معهد التخطيط: الفائض الأولى غير كافٍ لضمان استدامة الدين الحكومى

صدر أمس عن معهد التخطيط القومى بحث بعنوان «استدامة الدين الحكومى فى مصر: هل يضمن الفائض الأولى فى الموازنة الحفاظ عليها؟». كشف البحث عن تراجع نصيب القطاع الخاص من الاستثمارات ومن التمويل فى 2022/ 2023 إلى نحو 21% فى الحالتين. ذكر البحث أن الدين الحكومى، أو ما يطلق عليه دين أجهزة الموازنة العامة، هو المكون الأكبر فى رصيد الدين العام، حيث بلغ رصيد هذا الدين نحو 6.9 تريليون جنيه، بنسبة 87.2% من الناتج المحلى الإجمالى فى يونيو 2022. وتتبنى وزارة المالية استراتيجية لتخفيض مستوى هذا الدين إلى نحو 79% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2027، وذلك من خلال استهداف تحقيق فائض أولى primary surplus سنوى بالموازنة العامة يتراوح حول 2% من الناتج المحلى الإجمالى. أضاف أن الموازنة العامة حققت بالفعل فائضًا أوليًا على مدار السنوات الست الأخيرة، وإن لم يصل إلى النسبة المستهدفة.
ومن خلال تحليل ورقة السياسات الحالية للتطورات التى شهدها الدين الحكومى المصرى على مدار السنوات الست الأخيرة والمصادر الأساسية لتراكم هذا الدين خلال تلك الفترة، توصلت الورقة إلى عدة نتائج، أهمها: أن الفائض الأولى الذى حققته الموازنة العامة على مدار السنوات الست الأخيرة، وعلى الرغم من أهميته، إلا أنه غير كافٍ للحفاظ على استدامه الدين الحكومى، حيث اقترن تحقيق هذا الفائض بزيادة مطردة فى قيمة هذا الدين ونسبته للناتج المحلى الإجمالى نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض ومدفوعات فوائد الدين، فضلًا عن التزايد الكبير فى العمليات المالية تحت الخط، والتى تؤدى إلى زيادة تراكم الدين الحكومى دون التأثير على العجز السنوى للموازنة. وزاد: «اقترنت الزيادة فى حجم الدين الحكومى وفى نسبته للناتج المحلى الإجمالى بتحول مهم فى هيكل هذا الدين، حيث ارتفع النصيب النسبى للدين الحكومى الخارجى من 17.7% من رصيد الدين الحكومى فى يونيو 2018 إلى 19.2% فى يونيو 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 22.4% من رصيد الدين الحكومى فى يونيو 2023».
أكد البحث أن تزايد النصيب النسبى للدين الخارجى فى هيكل الدين الحكومى على هذا النحو يرفع حجم المخاطر المالية fiscal risks وتهديدات الاستدامة التى تواجه هذا الدين، خاصة فى ظل عدم استقرار سعر الصرف للعملة الوطنية. أسفر التوسع الكبير فى الاقتراض الحكومى عن تخطى هذا الاقتراض، وللمرة الأولى فى تاريخ الموازنة المصرية، حجم الإيرادات العامة، وهو الأمر الذى يمكن أن يترتب عليه العديد من التداعيات والآثار الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها: استمرار تصاعد الموجات التضخمية المتواترة والتى يتعرض لها الاقتصاد المصرى منذ بداية عام 2022، وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة، خاصة على الطبقات محدودة الدخل، وبما يلقى بمزيد من الأعباء على الموازنة العامة لزيادة برامج الدعم والحماية لتلك الطبقات.
وزيادة حدة المزاحمة التى يتعرض لها القطاع الخاص على مدار سنوات العقد الأخير، والتى أسفرت عن تراجع كبير فى نصيب هذا القطاع من حجم الائتمان المحلى من 42.1% فى عام 2010 إلى 21.8% فقط فى سبتمبر من عام 2022. وهنا يجب الإشارة إلى ما ترتب على زيادة مزاحمة القطاع الخاص على مدار العقد الأخير من تراجع غير مسبوق فى حجم أنشطته والاستثمارات التى يقوم بها، حيث تشير بيانات وزارة التخطيط إلى تراجع النصيب النسبى للقطاع الخاص من الاستثمارات الكلية المنفذة ليصل إلى 26.2% فقط فى العام المالى 2021/2022 فى مقابل 62.4% من إجمالى الاستثمارات الكلية فى العام المالى 2011/2012. وهنا تنوه الورقة الحالية إلى المخاطر التى يمكن أن تنتج عن الاستمرار فى هذا المسار. فمع تزايد حجم الدين الحكومى على النحو المتوقع حدوثه فى العام المالى الحالى 2022/2023 والأعوام القادمة يمكن أن تضطر الحكومة إلى تقليص حجم الاستثمارات العامة، سواء أكان يتم تنفيذها فوق الخط أو تحت الخط، وهو ما سيؤدى بدوره، وفى ظل التراجع المستمر لاستثمارات القطاع الخاص- والتى من المقدر أن تستمر فى الانخفاض لتصل إلى 21.4% فقط من إجمالى الاستثمارات الكلية فى خطة السنة المالية 2022/2023- إلى نقص حاد فى حجم الاستثمارات الكلية المنفذة وبما يقوض مسار النمو الاقتصادى المستدام، وعلى نحو يمكن أن تكون له تداعيات كبرى وآثار سلبية ممتدة على استدامة الدين العام، بشقيه الحكومى وغير الحكومى.
وبناء عليه، تطرح الورقة عددًا من الإجراءات اللازمة للحفاظ على استدامة الدين الحكومى وتخفيضه إلى المستوى المنشود. وتأتى تلك الإجراءات على أربعة محاور أساسية هى: تعزيز مسار النمو الاقتصادى المستدام، باعتباره الركيزة الأساسية للحفاظ على استدامة الدين العام، بشقيه الحكومى وغير الحكومى، وثانيًا تحسين كفاءة أطر حوكمة الدين العام بشقيه الحكومى وغير الحكومى، وثالثًا تبنى حزمة من الإجراءات المؤسسية اللازمة لتحقيق الانضباط المالى ورفع كفاءة الإنفاق العام، وأخيرًا استكمال جهود الإصلاح والتطوير التى تبنتها الحكومة لرفع كفاءة منظومة الضرائب المصرية.
يرأس المعهد الدكتور أشرف العربى، وتتولى الدكتورة هالة أبوعلى موقع نائب رئيس المعهد للبحوث والدراسات.