يشارك السودانيون اليوم فى أول انتخابات تعددية منذ عام 1986، أى ما يقرب من ربع قرن، وسط جو من الارتباك بسبب تأرجح مواقف المعارضة ما بين المشاركة والمقاطعة، مما يثير شكوكاً حول سلامة العملية الانتخابية فى بلد يقوده الرئيس عمر البشير الساعى إلى تأكيد شرعيته فى مواجهة مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية، التى تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى إقليم دارفور المضطرب. وتعتبر الانتخابات الحالية إحدى الانتخابات الأكثر تعقيداً فى العالم, لأنها تجمع بين الانتخابات الرئاسية فى الشمال والجنوب والنيابية والإقليمية، حيث ينتخب السودانيون فى الشمال الرئيس ونواب المجلس الوطنى وحكام الولايات وأعضاء مجالس الولايات، ولكن لن يشمل التصويت ولاية جنوب كردفان المحاذية لجنوب السودان بسبب حساسية الوضع فيها، حيث تم تأجيل الاقتراع لاختيار والى الولاية ونواب مجلسها لمدة شهرين. ويتم انتخاب 60% من نواب المجلس الوطنى ومجالس الولايات وفق نظام الدائرة الانتخابية الفردية، فى حين يتم انتخاب ال40% الباقين بنظام القوائم الانتخابية (25% للنساء و15% للأحزاب السياسية). وبهذا سيكون على الناخب فى الشمال أن يدلى بصوته فى 8 بطاقات انتخابية لاختيار الرئيس، ونائب دائرته، وحاكم ولايته، ونائب الدائرة الإقليمية، وقائمة النساء فى المجلس الوطنى، وقائمة الأحزاب المشاركة فى الانتخابات، وقائمة النساء فى الانتخابات الإقليمية، وقائمة الأحزاب فى الانتخابات الإقليمية. والأمر فى الجنوب أكثر تعقيداً، حيث يتعين كذلك على الناخبين اختيار رئيس حكومة الجنوب المتمتع بحكم شبه ذاتى، ونائبهم، وقائمة النساء، وقائمة الأحزاب فى الولاية الجنوبية. أى يتعين على السودانيين الجنوبيين ملء 12 بطاقة اقتراع، وهو أمر صعب بالنسبة للسكان الذين لم يخوضوا من قبل امتحاناً ديمقراطياً، حيث تزيد نسبة الأمية على 70%. وتم تحديد 10 آلاف مكتب تصويت عبر البلاد، وفى حال افتراض أن الانتخابات ستجرى على 3 أيام ل10 ساعات يوميا، فسيكون لدى كل ناخب دقيقة واحدة لملء بطاقات الاقتراع إذا شارك الجميع فى الانتخابات، حيث سجل فى الإجمال 16 مليون شخص أسماءهم فى القوائم الانتخابية، وفق الأرقام الرسمية التى تشكك المعارضة فى صحتها. وقد أثار تقرير للأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون أعلنه مؤخراً مخاوف متنوعة بشأن استعدادات السودان لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث أكد أن الأمن فى جنوب السودان ودارفور أثناء فترة الانتخابات يمثل عامل قلق، كما أبدى التقرير مخاوف بشأن نقص الحبر فى مراكز الاقتراع، بينما انتقدت أحزاب المعارضة قيام مفوضية الانتخابات بطبع بطاقات اقتراع فى مطابع حكومية بدلا من أن يعهد بها لشركة سلوفاكية تم اختيارها فى وقت سابق. ووسط تلك الصعوبات الأمنية والإجرائية التى تهدد العملية الانتخابية، فتح تلويح البشير بطرد المنظمات الدولية من السودان بعد أن طالبت بعضها بتأجيل الانتخابات لحين اكتمال العملية السلمية فى دارفور ومعالجة مشكلات أخرى طالبت بها المعارضة المجال أمام الكثير من التساؤلات حول إمكانية تحقيق النزاهة فى الانتخابات، وقال الكاتب والمحلل السياسى تاج السر مكى للجزيرة نت «إن تدخل رأس الدولة وتهديده بطرد المنظمات ربما يعنى لكثير من الجهات نية المؤتمر الوطنى تزوير الانتخابات». ومن المقرر أن يخوض البشير بدءاً من اليوم، ولمدة 3 أيام، أول اختبار انتخابى فى أكبر بلد أفريقى يقوده بلا منازع، منذ انقلاب 30 يونيو 1989، رغم أن البشير فاز فى الانتخابات الرئاسية التى نظمت فى 1996 و2000، لكن المعارضة، وكذلك المجتمع الدولى، اعتبراها «صورية» ولم يعترفا بها كانتخابات تعددية. وفى بداية الحملة الانتخابية لهذا العام، بدا أن الاقتراع سيشهد منافسة على أصوات الناخبين، حتى إن الرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر تحدث عن احتمال تنظيم دورة ثانية، لكن تأرجح مواقف المعارضة ما بين الإقبال على الانتخابات والإدبار عنها، غير الأوضاع وسبب حالة من الارتباك فى الساحة السياسية السودانية وزاد من الشكوك فى إمكانية إجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة. فمن جانبه، أعلن حزب الأمة القومى بزعامة الصادق المهدى، فى وقت سابق، مقاطعته للانتخابات ثم عاد وأعلن العودة بشروط، وفى مرة ثالثة أعلن المهدى قبول المفوضية 7 شروط من جملة 8 طالب بها الحزب فى مذكرة سلمت للمفوضية، فى خطوة اعتبرت تمهيداً لعودته إلى السباق الانتخابى. وعلى النقيض تماماً جاءت تصريحات مفوضية الانتخابات لتنفى حديث المهدى، مؤكدة أنها لم تتسلم مذكرة من حزب الأمة، كما أنها لم تقبل أى شروط، واستغرق حزب الأمة حتى مساء الأربعاء 7 أبريل ليقرر مقاطعته للانتخابات بمجملها طالما لم يتم تأجيلها استجابة لمزاعم التزوير. وفى الوقت نفسه، اعترف مالك عقار، نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (حركة التمرد السابقة فى جنوب السودان والشريك الحالى فى الحكومة)، لأول مرة، الخميس الماضى، بوجود صراع داخل الحركة، وذلك بعدما تضاربت الأنباء حول مشاركة الحركة فى الانتخابات، ففى حين أعلن باقان أموم، الأمين العام للحركة، مقاطعة الانتخابات على جميع المستويات فى الشمال باستثناء ولايتى النيل الأزرق وجنوب كردفان. وطالت موجة التأرجح تلك قرارات الحزب الاتحادى ديمقراطى الأصل الذى أعلن عودته إلى مسار الانتخابات فى جميع المستويات بما فيها رئاسة الجمهورية، وبدا مرشحها للرئاسة حاتم السر واثقاً من الفوز بنحو نسبة قدرها 80%، فيما دعا زعيم حزب المؤتمر الشعبى حسن الترابى أحزاب المعارضة إلى عدم مقاطعة الانتخابات، معتبرا أن الثورات لا يخطط لها، وأنه لا يمكن تغيير نظام الحكم إلا عبر الانتخابات حتى لو كانت غير حرة وغير نزيهة. ومن ناحيته يقول رولاند مارشال، المختص بالشؤون السودانية لوكالة الأنباء الفرنسية، إن «ضعف المعارضة السودانية فى عدم قدرتها على الاتفاق فيما بينها على اسم مرشح واحد فى مواجهة البشير. لو كان لديهم مرشح، أيا كان، وقدموه بوصفه مرشح المعارضة من أجل إخراج البشير من الحكم، لكان هو (البشير) من ارتجف خوفا».