الغاز المصري.. ثروات هائلة أهدرتها «سياسات فاسدة» (ملف خاص)

يوسف بريتسكي.. ربما لا يعرف ذلك الاسم سوى المتخصصين في الشأن العبري، فالرجل هو وزير البنية التحتية الإسرائيلي، الذي رفض توقيع اتفاقية استيراد الغاز من مصر، لتتم إقالته وتعيين بنيامين بن أليعازر الصديق المقرب للرئيس السابق حسني مبارك؛ مكانه لتمرير «صفقة سياسية»لا يعلم أبعادها إلا الموقعون عليها، ولكن أيًّا كانت نتائجها، فهي ليست في صالح المواطن المصري، بل إن الأمر قد يصل إلى تهديد الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد.
ولم تكن إقالة الوزير الإسرائيلي الدليل الوحيد على كون الاتفاقية «سياسية» في المقام الأول، فنظيره المصري سامح فهمي، تم تقديمه للمحاكمة بسبب توقيعه على الاتفاقية، لكن لم يحدث ذلك إلا بعد قيام ثورة يناير وسقوط «مبارك» الذي يواجه التهم نفسها.
وليس أدل على فساد السياسة وتدخلها في إهدار الثروات، من أن دولة قطر سعت منذ تسعينيات القرن الماضي، ولا تزال، لتصدير الغاز لإسرائيل، لا لشيء، سوى بسط النفوذ والسيطرة، في إطار الصراع الإقليمي.. «المصري اليوم» تفتح ملف صفقة تصدير الغاز، في محاولة لفهم مدى التداخل بين «الأوراق السياسية» ومصادر الطاقة والثروات الطبيعية.
سوق الغاز.. ساحة للصراع القطري–المصري على النفوذ الإقليمي
تمتلك قطر حوالي 15% من مخزون الغاز العالمي، ومع محاولاتها الدؤوب لترسيخ أقدامها إقليميًا، ومنافستها لمصر في دورها الريادي في المنطقة، سعت إلى عقد صفقات تصدير غاز إلى إسرائيل، لتكون بديلاً عن الاتفاقية التي وقعها الجانبان المصري والإسرائيلي.
ومع التفجيرات المتكررة لخط الغاز الذي يربط مصر بإسرائيل، والتي وصلت إلى 13 تفجيراً حتى الآن، بدأت تل أبيب في البحث عن بدائل نظيفة لتوليد الطاقة، كونها في خطر دائم منذ قيام ثورة 25 يناير؛ لتضرر سوق الكهرباء والطاقة الإسرائيلي، والذي يعتمد على الغاز بشكل كبير.
وتعود مفاوضات تصدير الغاز بين قطر وإسرائيل إلى التسعينيات، على الرغم من أنها ليست علنية حتى الآن، إلا أن وثائق «ويكيليكس» تحدثت عنها بالتزامن مع زيارة أمير قطر لمصر العام الماضي.. المزيد
مصر لا تملك سوى 1% من الاحتياطي العالمي للغاز
على مدار سبع سنوات، وقعت الحكومة المصرية عددًا من اتفاقيات تصدير الغاز الطبيعي، رغم تدني الاحتياطي المصري منه مقارنة باحتياطيات الدول الخليجية.
ووفقا للبيانات الرسمية، لا يتجاوز الاحتياطي المصري من الغاز 70 تريليون قدم، وهي الكمية التي لا تتجاوز 1% من الاحتياطي العالمي، وهو ما أدى بالعديد من الخبراء إلى التحذير من تصدير الغاز سواء لإسرائيل أو للدول الأوروبية، مثل إيطاليا وإسبانيا أو للدول العربية مثل الأردن، لتخوفهم من نضوب الغاز ونقص الكميات المنتجة محليًا، بما لا يكفي لتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي، إضافة إلى تدني الأسعار التي يتم تصدير الغاز بها لإسرائيل، إلا أن التحذيرات لم تلق بالاً لدى الحكومة التي مضت قدما في عمليات التصدير. . المزيد
«صفقة الغاز»: حكمتها الاعتبارات السياسية فحافظت على «الاحتياطي الإسرائيلي»
في 15 مارس 2004، عارض من كان وزيرا للبنية التحتية في إسرائيل، يوسف بريتسكي، من على منصة الكنيست، توقيع اتفاقية استيراد الغاز من مصر قائلاً: «ما يهمني اليوم كوزير بنية تحتية، أن تكون إسرائيل بعد أن أترك منصبي، وبعد أن نترك جميعنا مناصبنا، مزودة بالغاز وأن تعمل محطاتها، هذه هي مسؤوليتي، وهذا هو المهم بالنسبة لي، أريد تأمين دولتي، لتكون مستقلة اقتصاديا أكثر».
لم تمض على كلمات بريتسكي أمام الكنيست في هذه الجلسة العاصفة سوى أربعة شهور فقط، حتى تمت إقالته من منصبه، بسبب رفضه تمرير الاتفاقية، ليتقلد المنصب، أقرب أصدقاء مبارك في إسرائيل، بنيامين بن أليعازر. . المزيد
سوق الغاز الإسرائيلي: احتياطي ضخم .. وإصرار على الاستيراد من مصر
في أجواء احتفالية، وقف وزير البترول المصري الأسبق سامح فهمي، في 30 يونيو 2005، مصافحًا وزير البنية التحتية الإسرائيلي، بنيامين بن أليعازر، ليتبادل الوزيران بعد ذلك، اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، عقب توقيعهما، بعد سنوات من المفاوضات.
بموجب الاتفاقية تلتزم مصر بتصدير قرابة ملياري متر مكعب من الغاز سنوياً إلى إسرائيل، ولمدة 15 عاماً، بأسعار هزيلة، يبلغ أقصاها دولاراً ونصف الدولار للمتر المكعب، وأدناها ما هو نصف هذا المبلغ.
قبل خمس سنوات فقط من توقيع الاتفاقية، أعلنت إسرائيل عن اكتشاف بئر غاز طبيعي، يصل احتياطي الغاز فيه إلى 32 مليار متر مكعب. . المزيد
الاحتياطيات: أرقام ضخمة.. وأزمات متكررة.. وثلث الإنتاج المحلي ل«الخارج»
على الرغم من أن احتياطيات مصر من البترول والغاز، فضلا عن إنتاجها من الكهرباء لا يمكن مقارنتها بالكميات الضخمة التي تنتجها دول الخليج العربي، وبرغم أنها أيضا لا تفي بالطلب المحلي من الطاقة، حيث يعاني المواطنون من نقص في المنتجات البترولية شتاءً، ومن كثرة انقطاع الكهرباء صيفًا، فإن مصر تصدر مصادر الطاقة الخاصة بها من بترول وغاز وكهرباء إلى العديد من الدول الأوروبية، والعربية، بعضها بأسعار هزيلة، والآخر بكميات تصل إلى ثلث الإنتاج المحلي.. المزيد