ينطلق الأستاذ والعميد الأسبق لكلية التخطيط العمرانى الدكتور سامح العلايلى فى رؤيته، من أن التخطيط العمرانى ليس هندسة فقط، وأن تفرد الموقع المراد عمل تخطيط له يحتاج إلى ما هو أبعد بكثير من الإجراءات المعتادة لمثل هذه الأمور، مؤكدًا على أهمية دور العلماء ووجوب تجنب أخطاء الماضى، والتفكير بعقلانية فى كل خطوة بعيدًا عن العشوائية أو النزعة الأسمنتية. ويقول: تابعت كما تابع غيرى تصريحات الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، حول تخطيط منطقة أهرامات الجيزة «إحدى عجائب الدنيا السبع» والمتحف الكبير.. وطالعت ما نشر عن طلب عروض من مكاتب استشارية دولية ومحلية لتخطيط هذه المنطقة استهدافًا لاستثمار سياحى واستغلال مساحات هائلة من الأراضى الفضاء لهذا الغرض. وأضاف الدكتور سامح: ولمَّا كان لهذا الموضوع تأثير لا يُعرف مداه على منطقة ذات خصوصيات قصوى تاريخية وطبيعية، ونظرًا لما عهدناه من الترويج المبالغ فيه، فى أوقات سابقة، لمشروعات عمرانية كبرى بالتركيز على إيجابياتها، حال وجودها، وغض البصر عن سلبياتها، ودون طرح دراسات جدواها على المجتمع العلمى والخبراء المحايدين، ودون العرض على شركاء التنمية من المجتمع المحلى طبقًا لما ورد فى قانون البناء الموحد، وفى غياب خريطة متفق عليها لأولويات العمل، فأنا أتخوف، حيث السوابق فى عدة مجالات أدت إلى استنزاف استثمارات هائلة، جزء منها محلى والجزء الغالب ديون تحملتها الخزانة العامة، مما أدى إلى أزمة اقتصادية كبرى طالت الجميع. ويؤكد الدكتور سامح أنه يتضح من الوهلة الأولى لطرح هذا الموضوع أن المستهدف هو إعداد مخطط عام للاستثمار السياحى بالأساس لهذه المنطقة الاستثنائية واستغلال مساحات هائلة من الأراضى الفضاء فى البناء المفرط دون مراعاة لخصوصية هذا الموقع وما يتطلبه من وجوب التعامل معه بحساسية شديدة وبإشراف جمع من علماء التراث المصرى القديم والبيئة الصحراوية، بطبيعتها المختلفة عن المساحات الخضراء. كما أن ربط المواقع التراثية الاستثنائية بالاستثمار السياحى هو أمر يحتاج إلى مراجعة وتدقيق لا تساهل فيه، لأن الحفاظ المتواصل على تراث الأمة هو واجب قومى لا يُباع ولا يُشترى، ويسبق أى أولوية. ويشير الدكتور سامح إلى أن حركة السياحة، طبقًا للتقارير السنوية لمنظمة السياحة العالمية، تُشير إلى احتلال السياحة الترفيهية بتنوعها نسبة 85٪ من الإجمالى، أما عن بقية النسبة فهى موزعة على السياحة الثقافية والعلاجية والمؤتمرات وغيرهم. لذلك، فإن النشاط السياحى فى مصر يجب أن يأخذ فى اعتباره أهمية التركيز على نوعيات مختلفة من السياحة الترفيهية خارج المنطقة المستهدفة وليس فقط الثقافية، بحيث لا يتم تشكيل أى ضغط على الأثر ومحيطه. ويخلص الدكتور سامح مما تقدم إلى أن المرجو بداية هو عمل استطلاع رؤية علماء كبار محليين وأجانب فى مجالات حماية التراث الإنسانى والبيئة الطبيعية فى كيفية تناول هذه القضية بأسلوب بحثى يُحقق جدوى الارتقاء النوعى بالمحتوى دون المساس بالمضمون، ذلك قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى يُطلب فيها التقدم بورقة عمل عن كيفية تناول هذا الموضوع والتى على أساسها يتم اختيار عدد محدود من المتقدمين لعرض رؤيتهم فى كيفية التدخل المناسب الذى يُبرز القيم المكانية لهذا الموقع الاستثنائى بالدرجة التى يستحقها. ويضيف: وهذه الإجراءات مؤداها ليس هندسة تخطيط وإنما تناغم للارتقاء العمرانى نابع من القيمة المكانية وضمان عدم تشويهها بغابات أسمنتية مفتعلة.