برؤية متفائلة أكدتها «فيتش» للتصنيف الائتمانى، تعد مصر هى الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى حصل قطاعها المصرفى على نظرة مستقبلية «إيجابية» من الوكالة لعام 2025، فى مؤشر على تحسن ملحوظ فى البيئة التشغيلية، وتنامى الثقة فى قدرة البنوك المصرية على الصمود ومواصلة النمو فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. «فيتش» استندت فى نظرتها إلى مجموعة عوامل، أبرزها تراجع معدلات التضخم، وتحسن السيولة بالعملة الأجنبية، إلى جانب التوقعات الإيجابية لنمو الناتج المحلى بنحو 4٪ خلال العام المالى 2025، بعد أن بلغ 2.4٪ فى 2024. كما أشادت بإدارة «المركزى» المصرى السياسات النقدية، مؤكدة أن هذه العوامل مجتمعة تسهم فى ترسيخ الثقة الدولية بالقطاع المصرفى المحلى، مضيفة أن البنك يسير بخطى ثابتة نحو خفض تدريجى فى أسعار الفائدة، بهدف دعم الاستثمار وتحفيز الاقتصاد مع الحفاظ على فائدة حقيقية موجبة. عززت «فيتش» نظرتها الإيجابية عبر تحليل أداء ثلاثة من أكبر البنوك المصرية، هى: الأهلى المصرى، وبنك مصر، والبنك التجارى الدولى (CIB)، مشيرة إلى نقاط القوة والتحديات لكل منها. البنك الأهلى.. لاعب محورى حظى البنك الأهلى المصرى بتقييم خاص داخل تقرير أصدرته الوكالة حديثًا، بوصفه أكبر البنوك العاملة، إذ يستحوذ على أكثر من 35٪ من إجمالى الأصول والودائع على مستوى الجهاز المصرفى حتى نهاية الربع الثالث من 2024، ويخدم قاعدة عملاء تتجاوز 20 مليونًا من خلال أكثر من 665 فرعًا. وحافظ البنك على تصنيفه الائتمانى عند درجة "B" مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو ما يعكس مزيجًا من قوته الذاتية والدعم السيادى الموثوق من الحكومة المصرية، التى تمتلك البنك بالكامل وتعده مؤسسة ذات أهمية نظامية عالية، كما حصل البنك على تصنيف "B" فى القابلية للبقاء، و«b» فى تصنيف دعم الحكومة. وسجل البنك أداءً ماليًا لافتًا خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024، إذ ارتفع صافى دخله إلى 118.4 مليار جنيه، مقارنة ب70.7 مليار فى الفترة نفسها من العام السابق، بنسبة نمو بلغت 67٪، كما ارتفع العائد على الأصول إلى 6.7٪، بينما قفز صافى دخل الفوائد كنسبة من الأصول إلى 4.5٪، ما يعكس قدرة البنك على تحقيق دخل متوازن من أنشطته الأساسية. وعلى مستوى كفاءة التشغيل، أظهر البنك تحسنًا واضحًا، إذ انخفضت النفقات غير المرتبطة بالفوائد إلى 20.9٪ من إجمالى الدخل، فى حين ارتفع صافى العائد على حقوق المساهمين المتوسطة إلى 36.8٪، مقارنة ب14٪ فقط فى 2021. وعلى صعيد جودة الأصول، أظهرت البيانات استقرارًا نسبيًا، إذ بلغت نسبة القروض المتعثرة (المرحلة الثالثة) نحو 0.9٪ فقط حتى نهاية سبتمبر 2024، مقارنة ب1.5٪ فى 2021، وهو ما يُعد مؤشرًا على تحسن جودة محفظة القروض، خاصة فى ظل الارتفاع الكبير فى حجمها بنسبة تجاوزت 51٪ خلال الفترة نفسها، ويُعزز ذلك مستوى التحوط المرتفع الذى يعتمده البنك، إذ بلغت نسبة مخصصات القروض إلى القروض المتعثرة نحو 338.1.