ألقي الرئيس حسني مبارك كلمة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فيما يلي نصها: فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر... الدعاة والعلماء الإجلاء السيدات والسادة. يسعدني أن أشارككم احتفالنا السنوي بالمولد النبوي الشريف.. نحتفل معا بالذكري العطرة لمولد نبي الرحمة والهدي.. وخاتم الأنبياء والمرسلين.. محمد.. صلوات الله وسلامه عليه. حمل رسالة السماء.. شاهدا ومبشرا ونذيرا.. وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا.. فبلغ الرسالة وأدي الأمانة.. فكان الرحمة المهداة والقدوة والمثل.. وأرسي بالحكمة والموعظة الحسنة دعائم دين عظيم. اتوجه بالتهنئة في هذه الذكري المباركة.. لشعب مصر.. وشعوب الأمة العربية والإسلامية.. وجالياتهم حول العالم, كما اتوجه بالتحية لرجال الأزهر ودعاته وعلمائه.. ولضيوف مصر من الاشقاء بالعالم الإسلامي.. داعيا الله عزوجل أن يعيد هذه المناسبة العطرة علينا جميعا بكل الخير والتوفيق.. وعلي عالمنا الإسلامي وهو أفضل حالا وأعلي شأنا.. وأكثر تضامنا. السيدات والسادة: يدور الزمان دورته.. وتمر بنا ذكري النبي الكريم فنتوقف أمامها.. ونتمعن فيما تحمله لنا من المعاني والدلالات العظيمة. نتمعن في أحوال عالمنا الإسلامي.. بدوله وشعوبه وقضاياه.. وما يواجهه من أزمات وانقسامات.. ومخاطر تتكالب عليه من خارجه.. ومن بعض أبنائه. لايزال عالمنا الإسلامي نهي للنزاعات والصراعات والحروب.. تستنزف دماء شعوب أمتنا وثرواتها.. وتعرقل سعي ابنائها للغد الأفضل.. يؤلمنا ما يحدث لدول وشعوب عزيزة علينا.. في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والسودان والصومال.. وغيرها.. كما تؤلمنا جميعا معاناة الشعب الفلسطيني بالضفة الغربية وغزة ما بين تعنت إسرائيل والانقسام بين السلطة والفصائل.. واستمرار الاحتلال بممارساته.. وتأخر السلام العادل.. بتداعياته وعواقبه علي استقرار الشرق الأوسط.. والعالم. ولايزال هناك من يحاول ربط الإسلام بالإرهاب والتطرف والتخلف.. ومن يحاول تشويه تعاليمه.. برغم الحديث المتواصل عن حوار الحضارات والثقافات والأديان.. ولاتزال هناك محاولات للنيل من هوية المسلمين.. واستهداف رموزهم وجالياتهم.. والاجتراء..والتطاول علي نبي الإسلام ومقدساته. إننا إذ نعي واقع أمتنا الإسلامية الراهن.. وإذ نتطلع لتغييره لواقع أفضل.. لابد لنا من وقفة مصارحة مع أنفسنا.. تعترف بمسئوليتنا عن الفارق الشاسع بين حاضرنا الراهن وماضينا المجيد... وقفة صادقة مع النفس.. تستلهم ماجاء به الله سبحانه في محكم كتابه.. وما تركه لنا النبي في سنته المطهرة.. تشخص اوجاع امتنا الإسلامية.. وتمضي بها لواقع جديد ولحاضر ومستقبل أفضل. الدعاة والعلماء الاجلاء.. السيدات والسادة: لقد انعقد الأسبوع الماضي.. المؤتمر السنوي للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية.. وتناول قضية مهمة.. هي مقاصد الشريعة الإسلامية وقضايا العصر وعلينا أن نسأل أنفسنا.. هل بذل دعاتنا الجهد الكافي للتعريف بهذه المقاصد السامية والنبيلة.. ولنشر الوعي بها بين جموع المسلمين والعالم من حولهم؟.. كما تذكرون أن مؤتمر العام الماضي تناول بالنقاش قضية تجديد الفكر الإسلامي فهل تحقق ذلك؟ ليس أسهل من إلقاء اللوم في مشكلات العالم الإسلامي.. علي الآخر.. لكن الحكمة تقتضي أن نصارح أنفسنا.. وأن نبدأ بأنفسنا نحن المسلمين.. كي نغير واقعنا الراهن.. ولنستحق بحق أن نكون خير أمة أخرجت للناس. يقول الله في كتابه الكريم واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا.. ونهانا سبحانه عن أن نكون من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.. فأين ذلك مما نشهده من الانقسام والتشرذم بين دول عالمنا الإسلامي.. وبين أبناء الشعب الواحد..