مازال الصراع في السودان يلقي بظلاله على دول الجوار ومصالح الدول الكبرى، حيث لا يمكن فصل الحرب الدائرة على الساحة السودانية عن كل الصراعات في المنطقة والشرق الأوسط وصراع المصالح والنفوذ في القارة السمراء. وبحسب كثير من المحللين والخبراء فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية تستخدم كل أدواتها في السودان بهدف مقاومة النفوذ الروسي والصيني المتنامي في أفريقيا، ولو على حساب حياة واستقرار الشعب السوداني. حيث لم تدخر واشنطن أي جهد باستثمار جميع أدواتها بالسودان لتحقيق مصالحها من شخصيات سياسية أو إرسال مرتزقة أو التلاعب بملف المنظمات الإنسانية والاستثمار به. في سياق ذو صلة، أكد السفير السوداني لدى روسيا محمد سراج في الأيام القليلة الماضية بتصريحات صحفية لوكالة «سبوتنيك» الروسية التزام السودان ببناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، موضحًا أنّ المشكلة التي يواجهها المشروع «إجرائية فقط»، وأنّ من واجب الطرفين تنفيذه. وقال سراج، أنّ الخرطوم لن تتخلى عن التزاماتها ببناء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، موضحًا أنّ القاعدة تمثّل «نقطة دعم لوجستي في البحر الأحمر، كما أن البلدين وقّعا على الاتفاقية التي سيتم بناؤها بموجبها، ما يعني أنّ من واجبهما تنفيذ المشروع»، معربًا عن أمله في «تعزيز أكثر لعلاقات البلدين». في السياق ذاته، كان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقّار اير، قد قام بزيارة لروسيا في الثالث من يونيو الجاري على رأس وفد رفيع المستوى يضم وزراء المالية والخارجية والمعادن. وتأتي زيارة عقار وسط وعود سودانية مستمرة بالالتزام باتفاقية إقامة قاعدة بحرية روسية على شواطئ البحر الأحمر في بورتسودان. وكان عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا قد كشف في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي عن اتفاقيات تعاون عسكري بين روسيا والسودان تشمل حصول موسكو على ما أطلق عليها نقطة تزويد على البحر الأحمر. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أكد، عقب زيارة للسودان، أنّ الاتفاق بين موسكووالخرطوم بشأن إنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان، يقع حاليًا في مرحلة التصديق. التقارب بين الجيش السوداني وروسيا يصّعد المخاوف الأمريكية وفي ظل كل ما سبق تصاعدت المخاوف الأمريكية بشكل كبير، بسبب التقارب الكبير بين مجلس السيادة وروسيا واحتمال حصول الأخيرة على قاعدة عسكرية على البحر الأحمر. وأثار التقارب بين الجيش السوداني وروسيا تخوفات أمريكا، حيث هاتف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكين، قبل يومين قائد الجيش السوداني طالبًا منه الذهاب إلى منبر جدة واستئناف المفاوضات، حسب ما كشف المكتب الإعلامي لمالك عقار نائب البرهان، بيد أن عقار رفض الذهاب، كما أن ياسر العطا خرج وأيد ما ذهب إليه عقار قائلًا إن ما قاله يمثل رأي الدولة. وبحسب الباحث والخبير في الشؤون السودانية عثمان ميرغني فإن المخاوف الأمريكية تتمثل بقلق واشنطن من خسارة نفوذها في السودان في حال تحالف البرهان مع الروس، على حساب سيطرة النفوذ الروسي، إلى جانب منافسة الروس للأمريكيين على النفوذ في البحر الأحمر، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدا لها. وفقًا للباحث في الشؤون الأفريقية الدكتور عبدالرحمن كان فإن فشل عبدلله حمدوك ممثل الغرب وواشنطن في السودان لعدة مرات بإحداث تغيير سياسي في المشهد السوداني بما يناسب المصالح الأمريكية، إلى جانب توجه البرهان والجيش السوداني شرقًا للتحالف مع موسكو، دفع بواشنطن للتفكير بخطة بديلة لإزاحة البرهان عن المشهد والدفع بشخصية أخرى لسدة الحكم تمثل مصالح واشنطن. وبحسب كان، فقد بدأت واشنطن باستخدام نفوذها على الجارة الإثيوبية، من خلال إقناع رئيس البلاد أبي أحمد بإرسال قوات إثيوبية ومرتزقة لمساندة قوات «الدعم السريع» والدفع بهم نحو الانتصار على قوات الجيش السوداني ومن ثم إسقاط حكم البرهان بالقوة بعد فشل الخطط السياسية البديلة. وأكد كان بأن، ما يدفع أبي أحمد للقبول بالطلبات الأمريكية هي المصالح الكثيرة التي يمكن أن تحققها إثيوبيا من خلال هذه الاتفاقية مع واشنطن. ويأتي في مقدمتها اعتراف واشنطن بانفصال إقليم أرض الصومال، الذي يحتل موقع استراتيجي هام جدًا والذي لطالما حلمت وسعت إثيوبيا لانفصاله، بهدف السيطرة عليه والحصول على ميناء زويلع الصومالي الهام جدًا، وبالتالي منفذ بحري، بحكم أن إثيوبيا لا تملك أي منفذ على البحر أو المحيط. بالإضافة إلى ما سبق، فإن إثيوبيا ستسعى للسيطرة مساحات أكبر من نهر النيل واستعادة السيطرة على مدينة «الفشقة» المتنازع عليها على الحدود السودانية. وما يؤكد فرضية الدكتور عبدالرحمن كان، حول رغبة الرئيس الإثيوبي الشديدة في السيطرة على أرض الصومال وميناء زويلع، هي المعلومات التي أوردتها وسائل إعلامية كثيرة في وقت سابق، عن العرض الذي قدمه أبي أحمد لواشنطن حول استعداده لفتح جبهة ضد الحوثيين في اليمن، وحتى إرسال قوات لقتالهم والاستعداد لحماية الملاحة الإسرائيلية، وكل ذلك مقابل حصوله على اعتراف دولي رسمي بشرعية سيطرة إثيوبيا على ميناء زويلع وإقليم أرض الصومال. وتعليقًا على هذه المعلومات، أكد الباحث في مركز صنعاء للدراسات الدكتور ماجد المذحجي أن الرئيس الإثيوبي استغرق كثيرًا في خياله، وذهب بعيدًا عن الواقع، لأنه من الصعب جدًا على القوات الإثيوبية أن تحسم الصراع في البحر الأحمر لأسباب جغرافية وعسكرية كثيرة. ومن الجدير بالذكر أن الجانبين الروسي والسوداني وقّعا، عام 2019، اتفاقية بشأن إنشاء مركز للدعم اللوجستي للبحرية الروسية في بورتسودان، وهو من المفترض أن يستضيف ما يصل إلى 300 جندي روسي، ويزوّد سفنًا تابعةً له بالوقود.