رئيس جامعة المنوفية يلتقي بالطلاب المصريين المشاركين في برامج التدريب الصيفي بلويفيل الأمريكية    «القومي لحقوق الإنسان» يفتتح اللقاء التنشيطي للصحفيين والإعلاميين لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    دير السيدة العذراء بالمحرق يتهيأ لإحياء تذكار الأنبا ساويروس    أسعار العملات العربية مقابل الجنيه خلال تعاملات اليوم الأحد    تموين كفر الشيخ: توريد 257 ألف طن قمح حتى الآن    تحصين 119 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية في الغربية    "معلومات الوزراء": رفع نسبة المكوّن المحلي في انتاج السيارات إلى 60% بدلًا من 45%    بعد قبول استقالة ياسمين فؤاد.. تكليف منال عوض وزيرة التنمية المحلية بالقيام مؤقتا بمهام وزير البيئة    أسعار البيض تنخفض اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)    12 شهيدا جراء قصف الاحتلال منتظري المساعدات شمال وجنوب قطاع غزة    إجلاء مئات الآلاف بسبب إعصار ويفا جنوب الصين    أوكرانيا: ارتفاع قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى مليون و41 ألفا    دعوى قضائية ضد حكومة بريطانيا لقرارها عدم إجلاء أطفال مرضى من غزة    وفاة الأمير النائم بعد 20 عاما في الغيبوبة.. مآسي الشباب الراحلين من الأسرة الحاكمة السعودية    الحكومة الكورية الجنوبية تشكل فريق دعم للتعافي من أضرار الأمطار الغزيرة    ميسي يتوهج في فوز كاسح لإنتر ميامي بالدوري الأمريكي    عرض أخير من برشلونة للتعاقد مع لويس دياز    "ذا أتليتيك": ليفربول يتوصل لاتفاق مع فراكفورت لضم إيكيتيكي    ماذا سيحدث لو باع ريال مدريد فينيسيوس جونيور؟    فيديو.. الأرصاد تحذر المصطافين من ارتفاع أمواج البحرين الأحمر والمتوسط    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    6 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا تجارة العملة خلال 24 ساعة    في 24 ساعة فقط.. ضبط 114 ألف مخالفة مرورية و355 سائقًا متعاطيًا    عمرو دياب يتألق ويشعل المسرح ب"بابا" في حفل الساحل الشمالي    «بين الخصوصية والسلام الداخلي»: 3 أبراج تهرب من العالم الرقمي (هل برجك من بينهم؟)    الاثنين.. وائل السمري يناقش رواية «لعنة الخواجة» بمكتبة الإسكندرية    زكى القاضى: إسرائيل لا تريد رؤية الفلسطينيين وتسعى لتفنيذ مخطط التهجير    حسين حجاج يهاجم سوزي الأردنية بعد ظهورها برفقة هنا الزاهد.. اعرف الحكاية    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    الصحة: اعتماد 7 منشآت رعاية أولية من "جهار"    وفق أحدث مواصفات الجودة.. اعتماد دولي لمعمل مجمع الشفاء الطبي ببورسعيد من «إيچاك»    تحرير 143 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق خلال 24 ساعة    كريم رمزي يفتح النار على أحمد فتوح بعد أزمة الساحل الشمالي    إنشاء سجل مدنى منقباد الفرعي بقرية منقباد    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    وزارة العمل تُعلن عن وظائف خالية برواتب مجزية    إحالة طرفي مشاجرة نشبت بالأسلحة النارية في السلام للمحاكمة    بنك التنمية الصناعية يحصد جائزة التميز المصرفي في إعادة الهيكلة والتطوير لعام 2025    استشهاد طفلة فلسطينية نتيجة مضاعفات سوء التغذية والجوع    الصحة السورية تعلن إرسال قافلة طبية عاجلة إلى السويداء    لقطات صادمة لمقتل رجل ستيني طعنا أثناء صلاته داخل مسجد في تركيا (فيديو)    مصرع 3 أطفال أشقاء غرقا داخل حوض مياه