قبل ما أبين قصدي من هذا العنوان، الذي هو جزء من آية قرآنية، أذكر بتفسير الآية «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا»، هذه أكبر نعم الله، عز وجل علي هذه الأمة حيث أكمل تعالي لهم دينهم، فلا يحتاجون إلي دين غيره، ولا إلي نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء وبعثه إلي الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف كما قال تعالي: «وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا» (الانعام: 115) أي: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأوامر والنواهي فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم، ولهذا قال تعالي «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا» أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: اليوم أكملت لكم دينكم وهو الإسلام أخبر الله نبيه صلي الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلي زيادة أبدا وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا، وقال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول الله صلي الله عليه وسلم فمات، قالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلي له جبريل، فمال رسول الله صلي الله عليه وسلم علي الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت فأتيته فسجيت عليه بردا كان علي، قال ابن جريج وغير واحد: مات رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما، رواهما ابن جرير. وقال الإمام أحمد: حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبوالعميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلي عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية؟ قال قوله: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي»، فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، نزلت عشية عرفة في يوم جمعة. ورغم صدق اليهود في المراد من الآية المذكورة وزعمه أن يوم نزولها يستحق أن يكون عيدا، ومع ذلك لم يتخذ عمر ذلك عيدا لأن الأعياد في الإسلام من شرائع الإسلام فلا عيد إلا ما شرعه الإسلام، وتبقي النعمة الكاملة في هذه الآية العظيمة أن أكمل الله دينه علي عباده الموحدين، حيث اقتضت حكمته ورحمته أن يتنزل الفرقان علي العالمين مفرقا ومجزأ وفق حالات قدرية اقتضت حكمته جل وعلا أن تصاحب التنزيل حتي كمل بنيان هذا الدين بهذه الآية الكريمة، ومن هنا يعلم ضرورة وبداهة شرعا وعقلا وعرفا أن المسلمين أغنياء بالقرآن وصحيح السنة وليسوا في حاجة إلي ملل أو نحل أخري نستمد منها قيمة خيرية أو قيمة أخلاقية، فالخير كله موجود بين دفتي المصحف وكتب الصحاح، فعقيدتنا جلية واضحة سهلة ميسورة تأنس بها الفطر السليمة، حيث أسملت تلك الفطر بوجود خالقها فلزم من هذا التسليم أن يعبد هذا الخالق جل وعلا وحده وأن يوصف بصفات الكمال المطلق وينزه عن النقائص ومشابهة خلقه «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» الآية «هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم» منزه عن الصاحبة ومنزه عن الولد تعالي الله علوا كبيرا قال تعالي: «قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد»، وإذا كان هذا اليسر والوضوح في الاعتقاد بائنا ظاهراً فكذلك الأمر في العبادات والمعاملات قال تعالي: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» الآية فجعل العقائد والعبادات مرهونة بالدليل الشرعي الثابت وجعل المعاملات ومعاش الناس المتجدد إلي قيام الساعة الأصل فيه الإباحة والجواز حتي يأتي البرهان بالتحريم أو المنع وجعل للإنسان مساحة كبيرة للابتكار وإعمال عقله في دنياه. حيث قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - «أنتم أعلم بشئون دنياكم» وفي نطاق الأخلاق وحسن التعامل مع النفس ومع الغير مع المسلم وغير المسلم نجد الإسلام ذا باع كبير وسباقا لمعالي الأخلاق وحسبنا وصفا إلهيا لنبيه وصفيه ومصطفاه وخاتم رسله - صلي الله عليه وسلم - أن قال فيه جل وعلا «وإنك لعلي خلق عظيم» الآية، ومن المعلوم بداهة أن هديه أكمل الهدي وأخلاقه أكمل الأخلاق فهل الأمة التي تحتضن هذا القرآن ويسير حب نبيها في العروق والدماء تحتاج إلي ملل أخري أو نحل شتي لتصوغ نموذجا مختلطا بزعم أننا نحسن صنعا أو أننا نعالج مشاكل طائفية بهذا الطرح - الممسوخ - أو نرسخ معاني المواطنة بمثل ما اقترح وسمي بجامع الأديان؟! إن علاج الطائفية وترسيخ المواطنة كمفهوم سياسي إنما يتحقق بترسيخ المعاني الحقيقية الغضة الطرية التي جاء بها القرآن بيضاء نقية وترجمها الرسول - صلي الله عليه وسلم - فكان ليلها كنهارها. إنني في هذا المقال أحذر من هذه البدعة التي أطلق عليها البعض جامع الأديان فعواقبها وخيمة وردود أفعالها مشينة فلا تزرعوا الأشواك في مجتمع دينه الغالب هو الإسلام ومع غلبة الإسلام يعيش غير المسلمين آمنين مطمئنين علي أعراضهم وأرواحهم وأموالهم ولهم مطلق الحرية في طقوسهم داخل كنائسهم ومن تعدي علي هذه الحقوق فالعقوبة في الإسلام تردعه، أرأينا لو أن مسلما اعتدي علي مسلم فقتله، أو اعتدي عليه في عرضه، أو سطا علي ماله فسرقه، أو مارس أي نوع من أنواع الاعتداء فالعقوبة بشروطها وضوابطها قائمة في الشرع فإذا اعتدي علي غير مسلم فكذلك العقوبة تنتظره فلماذا نجعل من اعتداء فردي من مسلم علي غير مسلم اعتداء طائفيا؟ وكذلك الحال إذا اعتدي غير المسلم علي المسلم فيصور الأمر علي أنه اعتداء طائفي، إنه الخلل في المفاهيم وليس قصورا في التشريع. إن تحقيق المواطنة كمفهوم سياسي لا حرج فيه طالما أن المصلحة العامة تقتضيه في هذا الظرف الراهن الذي كثرت فيه الحزبيات والتنظيمات، إنما يتحقق هذا المفهوم حينما نحافظ علي عقيدة الأغلبية ومفاهيمها الجلية فلنكن صريحين، إن ثمة فوارق جلية بين الرسائل الثلاث الإسلام والنصرانية واليهودية وكل له خصوصيته. إنني أؤكد علي أنني ضد الفتن الطائفية وضد أي اعتداء علي أي إنسان أيا كانت ملته وأيا كانت مبرراته حتي ولو كان الاعتداء علي أحد الأفراد أو الجماعات المسلمة، فلا يجوز الثأر لهذا الاعتداء بعيدا عن قبضة الحكومة والنظام وإلا صرنا مجتمعا فوضويا همجيا ولا علاقة لدين ولا شريعة بهمجية أو فوضوية. وكذلك أؤكد إنني مع المواطنة أي أن المواطن المصري أيا كانت ديانته من حقه أن يعيش آمنا مطمئنا له من الحقوق وعليه من الواجبات ما علي الآخرين جميعا والكفاءة والإتقان والأمانة هي أساس الاختيار في تولي المهام العامة.