البعض ينسب مقولة "تفاءلوا بالخير تجدوه" للرسول صلي الله عليه وسلم حيث كان يعجبه الفأل ونهي عن الطيرة-وهي التشاؤم-وهي أيضا بنفس المعني لحديث الرسول التي روته السيدة عائشة حيث يقول الرسول "تفاءل بما تهوي، فقلما يقال لشيء كان إلا تحققا"، كما تلخصها قول الله تعالي في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بي". وعن أهمية التفاؤل الإيجابي ونسيان الهموم والتوكل علي الله-بعد الأخذ بالأسباب-في حياة الإنسان يقول السيد المسيح "الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس...وزنابق الحقل تنمو ولا تتعب ولا تغزل، وسليمان في كل مجده لا يلبس كما تلبس واحدة منها، فإذا كان العُشب الذي يقوم اليوم في الحقل ويُطرح غداً في التنور يُلبسه الله فما أحراكم أن يُلبِسَكم يا قليلي الإيمان".
ما أجمل التشبث بالأمل مهما كانت صعوبات الحياة والتي كان يعيشها وقاسي منها الشاعر أبو القاسم الشابي فكتب أبيات جميلة يقول فيها:
سأعيش رغم الداء والأعداء..................كالنسر فوق القمة الشماء
أرنو إلي الشمس المضيئة هازئاً.............بالسحب، والأمطار والأنواء
النور في قلبي وبين جوانحي..................فعلام أخشي السير في الظلماء؟
تغيب في مجتمعنا بصورة واضحة ثقافة الغضب الإيجابي والصبر عند أي خسارة نواجهها في الحياة، البعض قد ينهار أو ييأس فيما هو قادم ولسان حالهم يقول المقولة المعروفة "الأسوأ قادم". للأسف يتم تصدير تلك الثقافة الي الأجيال الشابة ولو بشكل غير مباشر.
أما عن الأثر السيء من جراء الغضب الشديد والمتسرع عند البعض، نصحنا الرسول صلي الله عليه وسلم بآلا نغضب وذلك في مواقف عديدة منها أنه قال "ليس الشديد بالصرعة-وهو البطل الذي يصرع الآخرين-، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وقوله يوصي رجلاً أراد النصيحة من الرسول"لا تغضب" وقال أيضاً "الصبر عند الصدمة الاولي" و "كاد الحليم أن يكون نبياً".
يقول دانيال جولمان عن أهمية التفاؤل في حياة الناس "التفاؤل يعتبر إتجاهاً يحمي الإنسان من الوقوع في البلادة واليأس والإكتئاب عند التعرض للصعاب، كما يدفع أرباحه في الحياة-بشرط أن يكون تفاؤلاً واقعياً-لأن التفاؤل الساذج له آثار مدمرة. فعند التعرض للإحباطات في العمل مثلاً يميل المتفائلون الي الإستجابة بأمل وإيجابية فيعدون الخطط للفعل وقد يبحثون عن المساعدة أو النصيحة، وينظرون للهزائم علي أنها أشياء قابلة للعلاج، وعلي العكس فإن المتشائمون يفترضون أنهم لا يقدرون علي فعل شيء وعاجزون عن النجاح في المرة القادمة ولذلك لا يفعلون شيئاً فعلياً لحل المشكلة ويعزون الهزيمة لعجز شخصي وهذا العجز سوف يعيقهم علي الدوام".
التأثير الهدام للهم-من الهموم- والذي قد يؤدي بالإنسان لزيارة واللف علي عيادات الأطباء أو أخيراً للقبر يوجد مثل-إنجليزي-معناه يقول أن الهم والحزن قتل القطة التي يعتبرها الناس-مجازاً-بسبعة أرواح نظراً لقوة تحملها وموتها الصعب. أمثلة كثيرة من واقع حياتنا سواء عايشناها أو سمعنا عنها من قبيل إصابة البعض بنوبات قلبية وأمراض الضغط والسكر الذي قد يؤدي الي الوفاة في بعض الأحيان نتيجة لتخطيهم في ترقية أو عدم إختيارهم لشغل وظيفة هامة أو إخفاقهم في الحصول علي درجة أعلي من التي يشغلها، أو حسداً لبعض زملائهم الذين نالوا تلك المميزات. هل السبب فيما أصبح حالهم يرجع الي الأمال الكبيرة والاماني العريضة فيما كانوا سوف يحصدونه من وراء شغلهم لتلك المناصب؟. هذا الإنهيار السريع الذي يعكس ثقافة إما كل شيء أو لا شيء تكشف فقراً شديداً في النفوس وغياب روح القناعة والتسامح.
يقول الدكتور بيتر كوفمان "كل نوبة غضب تضيف المزيد من الضغوط علي القلب بزيادة ضربات القلب وضغط الدم، وإذا تكرر ذلك كثيراً فقد يؤدي الي حدوث تدمير في القلب، بالإضافة الي أن الإنفعالات السلبية الشديدة من أي نوع ترسل بإنتظام فائضاً من هزمونات الضغط في جميع أنواع الجسم". أضاف بروس ماك أوين عالم النفس المعروف أن تأثير الغضب والضغوط علي الإنسان تؤدي الي ضعف في وظائف المناعة للدرجة التي تسمح بإنتشار أمراض السرطان، وزيادة التعرض للعدوي الفيروسية، والإسراع بتكوين الصفائح التي تؤدي الي تصلب الشرايين وتجلط الدم-جلطات القلب-، والإسراع بالإصابة بالسكر وحدة نوبات الربو وقرح الجهاز الهضمي والقولون التقرحي وإلتهاب الأمعاء، ومع إستمرار الضغوط يتعرض المخ لتلف في مركز الذاكرة. وضع ويليامز روشتة لعلاج العدائية غاية في البساطة حيث قال "شفاء العدائية يكمن في تشجيع القلب علي الثقة بالآخرين، وكل ما يتطلبه هو الرغبة الحقيقية في ذلك. وحين يعرف الأشخاص أن عدائيتهم قد تذهب بهم الي القبر مبكراً، يصبحون أكثر إستعدادا للمحاولة".
التفاؤل الإيجابي كان يمارسه الكثير من العظماء البارزين الذين واجهوا صعاب وكوارث في حياتهم، إلا أنهم تغلبوا عليها بالصبر وتعلموا منها الدروس والعبر التي كانت لهم حافزاً للتفوق والعبقرية. منهم العلماء المسلمون وغيرهم، نذكر علي سبيل المثال لا الحصر "أينشتين" والذي قال عنه مُعلِمه أنه لن ينجز شيئاً ذا قيمة في حياته، إلا أنه كان من أبرز علماء عصره وظلت عبقريته حتي يومنا هذا، فقد رصد العلماء موجات الجاذبية في الفضاء والتي تنبأ بها منذ مائة عام-تم الإعلان عن ذلك الخميس 11 فبراير في العام الحالي. يقول أحد المفكرين "...إننا يجب نتعلم من المعاناة...من ممارسة المخاطر....من الحب....من تحمل مساءات الحياة في عِزة وإباء....إننا نتعلم كيف نجنب أنفسنا التورط في سلوك يؤدي إلي الإضرار بالذات.....إننا نتعلم كيف لا نبدد طاقاتنا في القلق وأيضاً كيف نتعامل مع توتراتنا إن كانت موجودة...وأن نتعلم ان الرثاء للذات والإستياء والغل من اخطر العقاقير السامة وأننا إذا بلغنا مرحلة الإدمان لها فعلينا ان نستأصل تلك العادة مهما يكن الثمن باهظاً".