بدأ العد التنازلى لتنفيذ دول منابع النيل تهديداتها بالتوقيع منفردة على اتفاقية إعادة تقسيم مياه النيل بمعزل عن دولتى المصب، «مصر والسودان». وبينما تشهد الساحة السياسية فى المنطقة حركة مكوكية ونقاشات داخل مصر وخارجها لاحتواء الأزمة، لا تزال مصر تتحرك من منطلق أن إسرائيل وراء الأزمة، وهو ما تقابله دول المنابع باستياء شديد، لأنها ترى فى ذلك إهانة باعتبار أن أمورها تدار من دول أخرى، حتى إن الصادق المهدى نفسه، زعيم حزب الأمة السودانى، رئيس وزراء السودان السابق، استنكر الاتهامات الموجهة لدول الحوض الجنوبية بأن هناك من يحرضها أو يقف وراء مطالبها. ويرى المهدى أن هناك مستجدات جعلت مطالب تلك الدول مشروعة، وأن المطلوب الآن هو الوصول إلى حلول توفق بين الحلول المكتسبة والحقوق الطبيعية. وأكد أهمية النظر بموضوعية والتحرك النشط، إذ إن هناك ضرورة لتفعيل دبلوماسية المياه، مضيفا أنه لابد من بذل جهد مصرى- سودانى مشترك، وجهد آخر مع دول حوض النيل لاحتواء الأزمة. أما فى مصر فيوجد فريقان، أحدهما يؤكد أن هناك حرباً مائية مقبلة، ويذهب هذا الفريق فى تحليلاته البعيدة إلى الوجود الإسرائيلى المكثف فى دول المنابع، الأمر الذى يعزز احتمال قيام حرب مياه مستقبلاً. أما الفريق الآخر، وعلى رأسه وزارة الخارجية، فيؤكد أن الأزمة سيتم احتواؤها بعيدا عن هذا التشويش، وأنه بمزيد من الاتصالات ومد جسور الثقة مع دول المنابع سيتم تطويق الموقف. لكن لأى مدى نجحت مصر فى مد هذه الثقة، والوقت أزف؟ تصريحات دول المنبع تؤكد تمسكها بالتوقيع المنفرد يوم 14 مايو الجارى. ويرى المراقبون أن تمسك مصر بعدم المساس بحقوقها التاريخية فى مياه النيل لابد أن يصحبه عمل دبلوماسى مكثف، وخطة محكمة تراعى فيها هذه الدول، وعدم استفزازها بالحديث عن التلاعب الإسرائيلى فى شؤونها. وهناك تصور مصرى- سودانى للخروج من المأزق، هو إنشاء مفوضية لكل دول الحوض لدعم العلاقات بينها، وتنفيذ المشروعات المائية. ويرى بروفسير تاج السر بشير عبدالله، عضو البرنامج الدولى للمياه، أن هناك أيادى خفية وراء إشعال الموضوع. وقال عضو اللجنة الوطنية السودانية باليونسكو ل«المصرى اليوم» إنه لابد أن يتم التعامل مع الموقف باعتباره أمراً واقعاً وليس «أزمة»، لأن الاتفاقية لا تلغى حقوق مصر أو السودان، مشيرا إلى أن تدخل إسرائيل يستوجب العمل لمواجهة الخطورة فى المستقبل. وطالب «السر»، الذى يعمل أيضا منسقا إقليميا للشبكة العربية للمياه والبيئة، مصر بلعب دور فعال بتقديم المساعدات والاستثمارات لدول الحوض، وبضرورة التعامل بحكمة مع الأمر، مؤكدا أن المخرج الوحيد يتمثل فى الشراكة بين دول الحوض لتعظيم الاستفادة للجميع، وأنه لابد من إرادة سياسية ومبادرة بين مصر والسودان للتنمية الزراعية فى دول الحوض. وأضاف أن الأزمة ستكون مستمرة إذا لم تحل جذريا، مشيرا إلى أنه حتى لو تم التوقيع بشكل منفرد من دول المنابع، فمازالت الفرصة موجودة بإيجاد حل ولو من خلال الجامعة العربية، عبر تشجيع الدول العربية على الاستثمار فى أفريقيا. واعتبر «السر» أن انفصال الجنوب لن يؤثر كثيرا على مياه النيل، قائلا إن 84% من مياه النيل تأتى من الحبشة الإثيوبية من شرق السودان، وإن أقل من 15% تأتى من هضبة فيكتوريا أى من الجنوب، وإنه بذلك لن يكون التأثير كبيرا.