طالعت مقالة فى «المصرى اليوم» بعنوان «الضبعة وبحر البقر»، كتبتها الدكتورة سهير منصور التى حرصت على أن تعرف نفسها باعتبارها طبيبة وباحثة فى الطاقة المتجددة دون أن تُعنى بتوضيح كيف انتقلت من مهنة الطب إلى مهنة الهندسة، ليس فقط كمهندسة عادية بل كباحثة، وبالطبع لا نعرف ما هى أبحاثها ولا أين نشرت... إلخ. بدأت «الباحثة» مقالها بالقول إن «موضوع الطاقة النووية الحديث فيه محاط بالمحاذير، فإما أن تكون مع الجميع أو الويل لك لو حاولت أن تفكر دون وصاية»، ومن المدهش أن سيادتها قد سبق لها نشر كلامها هذا فى جريدة يومية أيضا، كما أنها ظهرت فى برنامج تليفزيونى وسمح لها فيه بعرض لوحات توضح رؤيتها، ثم ها هى تكتب فى جريدة «المصرى اليوم»، وكل ما ذكرت وسائل إعلام واسعة الانتشار، فما هو الويل الذى حدث لها إذن؟ نأتى الآن إلى لب الموقف الذى تتبناه، والذى يتلخص فى «إيقاف المشروع فى موقع الضبعة، ونقله إلى سيناء»، وفى سبيل هذا تلجأ «الباحثة» إلى إثارة الفزع بين الناس باختلاق سيناريوهات ووقائع لا أصل لها، ومن هذا الزعم بوجود أبحاث بألمانيا تفيد بأن المحطات النووية فى مستوى الإشعاع المنخفض العادى تسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان المعروف ب«اللوكيميا» للأطفال، ووجود «أبحاث ببنسلفانيا عن زيادة معدلات سرطان الغدة الدرقية للكبار والأطفال»، دون أن تخبرنا بهوية من قاموا بهذه الأبحاث وأين نشرت هذه الأبحاث.. هل فى مجلات علمية تخضع لتحكيم علمى دقيق، وهل تتبنى منظمة الصحة العالمية أو البورد الأمريكى أو الكلية الملكية البريطانية مثل هذه «الأبحاث»؟ ومن ناحية أخرى إذا كانت مزاعم الكاتبة صحيحة فلماذا تخاف على أهل الضبعة ولا تهتم بمصير أهلنا فى سيناء أو إخواننا فى فلسطين؟ فمن بين تكتيكات إثارة الفزع الزعم بالخوف «على سكان الإسكندرية ودمنهور وقرى البحيرة من مفاعل اخترنا له موقعا غرب الإسكندرية»، ولم تخبرنا «الباحثة» عن السبب فى عدم وصول الإشعاع النووى بعد تدمير المفاعل بواسطة إسرائيل – كما تقول - إلى مرسى مطروح غربا أو جزيرة قبرص شمالا!! بل وإلى كل مكان فى العالم، ولماذا سيقتصر الإشعاع على السير شرقا مسافة تتراوح ما بين 150 و200 كم كى يصيب سكان الإسكندرية ودمنهور وقرى البحيرة؟ تحدثنا «الباحثة» عن «مكاتب هندسية استشارية أوروبية قامت بدراسات بعد 11سبتمبر لمعرفة تأثير ارتطام طائرة بمبنى محطة نووية»، ولو أنها بحثت فعلا لعرفت أن أحد متطلبات الأمان النووى فى ألمانيا - حيث توجد حركة كثيفة للطيران - كان أن يتم تصميم وعاء الاحتواء الخرسانى للمفاعل بحيث يتحمل ارتطام طائرة بوينج 747 بكامل سرعتها بوعاء الاحتواء، منذ سبعينيات القرن الماضى وقبل أحداث 11 سبتمبر بربع قرن، وبعد أحداث 11 سبتمبر أصبح هذا الشرط ضمن متطلبات الأمان لكل الدول. لقد كشفت «الباحثة» نفسها دون أن تدرى بمطالبتها بنقل المحطة النووية إلى سيناء بحيث لا يمكن توفير الحماية التى تتطلبها والتى يمكن توفيرها فى الضبعة، طبقا فإذا افترضنا صحة ما زعمته «الباحثة» من أن «إسرائيل لن تتردد مستقبلا فى قصف هذه المحطة النووية (فى الضبعة)»، أى أن الصراع العسكرى مع إسرائيل قادم لاريب فيه رغم معاهدة السلام، فالسؤال البديهى هو: هل من الأفضل أن نضع المحطة النووية حيث يمكن أن ندافع عنها، أم نضعها فى منطقة لا تتوافر لنا فيها وسائل الدفاع الفعال عنها، ومن ثم تسقط سليمة فى أيدى الأعداء؟ يبدو أن الحديث عن «استثمار الضبعة المتنازع عليها فى مشروعات قومية ذات طابع تنموى بعيدا عن الفلل (تقصد الفيلات) وحمامات السباحة» ما هو إلا نوع من إثارة الغبار أو ما يسميه العامة ب«الغلوشة» لتوجيه الأنظار بعيدا عن الهدف الحقيقى وهو وضع البرنامج النووى المصرى تحت السيطرة الإسرائيلية، ولو كان الهدف هو التنمية فعلا فلماذا لا تقام المنشآت العظيمة التى تطالب بها الدكتورة سهير فى مدينة الضبعة نفسها (جنوب موقع المحطة النووية) أو على بعد خمسة كيلومترات شرق الموقع أو غربه. أخيرا أشكر «الباحثة» على أنها أثارت موضوع «طاقة الهيدروجين» وهو طاقة المستقبل وطاقة نظيفة فى نفس الوقت لأن احتراقه لا ينتج عنه أى عوادم سوى بخار الماء، ولكنها لو بذلت بعض الجهد فى بحث الموضوع لعرفت أن للطاقة النووية دوراً كبيراً تلعبه فى إنتاج الهيدروجين.