سطرت مقالتي هذه لتحقيق الاستفادة من حقبة تاريخية إشتملت على قرارات مصيرية هامة كان لها بالغ الآثر في تحديد مجريات الأحداث , ولقد افترضت فيها وجودي في منصب رئيس الدولة واضعاً عبارة (لا قدر الله) لهول هذا المنصب الذي يعزف عنه كل من يعرف حجم المسؤلية الملقاة على عاتق الرئيس , وأيضاً ما ينتظره من حساب يوم القيامة إن هو قصر في حق دينه وأمته ووطنه , خاصة ونحن في هذا الظرف الاستثنائي بعد ثورة 25 يناير والتي أطاحت بحاكم ظلوم غشوم . وسأتناول في مقالي هذا الرؤساء الثلاثة على ترتيب ولايتهم ( الدكتور محمد مرسي – المستشار عدلي منصور – المشير عبدالفتاح السيسي ) معلقاً على القرارات الرئيسة وما كان ينبغي فعله من وجهة نظري قاصداً النفع العام لوطني ولشباب أمتي حتى نتدارك ماأمكن ونصحح ما نقدر عليه , والمقال في نهاية المطاف هو اجتهاد شخصي ربما يصيب أو يخطئ ولكنه يفتح الباب أمام إعادة النظر والتقويم والتسديد والتقريب . 1- لو كنت مكان الدكتور محمد مرسي (لا قدر الله) في البداية لابد وأن أقرر أنني كتبت أكثر من مرة عنه فهو رجل صاحب خلق ودين وطالبت بالإفراج عنه , ولكن يأتي تعليقي عليه من جهة إدارته للدولة فترة حكمة وهو أمر عام يتعرض له كل من يشغل وظيفة عامة . ولاشك أن الدكتور محمد مرسي قد نجح في انتخابات حرة نزيهة بأغلبية طفيفة وهو أمر يدعو للإنتباه بأن المعارضة قوية , كما أن هناك من انتخبه تفادياً لوصول الفريق أحمد شفيق إلى سدة الحكم , ولقد كانت بدايته قوية حين أقسم اليمين في ميدان التحرير وسط حشد شعبي هائل من جميع الطوائف والتجمعات السياسية وهم يحملون مشاعر وطنية جياشة وآمال حول مستقبل أفضل , ولكن الدكتور مرسي لم يحافظ على هذا الزخم ولم يستغله , فلقد كان من الأفضل أن يطرح مشروع النهضة على الحوار المجتمعي ( أخذاً باقتراح حزب البناء والتنمية ) مع قبول التعديلات الجيدة ليكون مشروعاً وطنياً وليس مشروعاً إخوانياً . ولو كنت مكانه أيضاً لقبلت بمشروع حل مشكلة سيناء الذي تقدم به حزب البناء والتنمية , ولم أكن لأسمح لقيادات من جماعة الإخوان بالتحرك المنفرد لحل مشكلة سيناء وهو تحرك باء بالفشل , وكنت سأتعامل مع جماعة الإخوان كغيرها من الفصائل والجماعات دون أن أميزها في قبول الاقتراحات من عدمه , مع محو الصورة التي ارتسمت في أذهان كثير من المواطنين بأن الرئيس ترك مشورة المستشارين والمساعدين من غير الإخوان حتى استقال معظمهم . ولو كنت مكان الرئيس لما تراجعت عن وعدي لوزير الدفاع بعقد المؤتمر الخاص بالمعارضة حيث تم صرف الحضور بعد وصول معظمهم وإلغاء المؤتمر مما أدى إلى إحراج المؤسسة العسكرية وإحداث أول شرخ في العلاقة مع الرئيس . ولو كنت مكانه لاعتمدت على حركة الجماهيركقوة مساندة للإصلاح المؤسسي وبناء الدولة الحديثة وما كنت لأصطدم بالقضاء في ذلك الإعلان الدستوري الذي فتح الباب نحو حشد المعارضة ضد الرئيس باعتباره قد خالف الدستور والقانون وحصن قراراته من الطعون , كما أنني كنت سأستجيب لمطالب المعارضة التي خرجت في البداية مطالبة بتغيير وزاري فلم يكن هناك ضرورة للتمسك برئيس الوزراء أو أحد من الوزراء , إذ كان من السهل تعيين بعض الشخصيات الوطنية التوافقية لاجتياز هذه الأزمة التي تصاعدت حتى وصلت إلى المطالبة برحيل الرئيس نفسه , ثم إنني كنت سأقبل باقتراح حزب البناء والتنمية بالاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة كمخرج للأزمة من خلال الاحتكام للصندوق الانتخابي تلافياً للوصول إلى مرحلة الصدام والعزل التي أضرت كثيراً بالوطن كله وبالتجربة الديمقراطية على وجه