«التحديات النفسية والاجتماعية لظاهرة التنمر في ظل الرقمنة».. ندوة بآداب بنها    ارتفاع البورصة بمستهل التعاملات بتداولات تتجاوز 700 مليون جنيه خلال نصف ساعة    زيادة العملات التذكارية للمتحف المصري الكبير بعد تزايد الإقبال عليها    13 نوفمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    بنك قناة السويس يحقق 5 مليارات جنيه أرباحًا بزيادة 62% بنهاية سبتمبر 2025    وزير قطاع الأعمال خلال جولته بشركة الغزل والنسيج بالمحلة: ماضون بثبات نحو صناعة نسيج وطنية تنافس عالميا    الكهرباء: مستمرون في التنسيق مع البيئة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة والتحول نحو الطاقات المتجددة    نزع ملكية أراضي وعقارات لتطوير محور المحمودية بمحافظة الإسكندرية    الهلال الأحمر المصري: استجابتنا لغزة الأكبر في التاريخ.. وقدمنا أكثر من 665 ألف طن من المساعدات    السيسى يهنئ محمود عباس بذكرى العيد الوطنى لفلسطين    وزيرا خارجية مصر وتركيا يؤكدان تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والتعاون الصناعي    بالصور| تأدية صلاة الاستسقاء في السعودية    رئيس بلدية خان يونس: دمار شامل وممنهج طال كل مقومات الحياة في غزة    القضاء العراقي يدعو الأحزاب الفائزة إلى سرعة إجراء حوارات تشكيل الحكومة الجديدة    شوبير: بتروجت يتمسك بتغيير شروط صفقة حامد حمدان مع الزمالك    آخر تطورات المباراة الودية بين الأهلي وبطل السعودية    شوقي غريب: قرارات اتحاد الكرة منطقية.. وتوروب أحدث نقلة نوعية في أداء الأهلي    بشير التابعي: شكوى الزمالك ضد زيزو "شخصية".. وطاهر لا يستحق الانضمام للمنتخب    إيطاليا تواجه مولدوفا في اختبار سهل بتصفيات كأس العالم 2026    إحالة عاطل للمحاكمة بتهمة سرقة المواطنين في الزيتون    تعليم الأقصر تبحث الاستعدادات لامتحانات الفصل الدراسى الأول.. صور    زوج يقتل زوجته بعد شهرين من الزواج بكفر الشيخ    منخفض جوى يضرب لبنان اليوم والذروة غداً    الإبداع من رحم المعاناة.. قراءة في حياة فان جوخ    الأعلى للثقافة: مدونة السلوك خطوة مهمة لضمان احترام الآثار المصرية وتعزيز الوعي الحضاري    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    كامل الوزير يبحث مع وزير الصحة والكيماويات الهندي تعزيز التعاون في مجالي الصناعة والنقل    مخاطر وأضرار مشروبات الطاقة على طلبة المدارس.. استشاري تغذية توضح    المشدد 6 سنوات ل«عامل» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالشرقية    اعتراف إسرائيلى نادر.. هرتسوج: عنف المستوطنين فى الضفة الغربية يجب أن ينتهى    كل ما تريد معرفته عن جولة الإعادة في انتخابات النواب    الاستعانة ب 12 سيارة من الشركة القابضة بالإسماعيلية ومدن القناة لسرعة شفط مياه الأمطار ببورسعيد    عاجل- توقف حركة الملاحة والصيد بميناء البرلس بسبب سوء الأحوال الجوية وتحذيرات للمواطنين    التعليم تعلن شروط التقدم والفئات المسموح لها أداء امتحانات الطلاب المصريين بالخارج    اعتماد نادي اليونسكو للتنمية المستدامة بجامعة القاهرة ضمن الشبكة العالمية    سعر الدينار الكويتى اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 أمام الجنيه    دوري المحترفين، 5 مباريات اليوم في الجولة ال 12    الرئيس يوافق على إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد    طريقة عمل البطاطا بالكاسترد بمذاق لا يقاوم    من عثرات الملاخ وتمرد عادل إمام إلى عالمية حسين فهمي، قصة مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    استمرار امتحانات منتصف الفصل الدراسي الأول بهندسة جنوب الوادي الأهلية    إنهاء أطول إغلاق حكومى بتاريخ أمريكا بتوقيع ترامب على قانون تمويل الحكومة    الصحة: خلو مصر من التراخوما إنجاز عالمي جديد.. ورؤية الدولة هي الاستثمار في الإنسان    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    استخراج الشهادات بالمحافظات.. تسهيلات «التجنيد والتعبئة» تربط أصحاب الهمم بالوطن    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    غضب واسع بعد إعلان فرقة إسرائيلية إقامة حفلات لأم كلثوم.. والأسرة تتحرك قانونيا    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    أبو ريدة: سنخوض مباريات قوية في مارس استعدادا لكأس العالم    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بركة يكتب: حانة الست أم كلثوم تروى قصتها المحجوبة (رواية)
نشر في المصري اليوم يوم 12 - 05 - 2021


لى عنق غليظ، أكثر غلظة مما تظنون.
