قبل مناقشته ب«النواب».. «الأطباء» ترسل اعتراضاتها على تأجير المستشفيات لرئيس المجلس    وزيرة الثقافة تبحث مع سفير كوريا الجنوبية تعزيز التعاون المشترك    تراجع كبير في أسعار السيارات بالسوق المحلية.. يصل ل500 ألف جنيه    حملة مكبرة لإزالة مخالفات البناء في مدينة دمياط الجديدة    مقتل شخص وإصابة 6 في اشتباكات بغرب ليبيا    سرايا القدس: ندك جنود وآليات العدو المتوغلة في رفح بحمم الهاون    الشهابى: الشعب المصرى يقف خلف القيادة السياسية لدعم القضية الفلسطينية    مرصد حقوقي يحذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية بغزة جراء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    إيهاب جلال يُعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة بيراميدز    30 دقيقة سلبية بين الأهلي والترجي في ذهاب نهائي أفريقيا (صور)    نوران جوهر بطلة العالم للإسكواش للمرة الأولى في تاريخها    بدون تريزيجيه| طرابزون سبور يفوز على باشاك شهير بالدوري التركي    القبض على سيدة متزوجة بعد انتشار فيديو مخل لها مع شاب بكرداسة    فيفي عبده ومصطفى كامل يقدمان واجب العزاء في زوجة أحمد عدوية    مصطفى كامل وحلمي عبد الباقي يقدمان واجب العزاء في زوجة أحمد عدوية    كبير الأثريين: اكتشاف آثار النهر بجوار الأهرامات حل لغز كيفية نقل أحجارها    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    خسر نصف البطولات.. الترجي يخوض نهائي دوري الأبطال بدون مدرب تونسي لأول مرة    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    صدمة جديدة ل تشواميني بسبب إصابته مع ريال مدريد    الدفاع الروسية: خسائر الجيش الأوكراني خلال 24 ساعة 1725 جنديا    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالوادي الجديد    تعديل مواعيد مترو الأنفاق.. بسبب مباراة الزمالك ونهضة بركان    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    " كاد ماسترز" تستعرض تفعيل الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياءفي التشييد والبناء    بينى جانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف إذا لم يلب نتنياهو التوقعات    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024 في مصر.. ومواعيد الإجازات الرسمية يونيو 2024    رئيس «الرقابة الصحية»: التمريض المصري يتميز بالكفاءة والتفاني في العمل    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتفقد مشروعات العلمين الجديدة    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    التليفزيون هذا المساء.. إلهام شاهين: عادل إمام حالة خاصة وله فضل فى وجودي الفني    من بينهم أجنبى.. التحقيقات مع تشكيل عصابى بحلوان: أوهموا ضحايهم بتغير العملة بثمن أقل    مصير تاليسكا من المشاركة ضد الهلال في نهائي كأس الملك    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    الدواء المصرى الأقل سعرا عالميا والأكثر تطبيقا لمعايير التصنيع الجيد    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام يحقق التكافل الاقتصادى
نشر في المصري اليوم يوم 01 - 09 - 2010

من الظواهر اللافتة للنظر فى الإسلام عنايته بالتكافل الاقتصادى، عناية تجعل له أهمية تماثل الصلاة، وإنما تكون لافتة للنظر لأن الأديان عادة لا تلتفت للمال، إلا إن كان زهدًا فيه، وتحذيرًا منه، ولأن الإسلام عندما ظهر لم يكن للمشكلة الاقتصادية «وجود» فالمجتمع بسيط وحاجاته محدودة، والنظام القبلى يجعل القبيلة مسؤولة عن أفرادها، فلم يكن هناك من الأسباب الملحة ما يجعل الإسلام يعنى بها ويجعلها فى الأهمية مثل الصلاة، وهذا أكبر دليل على أن الإسلام أُنزل للناس جميعًا وللعصور جميعًا، لأن المشكلة الاقتصادية إنما برزت بشكل حاد مع نمو الرأسمالية وتقطب المجتمع من رأسماليين يملكون الثروات، ومن عمال لا يملكون إلا قوة الساعدين، وخضوع المجتمع لأزمات الرأسمالية التى تؤدى إلى البطالة، وفى التلاعب فى العملات.. إلخ، ولأن هذه المشكلة أصبحت هى المشكلة الأولى التى تهدد سلامة الاقتصاد واستمرار السلام الاجتماعى، فكأن الإسلام استشف هذا من أقدم العصور وقدم العلاج له.
وقد عُنى المجتمع الإسلامى فى عهد الرسول وخليفتيه أبى بكر وعمر بالزكاة، وكان الرسول إذا أرسل رسولاً ليعرفهم الإسلام يوصيه بأن يعلمهم الشهادتين، وأن يقيموا الصلاة وأن تؤخذ زكاة من أغنيائهم لتعطى لفقرائهم، ولذلك فعندما رفضت بعض القبائل أن تدفع الزكاة، فإن أبا بكر رأى ذلك مبررًا لشن الحرب عليها، لأن هذا عطل التكافل الاقتصادى الذى هو تحقيق العدل والأساس الاقتصادى للمجتمع.
