون، فجزاك الله خيرًا. [email protected]