ببالبحيرة    رسمياً.. فتح باب التقديم للكليات العسكرية 2025 (شروط الالتحاق والتخصصات المطلوبة)    أحمد شاكر: اختفيت عمدا عن الدراما «مش دي مصر».. وتوجيهات الرئيس السيسي أثلجت صدر الجمهور المصري    المبعوث الأمريكي يلتقي قائد «قسد» لاستعادة الهدوء في السويداء    أحمد شاكر عن فيديو تقليده لترامب: تحدٍ فني جديد وتجربة غير مألوفة (فيديو)    موعد بداية شهر صفر 1447ه.. وأفضل الأدعية المستحبة لاستقباله    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    «اتباع بأقل من مطالب الأهلي».. خالد الغندور يكشف مفاجأة عن صفقة وسام أبوعلي    «دماغه متسوحة.. وطير عربيتين ب 50 مليون».. مجدي عبدالغني يشن هجومًا ناريًا على أحمد فتوح    «حماة الوطن» بأشمون يناقش تعزيز دور الشباب في العمل الحزبي    حنان ماضى تعيد للجمهور الحنين لحقبة التسعينيات بحفل «صيف الأوبر» (صور و تفاصيل)    الكونغو الديمقراطية و«إم 23» توقعان اتفاقًا لوقف إطلاق النار    "عنبر الموت".. شهادات مروعة ..إضراب جماعي ل 30قيادة إخوانية وسنوات من العزل والتنكيل    تجنبها ضروري للوقاية من الألم.. أكثر الأطعمة ضرراً لمرضى القولون العصبي    محمد ربيعة: عقليتى تغيرت بعد انضمامى لمنتخب مصر.. وهذا سبب تسميتى ب"ربيعة"    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد حبيب يكتب: حق إعلان الغضب

 كان من وصايا الإمام البنا - رحمه الله - هذه الوصية الذهبية: «لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج إليه السامع فإنه رعونة وإيذاء».. وهو قول صحيح، فيه حكمة وعقل ورشد، إذ ما هى حاجتنا إلى رفع عقيرتنا أثناء الحديث أو النداء على أحدنا فى مكان ضيق محدود لا يتجاوز أمتارا قليلة؟! لقد كان من وصية لقمان لابنه وهو يعظه كما قال ربنا جل وعلا: «واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير» (لقمان: 19)..
والصوت المرتفع ليس دليل قوة، بل هو يقينا دليل ضعف، فضلا عن أن صاحبه يفتقر إلى الحجة والبرهان، وعادة لا يكون مقنعا بحال.. قد يخيف أو يرهب بعض ضعاف النفوس، لكنه لا يمثل شيئا ذا بال عند العقلاء الأسوياء.. ومن حسن الأدب عند مخاطبة الكبار ألا يكون الصوت مرتفعا، غير مقرون بنبرة تهكم أو استخفاف.. وتزداد الرعونة والإيذاء إذا كان الصوت المرتفع أجشا غليظا..
أذكر أنى ذهبت إلى مسجد النور بالعباسية فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى لحضور خطبة الجمعة والصلاة خلف أستاذنا الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله، وكان المسجد آنذاك لما يكتمل، وقام رجل ليؤذن للصلاة حين دخل الوقت.. كان صوته مفزعا، أجشا، متحشرجا، متقطعا، غير محتمل على أى نحو.. حين ارتقى الشيخ المنبر، قام الرجل نفسه ليؤذن، وبدا الامتعاض الشديد على وجه الشيخ، فقد كان، رحمه الله، مرهف الحس رقيق المشاعر.. وما كان ليفوته هذا الأمر، فجعل جزءا من خطبته يدور حول ارتباط الأذان بجمال الصوت، وذكر قصة الصحابى الذى أخبر النبى، صلى الله عليه وسلم، برؤياه عن صيغة الأذان، فقال له: قم فعلمها بلال فإنه أندى منك صوتا..
أنا أعلم أن هناك أناسا رزقهم الله تعالى صوتا مرتفعا بالفطرة، من هؤلاء رجل قصير القامة كان يسكن فى عمارة أمامنا أيام أن كنا طلابا فى الجامعة، لكن الله عوضه عن ذلك صوتا جهوريا كأنه الرعد لدرجة أننا أطلقنا عليه «وحش الإذاعة»، كان الرجل ينادى على البقال من على بعد مائة متر، وهو فى الطابق الرابع، فيهرع إليه البقال، مسرعا فى الحال.
