بحكم طبيعة عملى كأستاذ للقانون التجارى، والتشريعات الاقتصادية بحقوق القاهرة، وكممارس للعمل القانونى، أطلع بشكل منتظم على جميع القرارات واللوائح التى تتعلق بالشؤون الاقتصادية والمالية. وللأسف الشديد عند تحليلى ودراستى الدقيقة لهذه القرارات واللوائح ينتابنى الإحساس بالمرارة لما يشوب بعض هذه القرارات واللوائح من سوء الصياغة وركاكة المعنى وغموض المغزى. حينما أطالع وأحلل هذه القرارات واللوائح، أجد أننا أمام ظواهر ثلاث: أولاها: كأن مصدرى هذه القرارات واللوائح يعانون من الإسهال التشريعى المزمن، وأما الظاهرة الثانية: أن هذه القرارات جاءت فى مجملها غير مكتملة، وكأنها نصف تشطيب. والظاهرة الثالثة: فهى تعارض ظاهر هذه النصوص فى عدد من الحالات مع الغايات والمقاصد التى صدرت من أجل تحقيقها. أما عن الظاهرة الأولى، وتتمثل فى غزارة هذه القرارات على حساب المضمون، فإن تفسير هذه الظاهرة فى رأى يتمثل فى وجود اعتقاد خاطئ لدى صانعى القرار فى غير قليل من الحالات أن حل المشاكل القائمة، ووضع حلول للمعضلات الحالية لا يكون إلا من خلال إصدار قرارات جديدة وتعديلات على كل ما هو قائم، وهو اعتقاد يشوبه الخلل فى العديد من الحالات. فإصدار القرارات «عمال على بطال» يؤدى إلى مزيد من التخبط، وسيطرة البيروقراطية، وإطلاق العنان لتفسيرات غير منطقية، فالأهم والأولى هو التطوير المؤسسى، وتفعيل النصوص القائمة والتخلص أو التقليل التدريجى من كل ما هو غير ضرورى ولوزارة التجارة والصناعة تجربة لا بأس بها فى هذا الشأن، وإن لم تكتمل بعد، حينما صدر قرار بإلغاء جميع القرارات التى لم تعد ذات محل، أو تتعارض مع ما صدر حديثاً، أو تخالف توجهات الوزارة الاستراتيجية، وهذا لا ينفى أن هناك مشاكل لا يمكن مواجهتها إلا بقرارات ولوائح بل وتشريعات جديدة، ولكن الحل ليس بالضرورة كل مرة فى إصدار قرار أو قانون جديد. وأما الظاهرة الثانية، وهى ظاهرة القرارات واللوائح نصف التشطيب، فإنه لا يخفى على كثير من رجال القانون، أنه بمجرد مطالعة بعض القرارات واللوائح الصادرة مؤخراً يستشعر المتخصص وغير المتخصص القدر الكبير من «العجلة» و«السربعة» التى أصابت صائغى ومصدرو هذه القرارات واللوائح، فصدرت غير مكتملة الملامح والشخصية، وكانت ثقافة نصف التشطيب التى انتشرت فى مجال التنمية العقارية قد انطبعت على لوائحنا وقراراتنا التنفيذية، فجاءت فى بعضها مبتسرة، وفى البعض الآخر متناقضة. فالحاجة إلى التطوير وإثبات أن هناك تحريكاً للمياه الراكدة، تدعو أحياناً إلى الاستسهال من خلال إصدار قرارات، وللأسف الشديد فإن هذه اللوائح تخرج مبتسرة غير مدروسة ومفتقرة لأبسط قواعد الصياغة، فتصدر ركيكة الصياغة ضعيفة المضمون. والظاهرة الثالثة هى أخطر هذه الظواهر، وهى تعارض الغايات والمقاصد من هذه القرارات مع ظاهر نصوص هذه القرارات واللوائح. فيتضح انقطاع الصلة بين واضعى السياسات من ناحية، والقائمين على صياغة هذه السياسات فى قوالب لائحية تنظمية كانت أو تنفيذية من ناحية أخرى، ولا يصلح فى بعض الأحيان أى تفسريات أو منهج غائى يعمل على تفعيل المعانى والمقاصد من هذه النصوص إزاء عوارها وتناقضها البين. أستاذ القانون التجارى جامعة القاهرة