ألم يحن الوقت لرفع الظلم عن (القرية المصرية) التي تجاهلتها الحكومات المتعاقبة لمئات السنين؟!. فالريف المصري بقراه ونجوعه التي تشكل أغلبية الوطن يسهم في ميزانية الدولة بأكثر مما تسهم المدن، ويطعم الشعب المصري كله من خلال إنتاجه الزراعي.. ولا تخصص له ميزانية مثل المدن. وقد أدى تجاهل معظم القرى وحرمانها من المرافق الأساسية والطرق المعبدة ووسائل النقل الآدمية إلى هجر خيرة أبنائها لها هربا إلى المدن- التي تنعم بالمرافق والخدمات، مما أدى إلى زيادة الكثافة السكانية بالمدن واكتظاظها وإرهاق مرافقها. كما تحولت القرى من مراكز إنتاجية ناجحة لمئات السنين، تكتفي ذاتيا في طعامها ومصادر طاقتها، تحولت إلى مواقع مستهلِكة لا تنتج غذاءها.. وأصبحت عبئا على الدولة مثلها مثل المدن بسبب الغباء الإداري للأنظمة المتعاقبة، مع العلم بأن الريف المصري بحقوله الخضراء الجميلة الرائعة يمكن بقليل من الاهتمام أن يكون أفضل من الريف الأوربي. وتتميز القرى المصرية عن المدن بالعلاقات الاجتماعية الجيدة بين سكانها، وسيادة أخلاق القرية، بالإضافة إلى شيوع فضائل التضامن والتكاتف وحب القرية والتضحية من أجلها لدرجة أن أغلب المرافق الموجودة بالقرى من مساجد ودور ضيافة ومدارس ومعاهد أزهرية ونوادي أقيمت بالجهود الذاتية من تبرعات أهلها. وكان يمكن استثمار هذه الفضائل لتطوير القرى المصرية والارتقاء بها وتحويلها إلى قرى سياحية تجتذب السائحين من العالم كله، ولكن الحكومات المتخلفة تنظر إلى القرية نظرة متخلفة وتفرض عليها التجاهل الكامل. ولا شك أن القرى بمزاياها التي لم تستثمر بعد مهيأة لأن تكون حجر الأساس لنهضة مصرية تأخرت كثيرا، وذلك بالتخطيط لتخصيص نشاط تجاري لكل قرية بما يناسب موقعها ورغبات شبابها، أي تعميم فكرة مشروع (قرى المنتج الواحد) ليشمل جميع القرى. ونقترح في هذا المجال إنشاء هيئة تشرف على إعداد دراسات جدوى ومراكز تدريب لمشروعات تناسب القرى مثل: صناعة السجاد- إنتاج العسل- إنتاج وغزل الحرير- إنتاج وغزل الصوف- إنتاج وتصنيع منتجات الألبان- زراعة الأسماك- تصنيع الفخار ومنتجاته- تصنيع الأثاث، الملابس، لعب الأطفال.... الخ، وتقوم هذه الهيئة بزيارة كل قرية ودراسة المشروعات المناسبة لها واختيار مشروع يناسب إمكانات الشباب والخريجين فيها، وتدريبهم وإمدادهم بالأدوات والمواد اللازمة، لتتخصص كل قرية في مشروع إنتاجي خاص بها، وتتحول إلى مزار سياحي للمتسوقين. ويتطلب هذا الأمر أيضا مساعدة هذه الهيئة للمنتجين في تسويق منتجاتهم محليا وخارجيا. ويمكن لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية أن تسهم في تعليم الناس وتدريبهم على إتقان هذه الحرف والصناعات الصغيرة المرتقبة، كما يمكنها أن تساعد في ترويج وتسويق هذه المنتجات؛ بدلا من البرامج المملة والمتخلفة التي يقرفنا بها الإعلام حاليا، وهذا يفتح الباب بالتالي للتحول إلى شعب منتج.. فالأنشطة الخاصة المؤدية للربح وزيادة الدخل تجتذب الناس وتدفعهم للتنافس في زيادة الإنتاج. أما ما تحتاجه القرى عاجلا، وتستحقه مقابل ما تسدده من ضرائب على الأقل، وقبل الشروع في هذا المشروع المقترح أو غيره، فيتمثل في الآتي: · تخصيص ميزانية لكل قرية تتناسب مع عدد سكانها، مع العلم بأن أغلب سكان القرى إما مزارعون وإما موظفون، وكلاهما لا يتهرب من الضرائب (مثل تجار وصناع المدن) لأنها تحصل من المنبع. · تطوير الإنتاج الزراعي وتحديثه وعودة نظام الإرشاد الزراعي، وإمداد كل قرية بما يكفيها من مياه النيل للقضاء على ظاهرة الري من المصارف الملوثة. · استكمال المرافق الأساسية من مياه نقية وكهرباء ووسائل اتصال وصرف صحي ومدارس ومراكز طبية ونوادي رياضية.. الخ، ومنها حديقة عامة وملاعب وملاهي للأطفال بكل قرية.. بخطة زمنية معلنة. · رصف الطرق بعد استكمال المرافق التي تحتاج إلى حَفْر، وتكون الأولوية للقرى التي تسهم في استكمال مرافقها الأساسية التي ينبغي أن تسبق الرصف. ويمكن استخدام بلاط الأرصفة (السميك المتين) الذي يستخدم في أنحاء العالم (وليس المغشوش المستخدم في مصر)، والذي يمكن فكه وإعادة تركيبه بسهولة، يمكن استخدامه في رصف شوارع القرى، وهو أقل تكلفة من الأسفلت. · تكليف مراكز البحوث والجامعات بالبحث عن طرق حديثة لإعادة استخدام الحطب وقش الأرز، الذي يتم إهداره حاليا بالحرق الهمجي، في الطهي وتوليد الطاقة كما كان لمئات السنين. · الاستفادة من الخبرة الهندية في تحويل المخلفات الأدمية والحيوانية والزراعية إلى غاز طبيعي (الغاز الحيوي) يمكن أن يكون بديلا للكهرباء، كما ينتج سمادا ممتازا تحتاجه الزراعة المصرية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.