وقد أدى ظهور أقراص الليزر (التي بدأت هي الأخرى في الاندثار!) ووسائل التخزين الحديثة الصغيرة بإمكاناتها الخرافية في التسجيل والتخزين وسهولة العرض إلى العصف بصناعة المسجلات وأشرطتها المرئية والمسموعة، وسوف تؤثر على الإرسال التلفازي بل وعلى دور السينما والمسرح. كما أن جهاز التلفاز التقليدي نفسه مرشح للاختفاء إذ تغني عنه بطاقة صغيرة تزرع داخل الحاسوب ليقوم بكل وظائف استقبال الإرسال التلفازي، وبالإمكانات العجيبة للحاسب الآلي، ووقد بدأ بالفعل استقبال هذا الإرسال على الهاتف الجوال. ومع تطور وانتشار خدمة الإنترنت؛ فقد اندثر النظام التقليدي للبريد ومعه طوابعه وكذلك بطاقات التهنئة وغيرها، وقد لحق المبرق ونظام البرقيات الحالي بالتلكس.. ولن يتبقى من نظام البريد الراهن سوى خدمة الطرود. ولولا أن خدمة الإنترنت- على الجوال- مرتبطة حاليا بالشركات التي تقدم خدمة الهاتف الجوال لبدأت هذه الشركات في الاندثار أمام التطبيقات الجديدة التي تسهل الاتصال وتبادل الرسائل والملفات بالمجان. وقد تطور نظام النشر الالكتروني على شبكة الانترنت للبحوث العلمية واختفت المجلات المطبوعة في بعض التخصصات, وأصبح بوسعك استدعاء المجلة إلى بيتك أو معملك لتتصفحها على الشاشة وتطبع ما شئت من البحوث, ولم تعد هناك حاجة لا للبريد, ولا حتى للمطبعة. وسوف يؤدي نجاح هذا النظام وانتشاره إلى التأثير على الصحف والمجلات والكتب المطبوعة, وسواء شئنا أم أبينا فلن تترك لنا الإمكانات الحديثة فرصة للجلوس العادي والمطالعة التقليدية, خصوصا عند تزاوج النظام الصوتي مع الصورة مع المعلومة المنشورة إلكترونيا, ولن تكون هناك مشكلة في الاستماع إلى محتويات صحيفتك مقرونة بموسيقاك المفضلة وأنت تزاول عملك أو رياضتك أو أثناء تناول الإفطار أو قيادة السيارة أو الاسترخاء على شاطئ البحر. وسوف يؤثر ذلك بلا شك على صناعات الورق والأحبار وعلى المطابع وصناعتها وعمالها, وقد اختفت بالفعل نظم الطباعة التقليدية بأسلوب صف الحروف. ولن تنجو صناعة الملفات والأرشيف والتخزين المعلوماتي, ومعها بعض الأدوات الكتابية والهندسية وأدوات القياس والرسم التقليدية من المصير ذاته.. وقد اختفى القرص الليزري- كما أسلفنا- رغم حداثته أمام وسائل التخزين الأحدث لصغر حجمها وسعة استيعابها. بل إن نظم التعليم والتدريب أصبحت مرشحة بقوة للتغيير الجذري بعد أن صار التعليم أيسر وأسهل وأرخص بالحصول على (فلاشة) صغيرة والجلوس أمام الشاشة لمشاهدة المعلم والحوار معه والاستمتاع بكل وسائل الإيضاح المبهرة، والتدريب في حل المسائل وإجابة الامتحانات دون الحاجة إلى السبورة والطباشير والأقلام, ودون الحاجة إلى المدرسة التي أصبحت طاردة للأسف- بمقاعدها ومعلميها وقاعاتها. وقد أصبح متاحا بالأسواق برامج للتحليل المعملي وممارسة التجارب العلمية المعملية على الشاشة, وأهم ما فيها تيسير إجراء ومشاهدة التفاعلات الكيميائية التي تصعب مزاولتها عمليا بسبب خطورتها أو تكاليفها الباهظة. كما صار من اليسير تخيل أشكال الجزيئات والذرات وحركتها وطرق ارتباطها أو تكسيرها. وهناك الآن صناعة كبيرة مرشحة للاندثار قريبا وهي صناعة التصوير بآلاتها وأفلامها وأوراقها ومعاملها, فمع انتشار آلات التصوير الرقمية التي يتم توصيلها بالحاسوب أو بالطابعة مباشرة، ومع توافرها أيضا بالهواتف الجوالة والحواسيب المحمولة, لن تكون هناك حاجة لاستخدام الأفلام وما يترتب عليها, وسوف يكون الحصول على الصورة الملونة بكل فنونها ميسرا لأي طفل يستطيع التعامل مع الحاسوب أو الهاتف الجوال. وقد بدأت صناعة أجهزة عرض الشرائح والأفلام واللوحات التقليدية (Projectors) في التوقف بعد أن عصف بها الحاسب الآلي والهاتف الجوال بإبهاره وسهولته. وها هي أجهزة نسخ المستندات تفقد بريقها ودورها أمام جهاز الماسح الضوئي (Scanner) المتصل بالحاسوب. ولا نظن أنه من باب المبالغة أن نتوقع اختفاء الأسواق الكبيرة المجمعة (Malls) التي يتوجه إليها مجتمعنا الآن بقوة!، فالسوق بعروضه وأسعاره وطرق الدفع متوافر على الشاشة.. كما أصبح ممكنا الاستغناء عن أوراق البنكنوت والشيكات والمصارف التقليدية.. بل يمكن أن يصل الأمر إلى أن يعمل الموظفون في قطاع الخدمات من بيوتهم مادام من الممكن استدعاء الملفات إلى المنزل، وقد يصبح ممكنا الاستغناء عن الموظفين والعمل بنظام "اخدم نفسك"، وقد بدأ هذا بالفعل في بعض الدول. والآن ما هو المطلوب منا لكي نصبح من الأمم اليقظة التي أسلفنا الحديث عنها، ولكي لا يفوتنا هذا القطار المندفع إلى العالم الجديد؟.. ألا ينبغي أن نسابق الزمن ونكف عن محاولات نقل التقنية البالية التي فاتنا قطارها أيضا، ونعيد النظر في أولوياتنا بدعم البحث العلمي في هذه المجالات الجديدة؟.. أليس من الأفضل أن يتفرغ البعض منا للعمل في مجال المواد الجديدة والتقنيات العالية لنشارك العالم في هذا الخير ليكون لنا نصيب فيه؟. إن الشعب المصري لا يقل عن شعوب الدول المتقدمة, بل إنه يتفوق على الكثير منها، ولكنه للأسف لم تتح له الفرصة لإثبات وجوده. · احذروا اليوم الذي نصير فيه مثل الآلات الكاتبة, وأجهزة التلكس.. احذروا يوما يتفرج فيه العالم علينا في متحف التاريخ. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.