من المواقف الطريفة التى لا تنسى أيام برنامج «الجائزة الكبرى» أننى نزلت إلى الشارع أسأل الناس عن مقولة قالها واحد من اليهود لسيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه وهى: «إن عندكم آية لو نزلت عندنا نحن اليهود لكانت يوم عيد»، فرد عليه سيدنا عمر: «وماهى؟» قال اليهودى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا»، فقال له سيدنا عمر «إنها عندنا عيدان فى يوم نزولها وليست عيدا واحدا - فماذا كان يقصد سيدنا عمر؟ سألت عائلة كانت تتنزه بجوار نيل أسوان - فتشاوروا وقال الأب هى عيد لأنها أنزلت يوم عرفة ويوم عرفة هو يوم عيد عند المسلمين - سألت ثانية: ولماذا هى عيدان؟ ماهو العيد الثانى؟ كان معهم طفل فى عمر الكتاكيت راح يقفز ويشب كى يصل إلى الميكروفون فى يدى وهو يقول «أنا أنا».. حاولت جاهدا أن أتخلص منه حتى لا يفسد تلك اللقطة التليفزيونية التلقائية لكنه صمم وأصر.. قلت أعطيه فرصة لكى يسكت ويقينى أنه من المستحيل أن يعرف الإجابة - ثم كانت المفاجأة قال: «هى عيد ثان، لأنها نزلت فى يوم جمعة ويوم الجمعة أيضا هو يوم عيد عند المسلمين»، فانحنيت أقبل رأسه وأنا لا أصدق أنه عرف الإجابة، هذا الكتكوت الصغير الذى مازال فى البيضة.. من أين له هذه المعرفة؟ لقد علمه شيخ الكتاب فأحسن تربيته وتعليمه.. تذكرت هذه القصة وأنا أتابع بعض مسابقات القرآن الكريم فى المسجد المجاور لبيتى وأيضا تلك التى تنظمها بعض المؤسسات الكبرى.. أطفال فى عمر الزهور.. الله الله على الأصوات الجميلة.. أطفال جميلون يحفظون القرآن الكريم كله أو نصفه أو عشرة أجزاء.. ترتيلا وتجويدا.. رائعون تحسدهم عليه.. نعم تحسدهم.. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لا حسد إلا فى اثنتين.. رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته فى الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها.. وحكمة القرآن بصائر للناس وطمأنينة للقلب.. ألا بذكر الله تطمئن القلوب.. وقد رأيت رباطة جأش الأطفال وهم يجلسون أمام المشايخ الكبار غير قلقين.. ليس فى قلوبهم رهبة.. ويطلقون حناجرهم فى ثقة وطلاقة.. إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا.. مشهد جميل تراه فى المساجد العامرة فى أيام رمضان المباركة.. تذكرنى بأيام النشأة الأولى فى بلدتى دكرنس، وكتاب الشيخ شحم واللوح والطبشور والفلكة لمن لم يحفظ.. أيامها كنا نحس أنها حفلات تعذيب لذنب لا نعلمه.. ثم الآن نترحم عليها عندما نرى الأجيال الجديدة تخاصم اللغة العربية وتهتف «يسقط سيبويه».. طبعا الزمان اختلف والتكنولوجيا لحست عقول الجيل الصاعد والكتاتيب لم تعد تناسب هذا العصر فى رأى الكثيرين - فلتكن كتاتيب الإنترنت.. وليكن القرآن الكريم محملا على أجهزة الموبايل لمن يريد أن يتفقه أو أراد فتوحا فى الدنيا والآخرة.. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معا فعليه بالقرآن». [email protected]