طالب الرئيس حسني مبارك الدعاة والعلماء والمفكرين بالتصدي للتحريض الطائفي ومخاطره الجسيمة علي تماسك المجتمع وإبراز سماحة الإسلام في تعامله مع أهل الكتاب. وأكد الرئيس مبارك خلال كلمته التي ألقاها في الاحتفال بذكري المولد النبوي الشريف والذي أقيم بمركز المؤتمرات بالأزهر مساء أمس ضرورة اتخاذ وقفة للمصارحة مع أنفسنا تعترف بمسئوليتنا عن الفارق الشاسع بين حاضر وواقع أمتنا الإسلامية وماضيها المجيد, وقفة تستلهم ما جاء به الله سبحانه في محكم آياته, وقفة تشخص أوجاع الأمة الإسلامية وتمضي بها لواقع جديد ولحاضر ومستقبل أفضل. وقال الرئيس مبارك في كلمته إنه ليس أسهل من إلقاء اللوم في مشكلات العالم الإسلامي علي الآخر, لكن الحكمة تقتضي أن نصارح أنفسنا, وأن نبدأ بأنفسنا نحن المسلمين كي نغير واقعنا الراهن ونستحق بحق أن نكون خير أمة أخرجت للناس. وفيما يلي نص الكلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدعاة والعلماء الأجلاء السيدات والسادة يسعدني أن أشارككم احتفالنا السنوي بالمولد النبوي الشريف.. نحتفل معا بالذكري العطرة لمولد نبي الرحمة والهدي.. وخاتم الأنبياء والمرسلين.. محمد صلوات الله وسلامه عليه. حمل رسالة السماء.. شاهدا ومبشرا ونذيرا.. وداعيا الي الله بإذنه وسراجا منيرا.. فبلغ الرسالة وأدي الأمانة.. فكان الرحمة المهداة والقدوة والمثل.. وأرسي بالحكمة والموعظة الحسنة دعائم دين عظيم. أتوجه بالتهنئة في هذه الذكري المباركة.. لشعب مصر.. وشعوب الأمة العربية والاسلامية.. وجالياتهم حول العالم.. كما أتوجه بالتحية لرجال الأزهر ودعاته وعلمائه.. ولضيوف مصر من الأشقاء بالعالم الاسلامي.. داعيا الله- عز وجل- أن يعيد هذه المناسبة العطرة علينا جميعا بكل الخير والتوفيق.. وعلي عالمنا الاسلامي وهو أفضل حالا.. وأعلي شأنا.. وأكثر تضامنا. السيدات والسادة.. يدورالزمان دورته.. وتمر بنا ذكري النبي الكريم.. فنتوقف أمامها.. ونتمعن فيما تحمله لنا من المعاني والدلالات العظيمة. نتمعن في أحوال عالمنا الإسلامي.. بدوله وشعوبه وقضاياه.. ومايواجهه من أزمات وانقسامات.. ومخاطر تتكالب عليه من خارجه.. ومن بعض أبنائه. لايزال عالمنا الإسلامي نهبا للنزاعات والصراعات والحروب.. تستنزف دماء شعوب أمتنا وثرواتها.. وتعرقل سعي أبنائها للغد الأفضل.. يؤلمنا مايحدث لدول وشعوب عزيزة علينا.. في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والسودان والصومال.. وغيرها كما تؤلمنا جميعا معاناة الشعب الفلسطيني بالضفة الغربية و( غزة).. مابين تعنت إسرائيل والانقسام بين السلطة والفصائل, واستمرار الاحتلال بممارساته, وتأخر السلام العادل.. بتداعياته وعواقبه علي استقرار الشرق الأوسط والعالم. لايزال هناك من يحاول ربط الإسلام بالإرهاب والتطرف والتخلف.. ومن يحاول تشويه تعاليمه.. برغم الحديث المتواصل عن حوار الحضارات والثقافات والأديان, ولاتزال هناك محاولات للنيل من هوية المسلمين.. واستهداف رموزهم وجالياتهم.. والاجتراء والتطاول علي نبي الإسلام ومقدساته. إننا إذ نعي واقع أمتنا الإسلامية الراهن.. وإذ نتطلع لتغييره لواقع أفضل.. لابد لنا من وقفة مصارحة مع أنفسنا.. تعترف بمسئوليتنا عن الفارق الشاسع بين حاضرنا الراهن وماضينا المجيد.. وقفة صادقة مع النفس تستلهم ماجاء به الله سبحانه في محكم كتابه.. وماتركه لنا النبي في سنته المطهرة.. تشخص أوجاع أمتنا الإسلامية.. وتمضي بها لواقع جديد.. ولحاضر ومستقبل أفضل. الدعاة والعلماء الأجلاء السيدات والسادة لقد انعقد الاسبوع الماضي المؤتمرالسنوي للمجلس الأعلي للشئون الاسلامية وتناول قضية هامة هي( مقاصد الشريعة الاسلامية وقضاياالعصر) وعلينا أن نسأل أنفسنا.. هل بذل دعاتنا الجهد الكافي للتعريف بهذه المقاصد السامية والنبيلة.. ولنشر الوعي بها بين جموع المسلمين.. وللعالم من حولهم ؟ كما تذكرون أن مؤتمر العام الماضي تناول بالنقاش قضية( تجديد الفكر الاسلامي) فهل تحقق ذلك ؟. ليس أسهل من إلقاء اللوم في مشكلات العالم الإسلامي علي الآخر.. لكن الحكمة تقتضي أن نصارح أنفسنا وأن نبدأ بانفسنا نحن المسلمين.. كي نغير واقعنا الراهن.. ولنستحق بحق أن نكون خير أمة أخرجت للناس. يقول الله في كتابه الكريم( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا) ونهانا سبحانه علي أن نكون( من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) فأين ذلك مما نشهده من الانقسام والتشرذم بين دول عالمنا الاسلامي.. وبين أبناء الشعب الواحد.. ومانشهده من محاولات للوقيعة والتأليب.. وأخري لقوي اسلامية تسعي للهيمنة وبسط النفوذ ولعب الأدوار.. لتحقيق أجندتها السياسية تحت ستار الدين. كيف يتصدي الدعاة والعلماء والمفكرون.. للتحريض الطائفي ومخاطره الجسيمة علي تماسك مجتمعاتنا ؟ وأين نحن من سماحة الاسلام في تعامله مع أهل الكتاب ؟ إن الدين أمر بين العبد وربه.. فماذا عن معاملات الناس بعضهم لبعض ؟ وهل أولينا لجانب( المعاملات) مانوليه من اهتمام( للعقائد) و( العبادات) ؟ وهل انعكس ذلك علي سلوكنا وأخلاقيات تعاملنا ؟. لقد دعا الاسلام للعلم والتعلم والعمل والاجتهاد.. حض علي الرحمة والتسامح.. ونهي عن التعصب والغلو والتطرف.. أرسي الركائز الأساسية للتكافل وحقوق الانسان.. استوصي باليتامي والفقراء والضعفاء.. ورفع مكانة المرأة فهل انعكس كل ذلك في ثقافة مجتمعاتنا.. وفكرها.. وقيمها.. ومبادئها.. بالقدر الكافي والضروري والمطلوب ؟ وأين دعاتنا الأجلاء ومفكرونا من دعاة السلفية والجمود والانغلاق ؟ وأين هم من فوضي الفضائيات الدينية.. ومن دعاة جدد يتصدون للافتاء.. دون علم أو سند من صحيح الدين ؟. إن جهود العلماء والدعاة من رجال الدين.. تمثل جانبا هاما من الجهود المطلوبة من كافة القوي بمجتمعاتنا الإسلامية.. بمفكريها وكتابها ومثقفيها.. ومن جانب مؤسسات التعليم والثقافة.. ودور النشر وأجهزة الإعلام.. جهود تشتد الحاجة اليها تنشر المعرفة بجوهر الاسلام ومقاصده وصحيح تعالميه.. تحفظ وحدة وتماسك مجتمعاتنا.. وتتصدي لمخاطر الانقسام والتطرف والتحريض الطائفي. اننا في مصر واعون تماما لهذه المخاطر.. ولمحاولات الوقيعة بين مسلمينا وأقباطنا.. وقد أرسينا بالتعديلات الدستورية عام2007 مفهوم المواطنة.. كأساس لنظامنا الديمقراطي.. ولتساوي كافة المواطنين في الحقوق والواجبات.. دون تمييز.. كما انعكس هذا المفهوم علي العديد من مواد الدستور.. بأحكام تحظر مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي مرجعية دينية.. وتؤكد واجب الشعب في حماية وحدته الوطنية. إن الدولة إذ تمضي في تحمل مسئوليتها لتفعيل هذه الأحكام الدستورية.. ولترسيخ مفهوم المواطنة.. فإنني أطالب رجال الدين والمفكرين وقوي المجتمع الاهلي.. بالنهوض بدورهم وتحمل مسئوليتهم.. ولتعزيز هذا المفهوم قولا وعملا.. ولنشر قيم المواطنة ومبادئها وثقافتها وممارساتها.. بما يؤكد سماحة الاسلام وتعاليمه.. ويحفظ الوحدة الوطنية لأبناء الوطن.
السيدات والسادة.. لقد جاء النبي الخاتم ليعلمنا.. أن الأديان تنبع من أصل واحد.. وأن رسالات السماء قد تواصلت ليكمل بعضها البعض.. وليتم الله نعمته وكلماته علي العالمين. إن الإسلام- كسائر الأديان السماوية- جاء ليحقق خير العالم والبشرية.. وليدفع بنا وبشعوبنا إلي الأمام.. وليجمعنا معا حول المبادئ المشتركة للانسانية.. يخطئ من يتصور غير ذلك.. أو من يتبني دعوات المواجهة أو الانكفاء علي الذات, ونحن في الأمة الإسلامية جزء من هذا العالم.. وعلينا أن نتعامل مع مايتيحه من علوم وفرص ومكاسب.. ومايطرحه أمامنا من أزمات وتحديات, نحافظ علي ثوابت ديننا وننفتح علي العالم لنواكب حركته ونلاحق علومه وتقدمه وتقنياته.. في عصر سمته المنافسة.. ولا مجال فيه لدعاوي الانعزال أو الرجوع إلي الوراء. إن مصر إذ تحتفل بالمولد النبوي.. وبذكراه وسيرته العطرة.. ستبقي بلد الأزهر.. رمز اعتدال الإسلام وسماحته واستنارته.. وستظل سندا لأمتها العربية والإسلامية.. تحفظ هويتها وتدافع عن مصالحها وقضاياها, نمضي في ذلك موقنين بالله.. متطلعين بثقة وأمل لواقع أفضل لأمتنا.. يصل حاضرها ومستقبلها بماضيها العريق.. ويستلهم من خاتم الأنبياء وسيرته ومسيرته زادا متجددا وعزما ويقينا علي الطريق. كل عام وأنتم بخير,, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,