أجرت كلية الآداب جامعة القاهرة دراسة مطولة عن التسامح الاجتماعى، ألقت خلالها الضوء على قيمة التسامح فى المجتمع المصرى وكيف تتجلى هذه القيمة فى التفاعلات اليومية مع تحديد العلاقة بين التسامح وبعض المتغيرات مثل التعليم والمستوى الاجتماعى والاقتصادى.. بدأت الدراسة مؤكدة على وجود مفاهيم عديدة تقترب من مفهوم التسامح وتتداخل معه، أهمها التساهل والتعايش والسلام الاجتماعى والمجاراة والاحترام والحلم والاعتدال والتقدير وقبول الآخر.. وكشفت عن أوجه التعاون بدرجة كبيرة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر على المستويين الاجتماعى والسياسى وأن التسامح والتعاون المتبادلين قد استمرا بينهما فى مختلف المواقف السياسية والاجتماعية.. وذلك نتيجة لتركيز جهود العديد من الفئات والشرائح السياسية والاجتماعية والدينية فى المجتمع المصرى فى سبيل تأكيد علاقات التسامح والتعاون بين جميع فئات المجتمع. كشفت الدراسة التى اختارت عددًا من المناطق فى مصر أن الغالبية العظمى من المصريين وتحديدا بنسبة89% يتسامحون مع أفراد أسرهم، وهذا كما تقول الدراسة يعكس ارتباط التسامح بزيادة العلاقات والتفاعلات الاجتماعية، والتى غالبًا ماتتوافر داخل الأسرة وبين أفرادها.. ويأتى بعد ذلك الأقارب ويعتبرهم المصريون من أهم الفئات التى يجب التسامح معها ثم يأتى الأصدقاء فى المرتبة الثالثة يلى ذلك فى الترتيب كبار السن والأطفال والمرضى، وهذا يعنى أن المصريين يميلون بدرجة أكبر إلى التسامح مع الفئات الاجتماعية الأضعف أو الأقل فى المكانة الاجتماعية داخل المجتمع.. فى حين جاء الجيران فى المرتبة السابعة تليهم النساء، وأكد المصريون على ضرورة التسامح مع أصحاب الديانات المختلفة ومع المهاجرين للحضر وأهل القرية. وأوضحت الدراسة أن سكان القاهرة يؤكدون أن أعضاء الأسرة هم أكثر الفئات التى يجب أن يتسامح معها الفرد يليهم الأقراب ثم الأصدقاء ثم الجيران أيضًا، ويأتى بعد ذلك كبار السن والأطفال والمرضى ثم ذوو الديانات الأخرى فأهل القرية والنساء، وأخيرًا المهاجرون من الريف إلى الحضر.. بينما أكد سكان محافظة المنوفية أن أكثر الفئات التى يجب أن يتسامح معها الفرد هم المرضى ثم كبار السن ثم الأطفال، فالأصدقاء ثم الأقارب فالجيران ثم النساء فأهل القرية وأصحاب الديانات الأخرى، وأخيرًا المهاجرون. وفسرت الدراسة هذه النتيجة بأن سكان محافظة المنوفية كثيرو الهجرة إلى القاهرة للعمل أو لقضاء المصالح بحكم قرب المسافة بين المحافظتين، وبالتالى فإن لهم تفاعلات اجتماعية كثيرة مع فئات وشرائح اجتماعية فى الأماكن التى ينتقلون إليها مما ينعكس بدرجة كبيرة فى تركيزهم على بعض الفئات الأولى بالتسامح دون الفئات الأخرى، لذلك لم تكن الفئات التى تربطها بالفرد علاقات شبه دائمة مثل الجيران والأقارب والأصدقاء هى ذات الأولوية القصوى فيما يتعلق بالتسامح، كما فى محافظة القاهرة.. وبالنسبة لسكان أسيوط لاحظت الدراسة أنهم أقرب لسكان القاهرة منهم إلى المنوفية، حيث أكدوا أن الفئات الواجب التسامح معها بالترتيب هى أفراد الأسرة والجيران والأقارب والأصدقاء ثم يأتى أصحاب الديانات المختلفة والمهاجرون ثم النساء وكبار السن والمرضى واتفق الذكور والإناث على التركيز على أفراد الأسرة أو الأصدقاء والأقارب باعتبارهم أكثر الفئات التى يجب التسامح معها الفرد.. بينما لم تركز عينة الإناث على فئة النساء باعتبارها أكثر الفئات احتياجًا