الأرض الزراعية فى مصر ثروة قومية وتوارثناها منذ آلاف السنين، وكانت فى حدود 6 ملايين فدان خلال القرن العشرين، وبعد السد العالى نشطت خطة استصلاح الأراضى ونشط أيضاً البناء على الأرض القديمة بسبب زيادة أعداد السكان، ووصلت مساحة الأرض المنزرعة حالياً إلى 8.2 مليون فدان وهى بالفعل مساحة محدودة إذا قورنت بأعداد السكان (85 مليون نسمة) موزعة على 4200 قرية ونجع وتابع. وأصبح الحفاظ على الأرض الزراعية هدفاً أساسياً للدولة المصرية، ومع تزايد السكان وارتفاع البطالة والهجرة من الريف للمدينة وتدنى مستوى معيشة الفلاح وسوء الخدمة الصحية وتكدس التلاميذ فى الفصول، كان لابد من حلول جريئة للتغلب على هذه المشكلات التى تهدد سلامة المجتمع. يحظر القانون الحالى البناء على الأرض الزراعية وباستثناءات قليلة جداً وبإجراءات صعبة يمكن البناء لأغراض المنفعة العامة، ولكن الضرورات تبيح المحظورات ولا توجد حلول سهلة لمشكلات مستعصية ولابد من بعض التضحيات، ولذلك يجب إعادة النظر فى منع البناء على الأرض الزراعية لحل مشكلات كثيرة تحول دون تطوير الريف، وفى تقديرى يمكن السماح بالبناء لأغراض محددة تخدم القرية نفسها مثل المدارس والمستشفيات والمصانع ومستلزمات مشروعات الكهرباء ودور العبادة وأقسام الشرطة والسجون ومحطات مياه الشرب والرى والصرف وكل ما يمكن ان يسهم فى تطوير القرية خاصة أنه لا توجد أراض تملكها الدولة داخل القرى والمراكز المصرية، وعلينا أن نواجه الواقع وبالفعل تم البناء على آلاف الأفدنة بعد ثورة يناير 2011 وكان ذلك بسبب اكتظاظ القرى حتى ضاقت بسكانها وإلا لماذا قاموا بالبناء؟ وفى تقديرى أن الأرض التى سنفقدها ستكون فى حدود 50 ألف فدان على مدار السنوات الخمس التالية، وهى مساحة يمكن تعويضها من خلال مشروع استصلاح مليون فدان الذى تقوم الحكومة بتنفيذه حالياً، وإن المشروعات التى ستقام سوف تفيد القرى على عدة محاور مثل توفير وظائف لشباب الريف وزيادة الإنتاج والتجارة والاستثمار من أهل القرى الذين لديهم ثروات بدلاً من هجرتهم للمدن حيث الأرض متاحة والسوق أوسع، وسوف تقل الهجرة من الريف للمدينة أو الهجرة غير الشرعية لأوروبا وتحسين خدمات الصحة والتعليم والأمن فمن غير المعقول أن تكون بعض السجون فى وسط المدن. الأمل هو ما يمكن أن يقدمه هذا المشروع لأننا يمكن أن نعيد تخطيط القرى تخطيطاً حضارياً وتحديث الأحوزة العمرانية وتقليل الفارق فى الخدمات بين الريف والمدينة، ما يشجع أهالى الريف على الإقامة والتطوير بدلاً من هجرة كل شباب بعض القرى للعمل خارج قراهم وبلادهم. هذا التفكير يحتاج اقتناع المجتمع والدولة، لأن المعوقات التشريعية والإدارية تعوق أفضل الحلول وأعظم المشروعات، ونحتاج تعديلات تشريعية قوية وجريئة لإتاحة البناء على الأرض الزراعية خاصة الواقعة على الطرق والقريبة من المرافق على أن يفوض المحافظ مع المجلس القروى فى تحديد قطع الأرض التى يمكن البناء عليها لمصلحة القرية، وما هى المشروعات إلا لها الأولوية فى الترخيص لكل قرية!, وإذا لم نجد أراضى للدولة يمكن نزع ملكية الأرض الأفضل للمشروعات للمصلحة العامة وتعويض أصحابها تعويضاً عادلاً بحيث لا نظلم أحداً ونحقق المصلحة. أعلم أن هذا الرأى غريب وغير مألوف ولكننا تحدثنا كثيراً عن الحلول الابتكارية ولم نجد الكثير، وها هو حل من خارج الصندوق من جاءنا بخير منه قبلناه، إن أريد إلا إصلاحاً ما استطعت.