منذ أكثر من عقد، يثار جدل حول الرقابة الدولية على الانتخابات. ومع بدء الاستعداد لانتخابات البرلمان، عاد الجدل حول هذا الموضوع، باعتبار تلك الرقابة وسيلة لاستعادة الثقة فى الانتخابات. وتعنى الرقابة الدولية، قيام مراقبين دوليين بالوقوف على الانتخابات العامة.. وتتعدد تصنيفات الرقابة. فأولاً، هناك من يصنفها وفقًا لمدى ضرورتها، وذلك بين رقابة إجبارية (حالة الدول المشمولة بوصاية الأممالمتحدة) وأخرى اختيارية (حالة الدول المستقلة). ثانيًا، هناك تصنيف حسب القائم بها، وهنا يفرق بين رقابة الدول الأجنبية، ورقابة الأفراد المعنيين عادة بالعمل الحقوقى (كارتر نموذجًا)، ورقابة المنظمات الحكومية وغير الحكومية. ثالثًا، تختلف الرقابة حسب نوع الانتخابات التى تراقبها سواء أكانت الرئاسية أم البرلمانية. وفى الحالة المصرية، فإن الحكومة والحزب الوطنى أصبحا منذ عدة أشهر أكثر استماعًا لدعاة الرقابة الدولية، وكان آخر تلك المواقف تصريح الدكتور مفيد شهاب بذلك (المصرى اليوم 12 فبراير). وقد جاء ذلك بعد أن اقتنع البعض بأن الرقابة لن تنال من سيادة مصر، وأن الرافضين لها هم أنفسهم كانوا رقباء على انتخابات فى بلدان ديمقراطية. كما رأت بعض دوائر الحكم على ما يبدو أن شكلاً محدوداً وهزلياً من أشكال الرقابة الدولية سيمنح الشرعية للانتخابات. وفى المقابل أصدرت أحزاب الوفد والتجمع والجبهة والغد والوسط وجماعة الإخوان بيانات متفرقة تؤيد فيها تلك الرقابة. وواقع الأمر أن نظرة فاحصة على الوضع المصرى تشير لوجود العديد من التجاوزات على صعيد تعامل الدولة والمجتمع مع الانتخابات، فهناك تجاوزات تمس نقاء السجلات، وخروقات أجهزة الأمن والإدارة فيما يتعلق بقبول أوراق الترشيح، وعدم حياد الإعلام الرسمى، والتدخلات الإدارية من قبل المحليات لصالح الحزب الحاكم، ومنع الناخبين من الوصول إلى مقار التصويت، والاقتراع الجماعى، والرشاوى الانتخابية، وتجاوزات الإنفاق على الدعاية، وأعمال العنف والبلطجة...إلخ. من هنا أصبحت هناك حاجة ملحة لوجود طرف خارجى للرقابة على الانتخابات، يحسبها قاصرو النظر من المتحدثين عن انتهاكات يوم التصويت، مجرد رقابة دولية على عملية الاقتراع، بينما يحسبها آخرون وبسبب أهوال التجاوزات فى جميع المراحل إشرافا على العملية الانتخابية من الألف إلى الياء، على النمط الذى قامت به الأممالمتحدة فى ناميبيا منذ ثلاثة عقود أو فى البوسنة منذ أكثر من عقد. إن النظرة القائمة على الرقابة الدولية على الانتخابات المصرية وما يمكن أن تسفر عنه، مقارنة بالأهداف المرجوة، تجعل الكثيرين يخشون عدم جدواها. لذلك تبرز الحاجة الماسة، إذا ما وافقت مصر على تلك الرقابة، إلى أن تكون رقابة حقيقية وفعلية، تشتمل على أكثر من موضوع من موضوعات العملية الانتخابية، وليس فقط الرقابة على عملية الاقتراع.. لذلك فإن مثل تلك الرقابة تحتاج إلى نفقات كبيرة كى تضم مئات الرقباء وليس مجرد أفراد قلائل، حتى يكون لهؤلاء القدرة على حصر أكبر عدد من مقار الاقتراع البالغة أكثر من40 ألف مقر انتخابى، ويكون هؤلاء من المدربين والمهرة والفنيين القادرين على كتابة التقارير، ولديهم أدوات اتصال متعددة، ومترجمين، وامتلاك معلومات كبيرة عن المرشحين والناخبين والنظام الانتخابى وأوضاع السجلات وغيرها من الأسس القانونية والثقافية المرتبطة بالعملية الانتخابية، وتعاون الدولة المضيفة معهم.. وإلا أصبحت الرقابة هنا ذات مغزى شكلى، غرضها حصول النظام السياسى القائم على صك الشرعية الدولية والمحلية بما يمكنه من الاستمرار فى السلطة. وبالمثل، فإن الرقباء تقع عليهم التزامات تجاه الدولة المضيفة، فيجب أن يتسموا بالحياد بين أطراف العملية الانتخابية، ويحترموا سيادة الدولة، ويكونوا أكثر دقة فى كتابة التقارير. وفى جميع الأحوال، فإن الرقابة الدولية على الانتخابات لن تغنى عن وضع أسس داخلية لسلامة الانتخابات، وهنا يشار إلى ضرورة وجود جهة محايدة للإشراف على الانتخابات بشكل كامل، وتبرز فى هذه الحالة ضرورة الإشراف القضائى الكامل من الألف إلى الياء، باعتبار القضاة هم الجهة المحايدة الوحيدة القادرة على إدارتها، ولعل الدعاوى التى يسوقها البعض لرفض ذلك هى من قبيل حجج أصحاب المصلحة فى بقاء الأوضاع على حالها.