فى حياتنا اليومية قد نلقى صنفا من البشر، تحسبهم أناسا عاديين، من حيث اللغة والشكل والهيئة العامة، لكنك إذا اقتربت منهم وتعاملت معهم اكتشفت أنك أمام بشر مختلف من حيث الفهم والمنطق والسلوك، هم لا ينظرون إلا لذواتهم، ينكرون الشمس فى رابعة النهار، يروغون منك كما تروغ الثعالب.. هؤلاء لا حل معهم إلا الإعراض، من باب «وأعرض عن الجاهلين»، وإلا أخرجوك عن حلمك وهدوئك وطبيعتك، فإذا بك تفقد أعصابك ويغلى الدم فى عروقك ويرتفع صوتك وضغطك..
فى السجون حيث يكون الهدوء مطلوبا لدواع كثيرة كالنوم وقراءة القرآن والذكر والدعاء والتفكر والتأمل، كان بعض إخواننا الكرام ممن وهبهم الله صوتا مرتفعا ينسون قضية الهدوء هذه، وكنت حينما ألفت انتباههم إلى وصية الأستاذ الإمام كانوا يتذرعون بالعطية الربانية، مع أنى كنت ألاحظ أحيانا إجادتهم للهمس! مع ذلك كنت أجد لهم العذر كل العذر فالإنسان منا حين يسلب منه، زورا وظلما وعدوانا، أعز ما لديه وهو حريته، يحتاج إلى التعبير عن استيائه وسخطه وغضبه المكتوم، يظهر ذلك حتى فى حديثه العادى..
وقد لاحظت أن إخواننا بعد أن قضوا أكثر من ستة أشهر فى عنبر سجن ملحق مزرعة طرة لا يبارحونه، سمح لهم بعد هذه المدة بالخروج إلى الملعب الرحب الواسع، للتريض ساعة من الزمن، أقول لاحظت أنهم يتصايحون بشكل لافت.. قلت: ها قد بدأ إخواننا يمارسون حرية «الزئير»، إذ من الصعب أن تمارس هذه الحرية فى الزنازين أو حتى داخل العنبر.. قال أحد أصحابنا: الأسود فى الغابة تملك حق الزئير فى الوقت الذى تريد، حتى الأسود التى توضع قسرا فى أقفاص لا تتوقف عن الزئير..
ثم قال: نعم شتان بين زئير وزئير، لكننا لا نملك هذا الحق، لا فى الغابة ولا فى الأقفاص.. قلت: هذا صحيح، لكن الزئير على أى حال مطلوب، لأنه تعبير عن الرفض والغضب، وهذا وذاك يدلان على الحيوية والحياة.. ورغم الأسر فإنه يخيف الظالمين، انظر إلى عزيز فهمى، شاعر الشباب والحرية، وهو معتقل فى سجن الأجانب عام 1946يقول:
وقد يؤسر الليث المنيع عرينه
ويرهب منه الصوت وهو مصفد
إن إعلان الغضب هو أضعف الإيمان.. وقد أُثر عن الإمام الشافعى، رحمه الله، قوله: «من استُغضب فلم يغضب فهو حمار».. ثم إن الغضب يشحذ الهمم، يقوى العزائم، يساعد على الثبات والصمود.. هو مطلوب، دفاعا عن الحق والعدل والحرية.. وإذا لم نغضب حين يعتدى على مقدساتنا، أو تستباح أرضنا أو أعراضنا، فهل نستحق الحياة؟!
فى التظاهرات والوقفات تعلو الهتافات تشق عنان السماء، إعلانا عن الرفض والغضب لسياسة النظام، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وحين أرادت مجموعة من الشباب أن يعبروا عن غضبهم ورغبتهم فى تعديل بعض المواد الدستورية، إذا بالنظام يتصرف معهم بعنف وقسوة وقمع، بالرغم من تواضع ومحدودية هذا الغضب المعلن، لدرجة أن أحد رجاله كشف فى لحظة انفلات ما كان مخبوءا حين قال إن من حق الشرطة أن تطلق الرصاص على الشباب المتظاهرين!! وجاءت عقوبة اللوم التى وجهت للرجل لكى تؤكد هذا المعنى وأن الرجل لم يأت بما يمكن اعتباره شاذا أو غريبا!!
