كلمة السر

فى استطلاع رأى سنوى يُجريه مركز قياسات رأى إماراتى حول آراء الشباب العربى، تصدرت مكافحة الوساطة والمحسوبية أولوية مطالبات الشباب من حكوماتهم لتحسين مجال العمل والتوظيف. فالوساطة والأهواء الشخصية تتسبب فى حرمان المؤسسات من الكفاءات الحقيقية، وهى كثيرًا ما تضع الشخص المناسب فى المكان غير المناسب. أعرف شابًا كان يعمل فى شركة برمجيات، لكنه لم يكن ينال التقدير والدرجة الوظيفية التى يستحقها، والتى حصل عليها غيره من أصحاب الوساطة، هذا الشاب تقدم إلى وظيفة مماثلة فى دولة أوروبية كبرى براتب أكبر بكثير، وإذا بهم يقبلونه سريعًا، بل يمنحونه درجة وظيفية أعلى من التى تقدم إليها، ويكتبون فى أوراق منحه فيزا الإقامة الدائمة أن عمله سيسهم فى رفع اقتصاد بلادهم، ليزرعوا الانتماء فى قلبه حتى قبل أن تطأ قدمه بلادهم. هذه القصة لم تكن وحدها ما استوقفنى بخصوص ما قد تتسبب فيه الأهواء الشخصية والمحسوبية من أثر سلبى كبير على الشباب فى بلادنا العربية، وإنما حكاية الشاب المصرى عادل على شعبان تستحق التوقف أمامها أيضًا، فهذا الشاب إذا كان بريطانيًا أو أمريكيًا لربما كان ستيف هوكينج الجديد، فهو مصاب بشلل دماغى يمنعه من الحركة ومن التحكم فى يده، لكنه يمتلك إرادة فولاذية مكّنته من أن يحصل على بكالوريوس من كلية الحاسبات بجامعة عين شمس، ويصبح مبرمج كمبيوتر مع مرتبة الشرف، لكن تفوق «عادل» لم يكن شفيعًا له لنَيْل الوظائف التى كان يتقدم إليها. كان لا يحظى إلا بنظرات الشفقة، فى حين ينال الوظيفة واحد من أصحاب كروت الوساطة والمحسوبية الأقل كفاءة منه. كان «عادل» يشعر أنه يعاقَب على إعاقته وهو سبب ليس له يد فيه، ولأن الله يسمع ويرى ويشد من أزْر مَن يصبر فإذا بأحد أكبر التطبيقات العالمية يطلبه للسفر للخارج للعمل لديه ليحقق فى الشركة نجاحات كبرى. حكاية عادل شعبان لا تتوقف عند هذا الأمر فقط، بل إنها تُدرس فى قوة الإيمان والصبر لما تعرض له بعد ذلك من تفاصيل درامية حزينة بدأت بوفاة زوجته وهى حامل فى الشهر الخامس، ثم إصابته بالسرطان، ورغم ذلك يتمسك بالحياة ويعمل ويتحول إلى نموذج ملهم لآلاف الشباب الباحثين عن مَثَل أعلى يبث فيهم روح الإصرار والتحدى.
«عادل» ومَن هم مثله ذكّرونى بعبارة قالها لى المستشار الثقافى الأسبق لسفارة كوريا الجنوبية حين كنا نتحدث عن التعليم وكيف أن إحدى الدراسات الدولية تقول إن التعليم فى مصر حاليًا يعادل التعليم فى كوريا الجنوبية فى الستينيات، حيث قال لى: هل تعلمين أن الرئيس الكورى جاء إلى مصر فى الستينيات لينقل تجربة الخطة الخمسية، وكان التعليم هنا يتساوى مع كوريا وربما أفضل منها؟ فقلت له: وكيف حدث هذا التطور الكبير؟. فقال: السر يكمن فى كلمتين، وهما «منع الوساطة والشفافية»، مع توجيه الجزء الأكبر من الميزانية إلى التعليم لأكثر من عقد من الزمن. القضاء على الوساطة وتكافؤ الفرص بين الشباب مطلب أساسى إذا أردنا أن نحافظ على الكفاءات التى تستقطبها الكثير من دول العالم حاليًا، خصوصًا فى مجالات الطب والهندسة، والخاسر الوحيد هو الاقتصاد المصرى وأوطاننا العربية.
amalfawzy300@gmail.com