الخصوص . وأرى أنه كان من الضروري رفع الحرج عن أنصاره مع أول إطلالة للرئيس في المحكمة بالإعلان عن تولية قيادة جديدة يتم الحشد خلفها في أول انتخابات قادمة وذلك حفاظاً على كيان جماعة الإخوان صاحبة الأيادي البيضاء في العمل الاجتماعي والخيري الذي كان يلمسه المواطنون , ولكنهم فقدوا ذلك في خضم الصراع حيث توقفت هذه الأنشطة . وأكتفي بهذا القدر من ملاحظات كنت أتمنى معالجتها غلقاً لباب الفتنة المتوقعة عند نشوب الصراع وهو ماحدث بالفعل وأسأل الله أن يصلح الأحوال ويرحم شهداء المرحلة ويفرج عن المسجونين . ولا يفوتني أن أذكر أن سبب سقوط الدكتور محمد مرسي لا تتحمله مؤسسة الرئاسة وحدها بل تشاركها قيادة الإخوان المسلمين التي لم تعاونه أن يكون رئيسا لكل المصريين , فضلاً عن أن مؤسسات الدولة لم تتعاون مع الرئيس , بل كان بعضها ضده تماماً , والذي يحسب للرجل في فترة ولايته أنه لم يشكو أحداً ممن هاجموه وسبوه إلى القضاء بل عفا عنهم . 2- لو كنت مكان الرئيس المؤقت عدلي منصور (لا قدر الله ) ماكنت لأقبل بهذا الدور إلا في إطار الإصلاح وليس بالبداية المنحازة في الخطاب الأول الذي لايخفى على أحد قدر السخط والغضب الذي ظهر منه , ولو كنت مكانه لقبلت فكرة ومقترح حزب البناء والتنمية بالاستفتاء على قرارات 3 يوليو فإن وافق الشعب أمضيتها وإن لم يوافق أعدت الأمر إلى نصابه لأن مقام القضاء العالى وأحكام الدستور لا يسمحان بغير ذلك , ثم إنني كنت سأرفض توقيع أي قرارات بقانون كتلك التي أثارت إعتراضات من القوى السياسية , وكنت سأشرع في المصالحة الوطنية ولم الشمل كهدف رئيس في فترة الولاية الانتقالية التي كان من المهم أن تعود فيها اللحمة إلى الوطن بكافة طوائفه دون إقصاء لأحد على النحو الذي شاهدناه وكأنه تطهير عرقي في المؤسسات !! لقد كانت هذه الفترة الانتقالية أقرب إلى كونها فترة إنتقامية حيث زادت الهوة بين أطياف المجتمع ونسيجه الداخلي وأسست لصراع طويل وعميق لا يرضي أحداً ممن يحبون هذا الوطن . 3- لو كنت مكان المشير عبدالفتاح السيسي ( لا قدر الله ) لقمت بمراجعة المواقف من قبل ذلك أي أثناء تولي وزارة الدفاع فلقد كان من الصواب من وجهة نظري أن يتم الصبر على الدكتور محمد مرسي مع استمرار الضغط الشعبي لحين موافقته على إجراء الاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة , لأن خطورة عزله بناء على تقدير حجم مظاهرة خرجت ضده سيغلق الباب أمام الصندوق الانتخابي الذي يمثل إرادة الشعب , بينما يفتح الباب أمام استخدام القوة في التغيير وهو مايفتح الطريق أمام صراع طويل بين مؤيدي الدكتور مرسي وبين معارضيه . ولو كنت مكان الرئيس عبدالفتاح السيسي لحافظت على حياد الجيش لأن انحيازه إلى فريق دون استفتاء شعبي على قرارات 3/7 يجعل من الجيش طرفاً في المشكلة , ولو كنت مكانه ما قبلت الضغوط التي تمت للترشح لمنصب الرئيس لأن البقاء في وظيفة وزير الدفاع أفضل وأبعد عن الشبهة . ولقد نجح الرئيس عبدالفتاح السيسي في أجواء انتخابية خالية من المنافسة الحقيقية رغم عزوف الكثيرين عن المشاركة , ولقد كتبت مقالاً بعنوان ( الشعبية لا تدوم ) بينت فيه ناصحاً أن الممارسة ستنقص من الشعبية بشكل تدريجي , وقد كان . كما كنت سأسعى جاهداً إلى المصالحة الوطنية ولم الشمل وإصدار التعليمات الصارمة إلى جهات الاختصاص بعدم المساس بالمواطن المصري ورعاية حقوقه كإنسان محترم , ومحاسبة كل من يتعدى من مؤسسات الدولة عليه , وكنت سأبذل جهدي بشتى الطرق للإفراج عن الدكتور محمد مرسي وقيادات الإخوان فيكفي ما جرى لهم من عزل عن السلطة ومعاناة وخسائر