فى ذكرى المولد النبوى الشريف وجه الرئيس مبارك خطاباً إلى الأمة الإسلامية دعا فيه إلى وقفة مصارحة مع النفس، نعترف فيها بمسؤوليتنا عن الواقع الراهن الذى يزداد فيه عدد من يحاول ربط الإسلام بالإرهاب والتطرف والتخلف، ومن يحاول تشويه تعاليمه السمحة.. ووجه الرئيس انتقاداً غير مباشر إلى أعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذى ينعقد سنوياً فى القاهرة، بأن ذكرهم بأن مؤتمرهم العام الماضى تناول بالنقاش قضية «تجديد الفكر الإسلامى» وتساءل سيادته: هل تحقق شىء من ذلك؟ الإجابة عن هذا السؤال وجدتها فى اليوم التالى، على شاشات الفضائيات التى نقلت إلى العالم أجمع أحداث ما سمى «تظاهرة التحدى الإسلامى الكبرى» التى أقيمت بمدينة بنغازى شرق ليبيا.. حيث شاهدت الأخ العقيد قائد الثورة الليبية، والذى كان لقبه فى هذا اليوم «قائد القيادة الشعبية الإسلامية العالمية»، يخطب فى جموع الحاضرين، وبينهم عدة قادة دول أفريقية، وأمام كاميرات وميكروفونات وكالات الأنباء العالمية وعشرات الفضائيات، دعا القائد الإسلامى الملهم بصوت جهورى عال لإعلان الجهاد فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، ليس ضد الصهاينة والمتعصبين اليهود الذين يدنسون بل يهدمون المقدسات الإسلامية فى القدس الشريف وليس ضد التشرذم والانقسام والخلاف الذى يمزق أوصال العالم الإسلامى فى كل مكان، وليس ضد التخلف والفقر والجهل والحروب التى تنتشر فى كل مكان يوجد فيه مسلمون.. ترك الأخ العقيد كل ذلك ليعلن الجهاد ضد «سويسرا» الدولة الكافرة بحسب قوله.. ذلك البلد الهادئ المحايد الصغير القابع فى شمال القارة الأوروبية. والذى اشتهر ببنوكه الأمينة على الأموال وسرية حساباتها. فتدفقت إليها أموال الشعوب المنهوبة المقهورة، وعلى رأسها بلا أدنى شك الشعوب الإسلامية!! طالب الأخ العقيد القائد، جميع عمال الدول الإسلامية بمقاطعة الطائرات والسفن التى ترفع علم سويسرا، ومنع هبوطها أو دخولها أراضيها.. وطالب بمقاطعة جميع البضائع والمنتجات السويسرية.. ثم زأر سيادته بفتاواه بأن من يشتر منتجاً سويسرياً فهو كافر.. ومن يتعامل بأى شكل مع دولة سويسرا فهو كافر.. ومن يذهب إلى سويسرا لأى سبب فهو كافر. . واستند فى فتواه هذه للعالم الإسلامى، إلى خلفية ذلك الاستفتاء الذى تم فى هذه الدولة الهادئة، يسأل فيه مسؤولوها شعبهم عن رأيهم فى وجود المآذن العالية أعلى المساجد، فكانت النتيجة بأغلبية ضئيلة جداً أنهم لا يرون داعياً للمآذن وهو ما احترمته حكومة سويسرا وأقرته على الرغم من معارضة الكثير من أقطاب الحكومة والسياسة هناك لذلك، ولكنهم فى هذه الدول (الكافرة على حد وصف الأخ العقيد) يحترمون رأى الأغلبية من مواطنيهم، ولا يسوقونهم كالقطيع كما يحدث فى كل الدول (المؤمنة) تقريباً.. إذن هم لم يهدموا مساجد، ولم يمنعوا بناءها كما زأر بذلك الأخ العقيد فى تظاهرته الشعبية الإسلامية العالمية!! ويعلم القاصى والدانى، أن السبب الحقيقى لهذا الموقف الليبى تجاه سويسرا، يعود إلى أزمة وتوتر بين البلدين منذ حوالى عام ونصف العام، إثر قيام السلطات السويسرية باستدعاء السيد هانيبال نجل الأخ العقيد وتوقيفه لمدة ساعات للتحقق من شكوى قدمها اثنان من خدمه ضده هو والسيدة حرمه لسوء المعاملة والإهانة، وهو تصرف تقره المبادئ الإنسانية السامية كما يقره الدين الإسلامى الصحيح الذى انتصر وانتشر بقيم العدل والمساواة. على العموم فللأخ العقيد مطلق الحرية أن يقول ما يقول، وله أن يحشد من يحشد، وله أن يتخذ من الألقاب ما يشاء فقد تعودنا على ذلك. لكن ما أثار فى نفسى الدهشة ولا أستطيع أن أجد له تفسيراً واحداً مقنعاً، هو ذلك الصمت الغريب من جانب الدوائر الرسمية والشعبية فى البلدان العربية تجاه هذه التصريحات التى أثارت حفيظة معظم دول العالم المتقدم، ووصفتها بأقسى الألفاظ وسخرت منها.. وقد أجد فى نفسى تبريراً لهذا الصمت العربى الرسمى بأنه للحفاظ على مصالح شخصية وعلاقات مستترة بين قادة هذه النظم المستبدة الحاكمة وعائلاتها.. ولكن ما لا أفهمه بل أدينه وأستنكره هو ذلك الصمت المريب من جانب الهيئات الإسلامية العليا، المحلية والعالمية، تجاه هذه الدعوة للجهاد وهذه الفتاوى بالتكفير التى هى سبة فى جبين الدعوة الإسلامية الصحيحة، وأشد تشويهاً لصحيح الإسلام.. أين منظمة المؤتمر الإسلامى؟ أين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية؟ أين الأزهر ورجاله؟ هل أصابكم جميعاً الخرس أين الشجاعة وقول الحق والدفاع عن دين الله ضد الغوغائية والتشويه؟ أم أن صمتكم يعنى الموافقة على دعوة الجهاد وفقه التكفير؟! وهل يصدقكم أحد بعد الآن إذا ما تحدثتم بخطاب حديث أو جديد؟ ألن يكون ذلك نفاقاً بعدما نافقتم الأخ العقيد؟!