وما نشهده من محاولات للوقيعة والتأليب.. وأخري لقوي إسلامية تسعي للهيمنة وبسط النفوذ ولعب الادوار.. لتحقيق اجندتها السياسية تحت ستار الدين. كيف يتصدي الدعاة والعلماء والمفكرون.. للتحريض الطائفي ومخاطره الجسيمة علي تماسك مجتمعاتنا؟ وأين نحن من سماحة الإسلام في تعامله مع أهل الكتاب؟ إن الدين أمر بين العبد وربه.. فماذا عن معاملات الناس بعضهم لبعض؟ وهل أولينا لجانب المعاملات ما نوليه من اهتمام للعقائد والعبادات؟ وهل انعكس ذلك علي سلوكنا وأخلاقيات تعاملنا؟ لقد دعا الإسلام للعلم والتعلم والعمل والاجتهاد.. حض علي الرحمة والتسامح.. ونهي عن التعصب والغلو والتطرف, أرسي الركائز الاساسية للتكافل وحقوق الإنسان.. استوصي باليتامي والفقراء والضعفاء.. ورفع مكانة المرأة فهل انعكس كل ذلك في ثقافة مجتمعاتنا.. وفكرها.. وقيمها.. ومبادئها.. بالقدر الكافي والضروري والمطلوب؟ وأين دعاتنا الاجلاء ومفكرونا من دعاة السلفية والجمود والانغلاق؟ وأين هم من فوضي الفضائيات الدينية.. ومن دعاة جدد يتصدون للافتاء.. دون علم أو سند من صحيح الدين؟ إن جهود العلماء والدعاة من رجال الدين.. تمثل جانبا مهما من الجهود المطلوبة من جميع القوي بمجتمعاتنا الإسلامية.. بمفكريها وكتابها ومثقفيها.. ومن جانب مؤسسات التعليم والثقافة.. ودور النشر وأجهزة الاعلام, وجهود تشتد الحاجة إليها... تنشر المعرفة بجوهر الإسلام ومقاصده وصحيح تعاليمه... تحفظ وحدة وتماسك مجتمعاتنا.. وتتصدي لمخاطر الانقسام والتطرف والتحريض الطائفي. إننا في مصر وأعون تماما لهذه المخاطر.. ولمحاولات الوقيعة بين مسلمينا واقباطنا.. وقد أرسينا بالتعديلات الدستورية عام2007 مفهوم المواطنة.. كأساس لنظامنا الديمقراطي..ولتساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.. دون تمييز, كما انعكس هذا المفهوم علي العديد من مواد الدستور.. بأحكام تحظر مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي مرجعية دينية.. وتؤكد واجب الشعب في حماية وحدته الوطنية. إن الدولة إذ تمضي في تحمل مسئوليتها لتفعيل هذه الاحكام الدستورية.. ولترسيخ مفهوم المواطنة.. فانني اطالب رجال الدين والمفكرين وقوي المجتمع الاهلي.. بالنهوض بدورهم وتحمل مسئوليتهم.. لتعزيز هذا المفهوم قولا وعملا.. ولنشر قيم المواطنة ومبادئها وثقافتها وممارساتها.. بما يؤكد سماحة الإسلام وتعاليمه.. ويحفظ الوحدة الوطنية لأبناء الوطن. السيدات والسادة: لقد جاء النبي الخاتم ليعلمنا.. أن الاديان تنبع من أصل واحد.. وأن رسالات السماء قد تواصلت ليكمل بعضها البعض.. وليتم الله نعمته وكلماته علي العالمين. إن الإسلام كسائر الاديان السماوية جاء ليحقق خير العالم والبشرية.. وليدفع بنا وبشعوبنا إلي الامام.. وليجمعنا معا حول المبادئ المشتركة للانسانية.. يخطئ من يتصور غير ذلك.. أو من يتبني دعوات المواجهة أو الانكفاء علي الذات, ونحن في الأمة الإسلامية جزء من هذا العالم.. وعلينا أن نتعامل مع ما يتيحه من علوم وفرص ومكاسب.. وما يطرحه أمامنا من أزمات وتحديات نحافظ علي ثوابت ديننا وننفتح علي العالم.. لنواكب حركته ونلاحق علومه وتقدمه وتقنياته.. في عصر سمته المنافسة.. ولامجال فيه لدعاوي الانعزال أو الرجوع إلي الوراء. إن مصر إذ تحتفل بالمولد النبوي.. وبذكراه وسيرته العطرة.. ستبقي بلد الأزهر.. رمز اعتدال الإسلام وسماحته واستنارته. وستظل سندا لامتها العربية والإسلامية.. تحفظ هويتها وتدافع عن مصالحها وقضاياها.. نمضي في ذلك موقنين بالله.. متطلعين بثقة وأمل لواقع أفضل لامتنا.. يصل حاضرها ومستقبلها بماضيها العريق.. ويستلهم من خاتم الانبياء وسيرته ومسيرته زادا متجددا وعزما ويقينا علي الطريق. كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته