«أصعب حاجة على الإنسان أن تبقى عنده أسرة ومش لاقى 4 حيطان يلمهم فيها» هكذا لخص مصطفى على عبدالله(40عاما) حياته تحت كوبرى الجيزة. مصطفى الذى يعمل ماسح أحذية جاء إلى القاهرة، قادما من محافظة المنيا، يقول: «والدى مات وأمى باعت منزل الأسرة الذى كان يجمعنى و6 أشقاء، فأتيت إلى القاهرة مع زوجتى وطفلىّ أبحث عن فرصة عمل فى المحروسة». أسعار الإيجارات العالية أصابت مصطفى بصدمة، جعلته يكتفى فى بداية الأمر بتأجير حجرة بسيطة، فى الدور الأرضى بأحد العقارات المتهالكة فى منطقة الجيزة، كانت الحجرة أو «البيت» كما كان يسميها رب الأسرة هى الأرخص والأنسب، يقول: «نجيب منين.. أسعار البيوت نار.. والشغل إبرة فى كومة قش.. وصاحب البيت أجرها لى بمائة جنيه فى الشهر بعد ما عرف ظروفى». لم يكن مصطفى يجيد حرفة بعينها، وبدا للأسرة – بعد أن استقرت فى الغرفة الضيقة- أن الحصول على عمل مسألة وقت لا أكثر. لكن «المحروسة» كانت أكثر مكرا مما ظن مصطفى وأسرته، فبدأ شبح البطالة يتجسد، وتراكمت الديون على الأسرة الصغيرة، وحتى إيجار الغرفة أصبح غير محتمل. لم ينتظر صاحب العقار كثيرا حتى طرد مصطفى وأسرته ليواجهوا مصيرا غامضاً، يوضح: «كنت مرعوب على مراتى وعيالى، كل همى إنى ألاقى أى حتة نتاوى فيها بأى شكل» بحث مصطفى وزوجته فى «الدفاتر القديمة» بحثا عن «المعارف» حتى عثرا على عنوان إحدى صديقات زوجته، التى قبلت استضافة الأسرة الصغيرة، يقول: «يادوب اطمنت على مراتى وعيالى، وطلعت للشارع، ليل نهار باكل وبشرب وبنام فى الشارع، وبحاول الاقى أى شغل أجيب منه فلوس الإيجار أو أجمع إيجار مكان جديد عشان ألم عيالى حواليا». استطاع «مصطفى» أن يجمع بعض الأموال من أهل الخير، وعلى الفور بادر بتأجير صندوق خشبى وفرشاة كلفاه 15 جنيها، واشترى علبتى ورنيش وجلس فوق الرصيف يعرض على المارة تلميع أحذيتهم. على الرغم من المشقة التى يتعرض لها «مصطفى» فإن كل لحظات الألم تهون لديه، سوى الدقائق المعدودة التى يأتى له فيها طفلاه «على» البالغ من العمر عامين، و«كريم» البالغ من العمر 3 سنوات، لزيارته فى الميدان، فيقضيان معه بعض الوقت، وعلى الفور يبادر «مصطفى» بشراء خمسة أقراص طعمية وبنصف جنيه فول كى يتناول الإفطار مع طفليه، قبل أن تصطحبهما والدتهما من جديد إلى منزل صديقتها، فيما يواجه هو من جديد حياة لم يكن يتصور أن يعيش تفاصيلها. أيام وليال وشهور مرت على «مصطفى» وهو لا يجد مأوى له سوى الرصيف، مستعينا ببطانية قديمة ترحمه قليلا من خشونة الأسفلت. كان مصطفى يعيش مشتتا بين أسرة لا يجتمع شملها، وبين مطاردات الشرطة، خاصة أنه لا يحمل بطاقة تحقيق شخصية، فضلا عن «حوادث الرصيف» التى يتعرض لها بصورة دائمة، يقول: «العيال الصيع ما بيرحموش حد واكتر من مرة ألاقيهم بيحاولوا يسرقوا الصندوق أو الفلوس وربك هو الستار». يعيش مصطفى حاليا «تجربة الرصيف» وسط مجتمع لا يرحم فقره، ولا يقدر «جهاده» فى مواجهة ظروف اقتصادية مفزعة، وسط هذا كله أصيب رب الأسرة الصعيدى بمياه بيضاء فى عينيه، وبينما يحاول أن يجمع «كام ملطوش فى اليوم» ليسد رمق أسرته، فإن الأطباء حذروه من احتمالات العمى التى تتزايد أمامه إذا لم يجر عملية جراحية عاجلة.