الإقبال على تقسيط المنتجات يدفع قروض الأفراد لمواصلة الصعود

مدفوعةً بالإقبال على تقسيط مختلف المنتجات من السلع المعمرة إلى السيارات والعقارات وغيرها، واصلت تمويلات الأفراد بالبنوك المصرية نموها خلال الربع الأول من العام الحالى؛ لتتراوح معدلات الزيادة بين 1.8٪ و35٪، وفق البيانات المالية المعلنة فى نتائج الأعمال للبنوك المقيدة بالبورصة.
خبراء ومصرفيون يرون أن البيئة النقدية فى مصر أصبحت الآن أكثر توازنًا، بفضل تحسن المؤشرات الأساسية مثل استقرار سعر الصرف وتراجع التضخم إلى ما دون 12٪ لأول مرة منذ ثلاث سنوات، ما يجعل النمو فى محافظ التجزئة خلال النصف الثانى من عام 2025 ليس فقط مرجحًا، بل هو مستدام وذو جودة عالية، مع إمكانية دعم هذا النمو بتوقعات إيجابية من مؤسسات مالية دولية ترى فى هذا التحول تحسنًا هيكليًا حقيقيًا.
فى هذا الإطار، أوضح إبراهيم عادل، محلل الاقتصاد الكلى والقطاع المالى بشركة مباشر تريد مصر، أن البنوك المصرية شهدت خلال الفترة الأخيرة تطورًا ملحوظًا فى محافظ التجزئة المصرفية، وسط توقعات بمزيد من النمو خلال الأشهر المقبلة، مدفوعًا بعوامل عدة، أبرزها خفض أسعار الفائدة بنحو 3.25٪ منذ بداية العام الجارى.
وأضاف أن هذا النمو يأتى نتيجة تحسُّن بيئة الإقراض، وزيادة الطلب من الأفراد على التمويلات الاستهلاكية والشخصية، مع تحرك البنوك لتقديم منتجات أكثر مرونة، وتيسير شروط السداد، خاصة فى ظل ارتفاع المنافسة داخل القطاع المصرفى.
ذكر أن زيادة عدد العملاء واتساع قاعدة التمويل الاستهلاكى قد يُعوضان البنوك عن انخفاض العائد الناتج عن تراجع الفائدة، وذلك من خلال تحقيق أرباح أكبر على أساس الكمية بدلاً من السعر، ما يدفع القطاع المصرفى إلى التوسع بقوة فى أنشطة الإقراض.
وأشار عادل إلى أن هذا التوسع لا يدعم فقط نمو أرباح البنوك، بل يعزز أيضًا من دورها فى تمويل الاقتصاد الحقيقى من خلال زيادة ضخ السيولة فى الأسواق، وتمكين المؤسسات من التوسع فى الاستثمار والإنتاج.
من جانبه، أكد أحمد أبوالخير، الخبير المصرفى، أن محافظ التجزئة المصرفية فى البنوك المصرية شهدت تطورات ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، مدفوعة بعوامل رئيسية، من أبرزها التوسع فى تقديم الخدمات الرقمية مثل تطبيقات الهاتف المحمول والخدمات المصرفية عبر الإنترنت، ما ساهم فى تسهيل المعاملات المصرفية للعملاء.
وأشار إلى أن محافظ الدفع الإلكترونية شهدت نموًا كبيرًا فى عدد المستخدمين وحجم المعاملات، نتيجةً لجهود البنك المركزى المصرى فى تعزيز الشمول المالى، وحرص البنوك على الوصول إلى شرائح جديدة من المجتمع، بمن فيهم الشباب، والمرأة، وسكان المناطق الريفية.
وأوضح أبوالخير أن البنوك عملت على تبسيط إجراءات فتح الحسابات، وتقليل المستندات المطلوبة، ما ساعد على جذب المزيد من العملاء الجدد، علاوة على تطوير منتجات وخدمات مخصصة تلبى احتياجات مختلف الفئات، مثل برامج التمويل العقارى، وتمويل السيارات، والقروض الشخصية، إلى جانب تقديم عروض تنافسية وأسعار فائدة جذابة.
وفى السياق نفسه، طورت البنوك منتجات ادخارية متميزة مثل شهادات الادخار وحسابات التوفير ذات العائد المرتفع، لتشجيع الأفراد على الادخار، ما يعكس التزام القطاع المصرفى بتلبية احتياجات العملاء وتوسيع قاعدة المتعاملين.
وأشار أبوالخير إلى أن هذه الجهود ساهمت فى رفع نسبة الشمول المالى فى مصر إلى 74.8٪
بنهاية عام 2024، مقارنة بنسبة 70.7٪ فى نهاية عام 2023، إذ بلغ عدد المواطنين الذين يمتلكون حسابات نشطة نحو52 مليون مواطن من إجمالى 69.6 مليون (فوق سن 15 عامًا)، وقد بلغت نسبة النمو فى الشمول المالى حوالى 204٪ منذ عام 2016 وحتى نهاية عام 2024.