٪ أما من حيث الملاءة المالية، فارتفعت نسبة رأس المال الأساسى من المستوى الأول 11.5 ٪ إلى 13.1٪ حتى سبتمبر 2024، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر إلى 13.5٪ بنهاية 2025، بدعم من توليد رأس المال داخليًا وتحسن سعر الصرف، ورغم هذا الأداء، أشار التقرير إلى وجود بعض التحديات، أبرزها تعرض البنك المرتفع للديون السيادية، إذ تمثل استثمارات الحكومة نحو 31٪ من إجمالى أصول البنك، فيما يشكل القطاع العام حوالى 70٪ من محفظة القروض، وهو ما يجعله عرضة للتقلبات الاقتصادية المرتبطة بالمالية العامة للدولة. فى المحصلة، يرى تقرير فيتش أن البنك الأهلى المصرى يتمتع بقوة تشغيلية ومالية واضحة، ويُتوقع أن يواصل أداءه الإيجابى مدفوعًا بتحسن المناخ الاقتصادى المحلى والدعم الحكومى المستمر، إلا أن التحديات المرتبطة بجودة الأصول، ونموذج الأعمال، والتعرض الكبير للديون السيادية، تبقى حاضرة وتتطلب معالجة استراتيجية لضمان الاستدامة المالية وتعزيز موقع البنك فى السوقين المحلية والإقليمية. بنك مصر.. حضور قوى وفقًا لفيتش، فإن تقييماتها البنوك المصرية تعكس مدى ارتباط تلك المصارف، وبنك مصر تحديدًا، بالأداء السيادى للدولة المصرية، نظرًا للتعرض الكبير للديون الحكومية والارتباط القوى بسياسات السلطات المالية والنقدية فى البلاد. الوكالة أشارت إلى أن بنك مصر يتمتع بحضور قوى فى السوق، إذ يُعد ثانى أكبر بنك من حيث الأصول، والتى شكّلت 20٪ من إجمالى أصول القطاع حتى منتصف 2024، ويخدم أكثر من 18 مليون عميل عبر شبكة فروع تُعد الأوسع على مستوى البلاد. وعلى صعيد جودة الأصول، أظهرت بيانات البنك انخفاضًا طفيفًا فى القروض المتعثرة (المرحلة الثالثة) لتسجل 3.8٪ فى يونيو 2024 مقارنة ب 3.6٪ فى نهاية 2023، رغم ارتفاع قيمة هذه القروض بفعل تراجع الجنيه بنسبة 36٪ خلال الربع الأول من العام، وتوقعت «فيتش» أن تبقى هذه النسبة أقل من 4٪ خلال 2025 بدعم من انخفاض أسعار الفائدة وتحسن الظروف الاقتصادية. أما فيما يخص الربحية، فسجّل بنك مصر أداءً قويًا يعد من أبرز نقاط القوة فى تقييمه، إذ بلغت نسبة صافى الربح إلى الأصول المرجحة بالمخاطر مستوى قياسيًا عند 7.4٪ خلال النصف الأول من 2024 (مقارنة ب 6.5٪ فى 2023)، بدعم من ارتفاع صافى دخل الفوائد بنسبة 52٪ وزيادة هامش الفائدة الصافية من 5.5٪ إلى 6.3٪، ونتيجة ذلك، ارتفع صافى الدخل إلى 59.1 مليار جنيه خلال النصف الأول من 2024، مقابل 60.7 مليار فى عام 2023 بأكمله، ما يعكس قوة فى توليد الإيرادات التشغيلية رغم تحديات السوق. وتطرّق التقرير إلى مستويات رأس المال، فرأى أن نسبة رأس المال الأساسى من الشريحة الأولى (CET1) التى بلغت 9٪ حتى منتصف 2024 تُعد منخفضة مقارنة بمتوسط القطاع البالغ 12.7٪، ومع ذلك، توقعت «فيتش» تحسّن هذه النسبة إلى ما يتجاوز 10٪ بنهاية العام الجارى، مدعومة بنمو داخلى قوى وتراجع فى الأصول المرجحة بالمخاطر بعد استقرار سعر الصرف. من جهة أخرى، أشار التقرير إلى تحسن واضح فى مؤشرات السيولة، إذ بلغت نسبة القروض إلى الودائع 53٪ وهى أفضل من المتوسط القطاعى البالغ 60٪، كما أظهرت نسب التغطية والسيولة الثابتة معدلات تفوق 100٪ بكلتا العملتين المحلية والأجنبية، ما يعكس متانة التمويل واستقراره، خاصة أن 64٪ من ودائع البنك تعود لعملاء التجزئة. «التجارى الدولى»... أداء مالى بارز أما عن نظرة وكالة التصنيف الدولية للبنك التجارى الدولى – مصر (CIB)، فأكدت