قال المحلل السياسي سمير العركي، إن تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية في مصر عقب عزل الرئيس محمد مرسي، ساهمت بشكل كبير في خروج الجماهير التركية مساء الجمعة الماضية رفضًا لمحاولة الانقلاب التي تعرضت لها البلاد. وأوضح العركي المقيم في اسطنبولبتركيا في مقال نشره موقع الجزيرة نت اليوم الاثنين، تحت عنوان «انقلاب تركيا الفاشل كما عايشته»، إنه بعد إذاعة البيان الأول للانقلابيين، والذي أعلن سيطرة الجيش على مقاليد الحكم وتشكيل مجلس للسلام وإعادة كتابة الدستور، أصيب المواطنون الأتراك بحالة من الذهول، دفعتهم لشراء ما يقدرون على شرائه من مواد غذائية، والتزاحم على ماكينات الصرف الآلي لسحب أموالهم، مضيفاً أن الجميع كان في حالة وجوم تحسباً للأيام الصعبة القادمة التي كانوا يسمعون عنها في مصر وسوريا والتي عاشوها من قبل في انقلابات سابقة. وأضاف أن محاولة الانقلاب في تركيا، كانت على غير سابقاتها، حيث إن هذه المحاولة الفاشلة واجهت مجتمعاً مدنياً قويا استطاع حشد الجماهير في الشوارع بعد ظهور أردوغان. وتابع أنه لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية، تعلو أصوات التكبير من المساجد، مشيراً إلى أنها كان لها دور كبير في إلهاب مشاعر المواطنين. وأردف أن مؤسسة الإغاثة الإنسانية آي اتش اتش، بذلت جهداً رائعاً، حيث إنها بادرت بإرسال مئات الآلاف من الرسائل إلى عموم الشعب التركي تطالبه بالنزول والدفاع عن حريته ومستقبله، مضيفاً أن الجهد الرائع الذي قامت لهذه التحركات الشعبية السريعة والمدروسة أصابت قوات الانقلاب بحالة ارتباك دفعتهم إلى الاستسلام للجماهير الغاضبة. كما لم يغفل الكاتب دور الرئيس رجب طيب أردوغان، قائلاً: "إن اللحظة الحاسمة التي حولت دفة الأمور تمامًا تتمثل في ظهور الرئيس رجب طيب أردوغان، عبر الهاتف في مداخلة مع قناة سي إن إن تركيا (وهي بالمناسبة إحدى قنوات مجموعة دوغان الإعلامية المعروفة بشدة عدائها لأردوغان وهجومها عليه، ما يعني أننا أمام عمل مهني من الطراز الرفيع)". وتابع أن الرئيس التركي بدا رابط الجأش غير متردد وهو يدعو شعبه للنزول إلى الشوارع ومواجهة الانقلاب وفك الحصار عن المطار وأخبرهم أنه سيكون هناك. وأضاف العركي، أن هذه الإطلالة القصيرة لأردوغان كانت تعني الكثير للمواطن التركي بعد انتشار شائعات قبلها عن هروبه وطلبه اللجوء إلى ألمانيا ، مؤكداً أن ارتباط المواطن بأردوغان له أبعاد نفسية عميقة لا يدركها إلا من يخالط الأتراك ويستمع إليهم. وأوضح أن أردوغان بالنسبة للأتراك، ليس مجرد رئيس وزراء أو رئيس للدولة، بل يمثل قصة كفاح خاضها معهم منذ أن كان رئيساً لبلدية اسطنبول، وأحلام وعدهم بها حتى حققها معهم، هو واحد منهم خرج من حي قاسم باشا الفقير باسطنبول وعانى معهم الفقر حتى اضطر إلى بيع "السميط" ليساعد عائلته، مشيراً إلى أنه لذلك عندما تحدث أزمة كبرى ينتظر الأتراك ظهور أردوغان، وهو ما حدث ليلة الانقلاب. وقال إنه بمجرد إطلاله من نافذة "الآيفون" هرول الناس إلى الشوارع والأماكن الهامة التي سيطر عليها الانقلابيون وازدحمت طرقات اسطنبول بسيل هادر من السيارات، موضحاً أنه لهذا السبب كان حرص الانقلابيين منذ اللحظة الأولى على اعتقال أردوغان أو اغتياله في مرمريس على بحر إيجه حيث كان يقضى إجازته. وأكد أن إفشال الانقلاب لم يكن إلا البداية، مضيفاً أن حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف الجيش والقضاء تعني أن ما حدث ليلة السادس عشر من يوليو لم يكن مجرد انقلاب مثل سابقه بل كان جزءاً من مخطط أكبر وأوسع يرمي إلى تدمير الدولة التركية وإدخالها دائرة الفوضى مثل جيرانها في المنطقة ما يعني أن مواجهة المؤامرة والقضاء عليها تماماً قد يستغرق وقتاً من الزمن. وأردف أن الدور المحوري الذي قام به أردوغان لا يعني إغفال الدور الهام الذي قام جهاز الاستخبارات التركية بقيادة رئيسه هاكان فيدان، مضيفاً أنه طلب من أردوغان سرعة مغادرة الفندق الذي يقيم به قبل أن يتم قصفه ومحاولة اقتحامه بعدها مباشرة. وأشار إلى أنه نظرًا لمعرفة قادة الانقلاب بعمق العلاقة بين أردوغان وفيدان فقد استهدفوا مقر الجهاز بقصف جوي مكثف ركزوا فيه على شخص فيدان، مضيفاً أنه نجا بأعجوبة ثم أصدر أوامره لمنسوبي جهازه بالقتال حتى الموت. وقال إنه في موازاة ذلك أثبت رئيس الوزراء بن علي يلدريم نفسه كرجل دولة في سرعة الإعلان عن وجود تمرد داخل صفوف الجيش التركي، وأنه جار التعامل معها، لافتاً إلى أنه ظل محافظاً على ظهوره وتواجده حتى الصباح. وتابع العركي أنه لا يمكن كذلك إغفال الظهور الرائع للرئيس التركي السابق عبد الله جول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، منددين بالانقلاب، هذا بالإضافة إلى رفض رؤساء أحزاب المعارضة الرئيسية للانقلاب.