وأضاف أن قرار البنك المركزى خفض أسعار الفائدة بنحو 3.25٪ خلال العام الجارى كان له تأثير مباشر وإيجابى على نمو محافظ التجزئة المصرفية، كونه أدى إلى تقليل تكلفة الاقتراض، ما حفّز الأفراد على الحصول على قروض شخصية، أو تمويل شراء سيارات وعقارات، وساهم فى تسهيل تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وأوضح أن خفض الفائدة يسهم أيضًا فى تخفيف العبء المالى عن المقترضين الحاليين، ما يقلل من مخاطر التعثر، ويحسن جودة المحافظ الائتمانية للبنوك، وفى ظل بيئة أسعار فائدة منخفضة، من المتوقع أن يتجه الأفراد والشركات إلى الاستثمار فى الأصول والمشروعات، ما يولد دورة نمو اقتصادى إيجابية.
ورجح أبوالخير استمرار نمو قطاع التجزئة المصرفية خلال عام 2025، مدعومًا بالسياسات الحكومية والمصرفية التى تستهدف تعزيز الشمول المالى، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، واستمرار خفض أسعار الفائدة، ما يفتح المجال لمزيد من التوسع فى التمويل الموجّه للفئات الأكثر ربحية.
فى سياق متصل، قال محمود جمال، الخبير الاقتصادى، إن القطاع المصرفى المصرى شهد خلال عام 2025 تحولًا نوعيًا فى أداء محافظ التجزئة، نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الهيكلية والتحفيزية، التى باتت تُشكّل إطارًا جديدًا لتوجهات البنوك نحو الأفراد والمستهلكين.
وأوضح أن التوسع فى محافظ التجزئة خلال عام 2025 لم يكن عارضًا أو محدود السياق، بل جاء نتيجة لاستراتيجية تكاملت فيها السياسة المصرفية مع التحولات الرقمية والتغييرات السلوكية للمستهلك المصرى.
وأشار إلى أن تعاظم دور الشمول المالى فى الاستراتيجية الوطنية كان بمثابة مفتاح الانطلاقة، إذ تبنت البنوك برامج متقدمة لدمج الشرائح غير المصرفية، لا سيما فى المناطق الريفية وصعيد مصر، عبر حوافز مالية وتيسير الإجراءات، بالإضافة إلى تقديم منتجات مخصصة تتناسب مع طبيعة كل فئة.
وأضاف أن التحول الرقمى غيّر قواعد اللعبة بشكل جذرى، إذ ارتفع عدد مستخدمى المحافظ الإلكترونية بنسبة تجاوزت 25٪ خلال الربع الأول من عام 2025، كما زاد عدد مستخدمى تطبيقات الهاتف المحمول المصرفية بنسبة تقارب 31٪، ما يعكس التفاعل والقبول المجتمعى الكبير للمنصات الرقمية كبديل فعّال عن القنوات التقليدية.
ولفت جمال إلى أن البنوك طوّرت من أدواتها ومنتجاتها لتواكب هذا التطور، فإلى جانب القروض الشخصية، شهدت السوق نموًا ملحوظًا فى التمويل الاستهلاكى الموجّه، والقروض التعليمية، وقروض السيارات بأنظمة سداد مرنة، فضلاً عن ازدهار نشاط البطاقات الائتمانية، خاصةً تلك المرتبطة بمزايا نقدية أو خصومات دورية.
وبحسب بيانات البنك المركزى المصرى الصادرة فى نهاية أبريل 2025، ارتفعت محفظة التجزئة المصرفية بنسبة 17.8٪ على أساس سنوى، فى حين سجلت القروض العقارية نموًا تجاوز 14.6٪، ما يعكس ديناميكية قوية فى الطلب على الخدمات المصرفية للأفراد.
وبيّن أن الخفض المتوالى فى أسعار الفائدة، بمجموع 3.25٪ خلال شهرى أبريل ومايو 2025، كان بمثابة دفعة قوية لتحفيز الطلب الاستهلاكى والائتمانى، موضحا أن الأسعار الجديدة للفائدة تُقلل من تكلفة الاقتراض، ما يفتح المجال أمام شرائح كانت خارج نطاق التمويل المصرفى للاستفادة من هذه الخدمات.
وأشار إلى أن الطلب الكامن على القروض الشخصية، وقروض السيارات والإسكان، بدأ فى الظهور فعليًا، بعد أن كانت هذه القروض تمثّل عبئًا ماليًا فى بيئة مرتفعة الفائدة، ومع التراجع الحالي، أصبحت شروط الاقتراض أكثر مرونة، ما يعزز من حركة الأسواق ويرفع من حجم محافظ البنوك.
وشدد على أن نجاح البنوك فى الوقت الحالى لا يعود فقط إلى خفض الفائدة، بل إلى الجاهزية المؤسسية والتقنية التى تم بناؤها خلال فترة الفائدة المرتفعة، إذ عملت البنوك على تعزيز قواعد البيانات، وتحديث نماذج تقييم الجدارة الائتمانية، ما مكّنها من إدارة المخاطر بكفاءة.
وذكر أن البيئة النقدية فى مصر أصبحت الآن أكثر توازنًا، بفضل تحسن المؤشرات الأساسية مثل استقرار سعر الصرف وتراجع التضخم إلى ما دون 12٪ لأول مرة منذ ثلاث سنوات، ما يجعل النمو فى محافظ التجزئة خلال النصف الثانى من عام 2025 ليس فقط مرجحًا، بل هو مستدام وذو جودة عالية، مع إمكانية دعم هذا النمو بتوقعات إيجابية من مؤسسات مالية دولية ترى فى هذا التحول تحسنًا هيكليًا حقيقيًا.