فردتا حذاء وشراب «روز» تحتضنها وتُقبّلها وتقول: «مش باقى لنا منها غير دول»، تصرخ: «يا قلبى.. دى أول ليلة تنامى فيها بعيد عن حضنى.. دى أول ليلة لكِ في القبر».. تنهار أم منة تامر، تلميذة الصف الثانى الابتدائى بمدرسة سيد الشهداء بميت عقبة في الجيزة، التي لقيت مصرعها إثر سقوطها من الطابق الرابع، حين تذكر اللحظات الأخيرة في حياتها: «سابوها ساعة ونصف سايحة بدمها.. وآخر كلماتها: هاتوا لى ماما». مديحة إبراهيم، والدة الطفلة، تستعيد تفاصيل اليوم الدراسى الثانى: «منة اختارت حذاءها العالى (زى البنات الكبار).. وشرابها الذي يشبه لون تيشيرت المدرسة.. وكانت زعلانة إنى مرحتش معاها أول يوم، ارتدت ملابسها ونزلت الشارع.. رنت على تليفونى لحد ما نزلت.. ركبت معاها أنا وأبوها التاكسى.. قعدت تزغرط وتسقف ونقول لها: يا بنتى مالك؟.. ترد معاتبة: «فى إيه يا ماما أنا فرحانة سيبينى». «مديحة» تعاتب ابنتها «آخر العنقود»: «يا نور عينى قطعتى بيّا.. فرحانة إنك هتسيبينى.. كنتِ فرحانة إنك خارجة من الدنيا»، تتذكر وقت وصول الابنة المدرسة «جبت لها ساندوتشين وإزازة ميه، وقلت لها: بالهنا على قلبك يا روحى». «منة» كانت فرحانة، وب«تجرى على كل الفصول، ماسكةً كُراستين وقلم اشتريتهم لها.. وطلعتها الفصل وقعدتها في التختة الأولى وقابلت مُدرسها واتفق معايا إنه هيديها مجموعة تقوية»، وفق والدتها: «مكانتش بتعيط ولا بتقول: عاوزة ماما». ساعتان على الأكثر وتلقت والدة «منة» مكالمة من «ملك»، ابنتها الكبرى: «يا ماما تعالى شوفى بنتك وقعت في المدرسة»، لتهرول الأم إلى المستشفى، وفى الطريق أبلغها الأهالى: «البنت سقطت من الدور الرابع، وولية أمر شالتها على المستشفى غرقانة في دمها، والمدير سابها ساعة ونصف، بحجة إنه خايف يشيل مسؤولية، والناس كسرت الباب ودخلت لإنقاذها». تقابلت أم الضحية مع ولية الأمر وقالت لها: «بنتك كان فيها الروح، وبتقول: هاتوا لى ماما.. هاتوا لى ماما»، لتردد والدة «منة» بحزنِ: «ملحقتكيش يا روح أمك». الأم تقترب من المستشفى، تنظر في عيون الضباط والطواقم الطبية: «لقيت وشوشهم بتقوللى بإن في كارثة وبنتى ماتت، سألتهم فين البنت؟، ولم يجب عليَّ أي منهم، مش عارفين يقولولى إيه». والدة منة طلبت من أمن المستشفى: «خلونى أنادى عليها يمكن تسمعنى وتقوم»، وفى الساعة 12 منتصف الليل، وفق الأم: «لقيتهم بينادوا عليَّ: تعالى شوفى بنتك». الأم تقترب من جثة الابنة داخل ثلاجة الموتى، وكأن صبر أيوب نزل عليّ، تصفُ حالة ابنتها: «كانت طويلة وبيضاء وبتضحك.. بس وشها أزرق وضروسها مليانة دم وجبهتها مفتوحة»، باكيةً: «رفضوا يخلونى أقف على غُسل بنتى.. لاحسن أنهار وأقع من طولى». استدعيت الأم المكلومة للإدلاء بأقوالها، وانهارت بسماعها: «بنتك عندها كهربا على مخها»، قالت: «بنتى شاطرة كان نفسها تبقى دكتورة.. بنت عمها (سما)- بالصف الخامس الابتدائى راحت لها الفصل تجيبها، المُدرس ضربها بالعصا وضرب بنتى اللى خافت، واستغلت إنه أعطاها ظهره ناحية السبورة وجريت على السور وسقطت». أم منة ترفض دخول شقتها: «مش مستوعبة إن بنتى مش موجودة.. سريرها كان حضنى.. ماتت في الحصة الأخيرة وكانت آخر العنقود.. قطعت بينا.. ودى أول ليلة في قبرها.. روحت استلم هدومها رفضوا لأنهم متحفظين عليها.. تبقى لى منها شراب وحذاء المدرسة أنام بيهم بين أحضانى». النيابة العامة قررت صرف المدرس ومدير المدرسة، بعد سماع أقوالهما.