حددت «الآية 60» من سورة «التوبة» مصارف الزكاة «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»، ووضح الرسول من هم هؤلاء، كما وضح أن الزكاة لا تستوفى إلا ممن يتوفر له «نصاب»، أى حد من الثروة يكفل الحياة الكريمة بما فى ذلك توفير العمل والمسكن وأداة الانتقال .. إلخ، وإن كان الفقهاء قد حددوا النصاب بقدر من الجرامات ذهبًا، أو قدر من الجرامات فضة، وحددوا نسبة ما يؤخذ وهو عادة ما بين 2.5% و10%، وتحدث الفقهاء وأفاضوا فى إيضاح ذلك وكتبوا كتبًا عديدة، لعل من أوسعها كتاب الشيخ القرضاوى عن الزكاة، كما أن هناك كتابًا قيمًا للدكتور محمود أبوالسعود، وهو من المفكرين الاقتصاديين، ومن الرعيل الأول للإخوان المسلمين.
وكان حديث الفقهاء.. قدامى ومحدثين.. عبثاً، لأننا لا نسمع بعد حكم الراشدين شيئاً عن الزكاة، إن الملك العضوض لم يكن حريصًا على الزكاة التى تؤخذ من الأغنياء لتعطى للفقراء، ولكنه كان حريصًا على الضرائب التى تؤخذ من الأغنياء والفقراء لتودع خزينة الدولة، وقد ظل هذا الوضع المهين الذى يغفل فرضًا يماثل الصلاة مهملاً حتى الآن، وفى الوقت نفسه فإن الفقهاء يواصلون النقاش حول النصاب وحول ما تؤخذ عنه الزكاة، وكيف يجب أن تنفق.. إلخ .
ونحن نرى أن هذه الصورة التقليدية من شنشنة الفقهاء، ومن إهمال الدولة، لا تتناسب مع منزلة الزكاة ولا مع ما بلغه المجتمع من تطور، وأن ما وضعوه من حدود أو قواعد لم يأت بها القرآن، وهو المصدر الوحيد الموثوق به والمعتمد عليه، أما ما يوردونه من أحاديث فليست قطعية الثبوت، فضلاً عن تعارضها وتعددها، أما ما وضعوه هم فإنه يُعد اجتهادًا غير ملزم لأنه استلهم أوضاعهم، ومعروف أن الثورة الصناعية بدأت فى القرن التاسع عشر عهدًا جديدًا فى التاريخ الاقتصادى للبشرية فأنهت وسائل الإنتاج اليدوى واقتصاديات المجتمع السابق عليها، وأحدثت اقتصاديات جديدة سمحت بنمو الرأسمالية وظهور نظام إنتاجى اقتصادى مختلف، كما أن التطور الاجتماعى أحدث صورًا وأنماطًا من التكافل الاقتصادى الذى تطلبته أوضاع المجتمع.
من هنا فلن نتجادل فى قيمة النصاب، ولا فيم تؤخذ الزكاة من صنوف الثروات، وإنما سننظر إلى الزكاة باعتبارها بلورة لفكرة التكافل الاقتصادى الذى قد يطلق عليه فى العصر الحديث «الضمان الاجتماعى» أو التأمينات الاجتماعية، وبالتالى فسيكون المعيار فيمن تؤخذ الزكاة منه هو مَنْ هم فوق محدودى الدخل، أى الذين يسمح لهم دخلهم بالحياة الكريمة بما فى ذلك الغذاء والكساء وتوفر المسكن وآلة الركوب وما يلزم لبقية مطالب الحياة العادية، فهؤلاء يمكن تحديدهم بما فى الدولة من محاسبات ومعايير وهم الذين تؤخذ منهم الزكاة، أما مَنْ دونهم فلا يؤخذ منهم شىء، بل يُعْطون.
على أنه يجب أن نلحظ أن الزكاة ليست ضريبة، فهى جزء من «الشريعة» ولها جانبها الدينى الذى يحميها ويحول دون الانحراف بها، ومن هنا فيجب أن نلحظ هذه الخصيصة، التى قد تكون الحكمة فى اقتضائها من غير المسلم أمرًا يثير إشكالاً، ولكن يرد على هذا أن غير المسلم يتمتع بكل ما تقدمه الدولة من خدمات بفضل هذه الزكاة، والمفروض أن غير المسلم يتمتع بها كالمسلم تمامًا، ومن ثم فإنها بالنسبة له تعد ثمناً ومساهمة فيما تقدمه الدولة من خدمات للمجتمع.