هل تعلمون لماذا؟ لقد مس الشباب عصب الضرس، ورغم أنه كان مسا خفيفا، فإنه سبب ألما لم يستطع النظام أن يتحمله.. إن النظام يعلم يقينا أن حجم الغضب الكامن فى نفوس المصريين قد بلغ مداه، وهو يخشى من أن تسرى عدواه إلى الغضب الكامن فيتحول هذا الأخير إلى حالة غضب معلن أو عارم يفقد معه السيطرة على كل الأوضاع..
إن الكل يعلم أننا نعيش حالة عصيان مدنى غير معلن، تشهد بذلك جميع الوزارات والإدارات والمرافق فى الدولة، فلا عمل ولا إنتاج ولا التزام، فضلا عن حالة الاحتقان والتوتر والغليان..
غير أن النظام بدلا من أن يحاول إزالة الأسباب المؤدية إلى هذه الحالة من العصيان، الذى تسبب فيه، إذا به لعجزه وفشله يعلن عن عدم تخليه عن هراوته أو عصاه، أى تمديد العمل بقانون الطوارئ.. لم يكن الأمر بطبيعة الحال مستبعدا، فرجال الأمس هم رجال اليوم، وأوضاع الأمس هى أوضاع اليوم، وبالتالى، لا جديد تحت الشمس.. النظام فقط يريد أن يؤكد حقيقة مهمة وهى أنه لا يستطيع الحياة بدونه، إذ هما صنوان لا يفترقان، وتشعر كأن كلا منهما خلق للآخر، وتلك هى المأساة..
من جانب آخر، لا أستطيع أن ألوم إخواننا النواب فى مجلس الشعب حين غضبوا وثاروا، فهذا حقهم وواجبهم إزاء ما حدث ويحدث، لأنه لا يسير وفق أى منطق معقول، ولم يكن متوقعا أن يواجهوا الموقف بالضحك، على اعتبار أن شر البلية ما يضحك.. وكما يقال:
وكم ذا بمصر من مضحكات لكنه ضحك كالبكا
إن النظام مقدم على مجموعة من الاستحقاقات على مدى العام والنصف القادمين؛ انتخابات الشورى والشعب والرئاسة، وهو يريد أن يؤمن أعمال التزوير حتى لا يخرج الأمر من يده، أو تفلت كل مقاليد السلطة من بين أنيابه ومخالبه.. هو أيضا يريد أن تكون له صلاحياته المطلقة فى تنحية خصومه السياسيين جانبا بإلقائهم فى السجون عن طريق الاعتقالات والمحاكم العسكرية حتى يخلو له الجو تماما.. ثم لا تنس أن هناك القضية الفلسطينية بكل مفرداتها (مخاطر تهويد القدس، محاولات هدم المسجد الأقصى، الحصار، التوسع فى بناء المستوطنات، حق العودة.. إلخ) التى تلقى بظلالها وتداعياتها على الجميع، خاصة على النظام فى مصر، وما يتطلبه ذلك من استحقاقات فى هذا المنعطف التاريخى المهم..
قبل أن أنهى كلمتى أود أن أؤكد أن من حق السيدة زوجة الأخ العزيز خيرت الشاطر وبناته وأولاده وإخوانه، بل من واجب الجميع، أن يرفعوا أصواتهم عاليا وأن يعبروا عن رفضهم وغضبهم، فى كل يوم وساعة، بل فى كل لحظة، إزاء الظلم البين الذى وقع ومازال على الأخ الفاضل وإخوانه الفضلاء حسن مالك وأحمد شوشة وأحمد أشرف وغيرهم من الشرفاء.. هؤلاء السادة كانت جريمتهم الكبرى هى الدفاع عن حقهم وحق أمتهم فى حياة حرة كريمة..
آن لهم أن يتنسّموا عبير الحرية، وأن يعودوا فى عزة وكرامة إلى أهلهم وأولادهم ودعوتهم، كى يمارسوا دورهم الخلاق فى خدمة وطنهم.. إن لكل شىء نهاية، وآن لهذا المسلسل الردىء أن ينتهى.. عزاؤنا فى ذلك ما قاله - مع بعض التصرف - الشاعر على الغاياتى فى قصيدة له يخاطب فيها الشيخ عبدالعزيز جاويش عندما حكم عليه لأول مرة عام 1909:
يا ساكن السجن الكريم وأنت الأكرم
ما السجن للشرفاء إلا رفعة وتنعم
أنت البرىء ومن يخالك آثما هو آثم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.