مادية لا تحصى , ولا شك أن الإفراج عن الحلفاء والنشطاء سيكون أكثر يسراً وسهولة. ولو كنت مكان الرئيس ماكنت لأسمح باستبعاد المخالفين من مؤسسات الدولة كالقضاة وأساتذة الجامعات ونحو ذلك ممن جرى فصله أو إحالته إلى التقاعد , لأنه من البديهي في أي نظام ديمقراطي أن يكون فيه معارضون , ولو أننا اعتمدنا هذا المبدأ لبادر كل فريق يتولى الحكم إلى استبعاد الفريق الآخر . كما كنت سأتجه إلى ترتيب الأولويات بتقديم مشروعات استصلاح الأراضي ورفع إنتاجية الفدان وبناء المساكن لمحدودي الدخل وتشغيل المصانع المتوقفة , ودعم المشروعات المتوسطة والصغيرة وتوظيف العاطلين وذلك كله قبل مشروع قناة السويس ومشروع العاصمة الإدارية التي امتصت أموالاً كثيرة وبلا عائد سريع على المواطن . وكنت سأطالب الحكومة بتصفية النزاعات مع المواطنين والمنظورة أمام القضاء الإداري مع رد الحقوق إلى أصحابها قبل نهاية سلم التقاضي الطويل الذي يرهق المواطن , كما أن رفع المظالم عن الشعب هو أحد ركائز الاستقرار والوقاية من العقوبات الإلهية العامة . ولو كنت مكان الرئيس ما أقدمت أبداً على عزل المستشار هشام جنينة لأن ما أثاره من قضايا الفساد كان لزاماً أن يتم فتح ملفات التحقيق حولها لا أن يحال هو إلى التحقيق حتى لو كانت الأرقام مبالغاً فيها . ولو كنت مكان الرئيس لبادرت إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لاستعادة الأموال المنهوبة وملاحقة المسئولين عن ذلك محلياً ودولياً , ولعملت على إسقاط ديون مصر خاصة وأن معظم هذه الديون قد تم سداد أصولها . ولو كنت مكانه لأصدرت تعليماتي لوقف العمل بقانون التظاهر فضلاً عن الإفراج عن كافة المحتجزين على ذمته , وكنت سأطرح جميع المشروعات الاستراتيجية على الحوار المجتمعي قبل الشروع في التنفيذ وكنت سأتخذ قراراً في مشكلة سد النهضة بالتحرك القانوني على المستوى الدولى لحفظ حق مصر في حصتها طبقاً للإتفاقيات السابقة , وكذلك إجراء التعديلات على السياسة الزراعية بما يتناسب مع إحتمالات نقص المياة المتوقعة. أما عن الجزيرتين فكان من الصواب أن يتم شرح ذلك للشعب قبل التوقيع على التسليم . ولو كنت مكان الرئيس لأنصفت جميع المظلومين وحاسبت كل المتورطين في قتل المواطنين سواء كانوا من الجيش أو الشرطة أو المتظاهرين . هذا ولازال أمام الرئيس الفرصة سانحة لتصويب الأخطاء وحل المشكلات حتى انتهاء مدة الولاية الأولى ولو كنت مكانه ما ترشحت بعدها لأن رأب الصدع وعودة اللحمة الواحدة إلى شعب مصر لابد وأن يتم حلها فإن لم أتمكن من ذلك فإن الانسحاب من المسئولية يكون هو الأولى من أجل هذا الوطن مع إفساح المجال لشخصية توافقية في انتخابات حرة نزيهة تشارك فيها كافة القوى السياسية والحزبية على مستوى الوطن كله . ولو كنت مكان الرئيس لفطنت إلى أن المشكلات والصعوبات التي يتعرض لها المجتمع رغم المجهود الكبير المبذول هي بسبب عدم التوفيق ولذلك كنت سأسعى إلى تحصيل رضى الله وتوفيقه بإعلاء كلمة الله تعالى وإخلاص النوايا وشكر النعمة ونشر العدل ورد المظالم إلى أهلها ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) وختاماً فإن حديثي عن الرؤساء الثلاثة هو عبارة عن ترجمة لرؤية خاصة لمشهد يهم المواطن المصري في مرحلة خطيرة من تاريخ البلاد أردت فيها تقديم تعليق موضوعي على بعض الأحداث المحورية ولم تكن هذه الرؤية في حقيقتها بعد انتهاء المشاهد وإنما قدمنا النصيحة سراً وعلانية في موضع كل حدث قاصدين وجه الله تعالى ولم يكن لنا مطمع في منصب أو مكانة بل كنا دائماً نرعى مصلحة الوطن والمواطن . والله المستعان