أما المصارف فإن «الآية 60» من سورة «التوبة» غطت مجالات أكثر مما يوجد فى معظم أنماط الضمان الاجتماعى أو التأمينات الاجتماعية، وحسبك مصرف «وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ»، فإنه يمكن أن تقدم له تفسيرات عديدة دون تعسف، وإن كانت حالات المرض والبطالة والمعاش هى الأبواب التى تستغرق معظم المصارف، ولكن هذا لا يمنع من وجود إعانات فى حالة الزوجية، أو السكن، أو المساعدة على تسديد قروض.. إلخ، لأن الدولة الإسلامية لم تضع نظامًا لذلك، بل لم تُعن بها أصلاً عندما تحولت إلى ملك عضوض، وليست لدينا صورة عن أى «آلية» تتعلق بالزكاة، لهذا تصبح القضية المهمة هى: كيف يمكن تطبيق الزكاة بالصورة التى عرضناها؟ وكيف يمكن إحياء الزكاة لتكون كما كانت فى عهد الرسول أماناً وضماناً للمحتاجين؟
نحن نقترح إقامة «سلطة» جديدة بجانب السلطات الثلاث التى يعرفها النظام الديمقراطى (التشريعية والتنفيذية والقضائية).
هذه السلطة الجديدة هى «ديوان الزكاة»، كما يمكن أيضًا إقامة سلطة أخرى باسم «ديوان الوقف» تُعنى بإدارة الأوقاف طبقاً لشروط الواقفين، وهذان الديوانان لهما استقلال ذاتى تام عن الدولة، بمعنى أن الدولة لا يمكن أن تتدخل بما يخل بصورتهما أو قدرتهما على قيامهما بوظيفتهما.
ويُعطى مسؤولو الديوان الحق فى استقضاء ضريبة التكافل الاقتصادى أو بلغة أخرى الزكاة، على أن يلحظ بعض ما أوردناه من تحفظات، منها مثلاً أن تؤخذ رواتب «العاملين عليها» من حصيلة الزكاة نفسها حتى لا يمكن للدولة التأثير عليهم، وأن تلتزم بطريقة توزيع محلى، بحيث تعود الزكاة على مستحقى الجهة التى أخذت منها، وحتى لا تسلك مسالك أخرى أو تذوب فى ميزانية الدولة.
ومن المهم وضع نظام للإشراف على العمل ومتابعة سيره والقضاء على أى انحرافات بمجرد ظهورها.
للوهلة الأولى يبدو أن «ديوان الزكاة» لن يستطيع أن يمضى قدمًا لجدة التجربة رغم أن أجهزة الدولة المعنية ستقدم له المعلومات اللازمة من واقع البطاقات الضريبية أو بيانات الدخل الخاصة بكل واحد، وهذا أمر طبيعى ولا يؤثر على المشروع، وفى النهاية سيتعلم من أخطائه ومن ملاحظة المتابعين له، وبالنسبة لاشتراط النصاب فإن مهمة الديوان ستقتصر على المدن الكبيرة والعواصم، لأن سكانها هم الذين يتوفر لهم دخل فوق النصاب، أما القرى والريف فإن سكانها جميعًا يدخلون فى عداد الفقراء الذين سيستفيدون من الزكاة.
ولما كانت الزكاة لا تعرف «التصاعد»، ولكنها تختلف باختلاف وجوه وطبيعة النشاط الاقتصادى، وأن ذلك يجعلها ما بين 2.5% و10%، فلا أرى بأسًا فى أن تأخذ طابعًا تصاعديًّا يبدأ من 2.5% وينتهى عند 10% تبعًا لزيادة الدخل.
إن الإسلام قد عُنى من اليوم الأول بهذه المشكلة ومنحها الأهمية التى تماثل الصلاة، فالصلاة هى الأولى فى العقيدة، والزكاة هى الأولى فى الشريعة، واعتمد لتأصيلها وتعميقها على إيمان الأفراد بها، وبهذا ربطها بإيمان الفرد، كما فعل من قبل بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فلم تصبح ضريبة أو إتاوة ولكن زكاة، وأحكم كل الإحكام عندما افترض نصابًا يحقق الحياة الكريمة، وبهذا لا تنتقص الزكاة منه، ولكنها ستساعد الذين لا يتوفر لهم هذا النصاب ليبلغوه، وأحسن عندما جعل النسبة 2.5% لبعض صور النشاط الاقتصادى و10% لصور أخرى تسمح بذلك ليحقق درجة من التصاعد بنسبة ضخامة الدخل.. فعل الإسلام كل هذا، ووضع أسسه بهذه الصورة قبل أن يلتفت العالم إليها بألف عام.
■ ■ ■
سألنى كثيرون عن رأيى فى مسلسل «الجماعة»، وسأقول هذا الرأى عند نهاية المسلسل حتى يكون شاملاً.
[email protected]
[email protected]
www.islamiccall.org
gamal-albanna.blogspot.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.