فيتش تصنيفها للبنك عند درجة «+B»، مع نظرة مستقبلية مستقرة، ويعكس هذا التصنيف الأداء القوى للبنك، وقوة مركزه المالى، واستقراره التشغيلى، إلى جانب المرونة فى مواجهة التحديات الاقتصادية المحلية والدولية. الوكالة ذكرت فى تقريرها لرصد أداء البنك التجارى الدولى، أن تصنيف البنك بشكل رئيسى على قدرته الذاتية، كما تعكسه درجة «قابلية الاستمرار"، التى حددتها الوكالة عند «b+»، وقد أشادت فيتش بالأداء القوى للبنك التجارى الدولى، الذى يعد أكبر بنك خاص فى مصر وثالث أكبر بنك على مستوى البلاد، بحصة تبلغ 6٪ من إجمالى أصول القطاع المصرفى حتى نهاية عام 2024. وأبرز التقرير أن البنك يمتلك قاعدة عريضة من العملاء، تضم أكثر من مليونى عميل، ويتميز بنموذج أعمال يركز أساسًا على القطاع المؤسسى، إلى جانب وحدة تجزئة قوية. ورغم البيئة الاقتصادية الصعبة، سجل البنك أداءً ماليًا متميزًا خلال عام 2024، فبلغ صافى هامش الفائدة 9.9٪، ارتفاعًا من 7.9٪ فى عام 2023، بدعم من رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزى المصرى وارتفاع عوائد السندات السيادية، ونتيجة لذلك، ارتفع الربح التشغيلى كنسبة من الأصول المرجحة بالمخاطر إلى 11.5٪، مقارنة ب10.9٪ فى العام السابق، وتتوقع وكالة فيتش استمرار هذا الأداء القوى فى عام 2025، إذ ترجح أن يحقق البنك ربحًا تشغيليًا يعادل 12٪ من الأصول المرجحة بالمخاطر. من جهة أخرى، أظهر البنك مرونة واضحة فى إدارة جودة أصوله، إذ حافظ على نسبة القروض المتعثرة عند 4.2٪ بنهاية 2024، وهى نسبة مستقرة رغم نمو محفظة القروض بنسبة 48٪ خلال العام نفسه، ويعزى هذا الاستقرار إلى كفاءة إدارة المخاطر وتوفير مخصصات كافية، إذ بلغت نسبة تغطية القروض المتعثرة 83٪، فى حين بلغت التغطية الإجمالية للقروض المتعثرة وغير المتعثرة 298٪، وهو ما يعكس سياسة احترازية فى مواجهة المخاطر. وعلى صعيد الرسملة، واصل البنك تعزيز قاعدته الرأسمالية، إذ بلغ رأس المال الأساسى من الشريحة الأولى (CET1) نحو 20.1٪ فى نهاية عام 2024، متفوقًا بفارق كبير على متوسط القطاع البالغ 12.7٪، وكذلك على الحد الأدنى التنظيمى البالغ 7.25٪، ورغم تراجع هذه النسبة عن العام السابق (22٪) نتيجة زيادة الأصول المرجحة بالمخاطر بنسبة 76٪ بسبب نمو القروض وتراجع قيمة الجنيه، ساهمت الأرباح القوية والمكاسب الناتجة عن إعادة تقييم السندات الحكومية فى دعم القاعدة الرأسمالية. وفيما يتعلق بالسيولة والتمويل، أشار تقرير فيتش إلى أن البنك التجارى الدولى يتمتع بقاعدة تمويل مستقرة ترتكز أساسًا على ودائع العملاء، والتى مثلت 97٪ من إجمالى مصادر التمويل غير الرأسمالية فى نهاية عام 2024. وشكلت ودائع التجزئة نسبة 56٪ من إجمالى الودائع، فى حين بلغت نسبة الحسابات الجارية وحسابات التوفير ذات التكلفة المنخفضة نحو 55٪ من إجمالى ودائع العملاء، وهى من أعلى النسب فى القطاع المصرفى المصرى. وبفضل هذه القاعدة المستقرة، احتفظ البنك بنسبة قروض إلى ودائع تبلغ 40٪، مقارنة بمتوسط قطاعى يبلغ 60٪، ما يعكس وفرة كبيرة فى السيولة، فيما غطت الأصول السائلة (النقدية وصافى الأصول بين البنوك) نسبة 42٪ من ودائع العملاء، وهو ما يشير إلى قدرة البنك على مواجهة أى صدمات مفاجئة فى السيولة.