للتسامح، كما أكدت عينة الذكور على بعض الفئات دون الإناث التى يجب التسامح معها.. أما بالنسبة لأولوية التسامح عند المسلمين فقد جاء أفراد الأسرة فى البداية ثم الأقارب ثم كبار السن ثم الأصدقاء ثم باقى الفئات وهى نفس نسبة التسامح عند المسيحيين وانتقلت الدراسة بعد ذلك إلى العوامل المؤيدة للتسامح بين المصريين وحددتها بأربعة عوامل هى الممارسات اليومية والظروف المجتمعية بالفرد ومدى تأثيرها فى دفع عملية التسامح فى المجتمع والتنشئة الاجتماعية وعلاقاتها بالتسامح، وأخيرًا علاقة التسامح بالازدحام داخل المساكن.. وبالنسبة للممارسة اليومية أكد77% من المصريين أن هذه الممارسات حب الآخرين والالتزام الدينى والالتزام الأخلاقى واحترام الآخرين ثم يأتى بعد ذلك الحرص على حقوق الغير الذى يؤدى إلى زيادة درجة التسامح بين أفراد المجتمع ثم مساعدة الآخرين ثم قبول الفقراء وأخيرا الهدوء والالتزام من جانب الفرد والاستماع لآراء الآخرين والعامل الثانى هو الظروف المجتمعية، كما جاءت بالدراسة يتمثل فى عدة عوامل تدفع إلى عدم التسامح مع الآخرين ويأتى فى مقدمتها التربية الخاطئة بنسبة72% ثم سيادة ثقافة عدم احترام المجتمع ثم البطالة وصعوبة الحصول على فرص العمل ثم الفوارق بين السكان ثم غلاء المعيشة وانتشار الأمية وعدم كفاية الدخل لسد الاحتياجات، وأخيرًا تأتى العوامل الخاصة بوسائل الإعلام والشعور بالغربة وزيادة أوقات الفراغ. ويتمثل العامل الثالث من العوامل المؤدية للتسامح فى المجتمع فى التنشئة الاجتماعية وتعنى مجموعة العمليات الثقافية والاجتماعية التى يصبح الفرد من خلالها قادرًا على استيعاب قيم ومعايير المجتمع، الذى يعيش فيه.. وكشفت الدراسة عن وجود علاقة بين التسامح والعديد من أساليب التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة مثل البعد عن الدين والتدليل والتسيب وترك الأولاد للتليفزيون وعدم الرعاية والمتابعة وترسيخ القيم المادية والاقتصادية لدى الأبناء وعدم احترام الكبار والاعتماد على أساليب القسوة والضرب فى تربية الأبناء وهناك عوامل تؤدى إلى التعصب بدرجة كبيرة أهمها عدم الرعاية ومتابعة الأبناء والاعتماد على الغير.. وانتقلت الدراسة إلى سؤال يبحث الكثيرون عن إجابة عنه: ما الفئات فى مجتمعنا التى يجب ألا نتسامح معها؟ أكدت الشرائح التى قامت عليها الدراسة ونسبة 76% أن فئة البعيدين عن القيم الدينية هم الفئة التى لايجب التسامح معها، وقالت الدراسة إن ارتفاع درجة التدين فى المجتمع المصرى وإن الدين لايزال هو العامل الأهم الذى لايجب البعد عنه تأتى بعد ذلك فئة الخارجين على القانون ويعكس هذا ارتفاع درجة الوعى لدى الأفراد لكثرة الانحرافات وأوجه الفساد بين الفئات والشرائح المختلفة فى المجتمع، وهنا يجب أن نفرق بين فئة المجرمين وأرباب السوابق والفرق بينهما أن الفئة الأولى نادرا ما تقع تحت طائلة القانون، بينما الفئة الثانية هى التى قد عوقبت بالفعل أو سبق لها العقاب من قبل سلطة الدولة يلى ذلك فئة البلطجية والفتوات التى لايجب التسامح معها.. وانتهت الدراسة إلى وجود علاقة بين التسامح وأوضاع الحياة المعيشية. فالمتزوجون المصريون أكثر تسامحا من فئة العزاب وفسرت هذا بارتفاع درجة الخبرات والتجارب المعيشية التى يمر بها المتزوجون، والتى تتيح لهم فرصة التعايش مع الآخرين بدرجة أكبر، كما تتيح لهم التعارف على أنسب الطرق لمواجهة المواقف المختلفة التى يتعرضون لها.