بشرتى سمراء، تُفاجئ كثيرين من جمهورى حين يطالعون صورى القديمة بعد معالجتها بالألوان. صوتى يقع فى المنطقة الوسطى بين الذكورة والأنوثة. هل هذا هو السبب فى فرادته الاستثنائية كنسخة وحيدة اكتفى بها الله فلم يكررها حين رآها شيئا حسنا؟!
كفى رجولية ضخمة، وأصابعى لم تُوهب طراوة بناتكم الحسان.
هذا صحيح..صحيح تماما.
أنا ابنة الفلاحين المعدمين التى لم تحصل على شهادة دراسية واحدة، تدهورت غدتى الدرقية فصارت جفونى تليق بساحرة تسكن المقابر. وحين ارتديت نظارتى السوداء صباح مساء لأخفى جحوظ العينين، طبعت واحدة من أعجب الصور النمطية لعجوز لا يوجد ما يثبت أنوثتها سوى خانة «النوع» فى بطاقة الهوية.
اسمى مركب، يقع فى منطقة محايدة تتجاوز التصنيف التقليدى. «أم» تعنى أننى صرت رسميا من ذوات تاء التأنيث أما «كلثوم» فتعنى أن ذكرا ما أحمله على ظهرى فى الحل والترحال.
زيجاتى سرٌ مكنون، ما تعرفونه عنها عجيب، وما خفى أعجب. هذا بدين أصلع تزوجته فى الخفاء، فانكشفت الحقيقة وهم يفتشون خزانته بعد اقتياده للمعتقل بتهمة التخابر. وهذا ملحن بدأ مشواره صبى جزار، انفصلت عنه بعد أسبوعين أذاقنى فيهما الشهد.
تعلمت أن الأنوثة عار، فعشت أجمل سنوات العمر متنكرة فى عقال بدوى ومعطف أزرق وحزام يشد البطن حتى أبدو للجميع رجلا من ظهر رجل، فتتجنب عائلتى فضيحة أن لديها ابنة تغنى. عائلتى التى لا تمانع أن تثرى ثراء فاحشا بسبب حنجرتى لكنها ترفض أن أبدو للناس كما أرادت الأقدار. جسدى ينطوى على فضيحة محتملة. لم أرتد ثوبا مزركشا. لم يداعب الحرير جلدى. كنت أنا بنت التاسعة من العمر أتنفس بصعوبة فى قيظ أغسطس وأنا أجرجر ذيل جلبابى الأسود من على الأرض فيما طرحة سوداء تغطى شعرى.
لم أنجب رغم حبى للأطفال لأن المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.
أنا ستكم وتاج راسكم.
كوكبكم الدرى الخالد.
كنت وسأبقى سيدة غنائكم الذى صار من بعدى كئيبا يثير بضحكاته الهستيرية الصاخبة المزيد من الأسى. اخترت أن أطل عليكم فى هذا التوقيت بروحى أو شبحى، قرروا أنتم. حين نضجت فتياتكم بما يكفى ليتداولن عبارة: رموا بى للذئاب وعدت قائدة للقطيع. هذه المقولة التى يشتعل بها عالمكم الافتراضى هى التجسيد الرائع لخلاصة تجربتى فى الحياة. تلك التجربة التى لم تقدروها حق قدرها فتنظر لى أجيال جديدة على أننى مجرد مومياء ملكية أخرى تقبع بغرفة مظلمة فى «متحف الحضارة».
اخترت شخصا انطوائيا، لا يجيد الثرثرة، ليكتب على لسانى قصتى الحقيقية بعيدا عن الرواية الرسمية.
سكنت بروحى جسد كاتبى. خبرت هواجسه ورفعت بيدى الغطاء عن بئر مخاوفه. قلت له:
- ستكتبنى بحب فلا تخشَ أحدا. قل لمن قد يلومك: عظمة أم كلثوم الفعلية تتجلى عبر اكتشاف الحقائق الخاصة بحياتها وليست بإضافة المزيد من الأساطير. قل: يا قومى آن الأوان أن نحبها بطريقة جديدة عبر اكتشاف إنسانيتها.
لم يبد عليه الحماس المنشود، ظل مترددا كما يليق بمواليد برج الحمل، فوددت أن أصفعه لكنى تمالكت نفسى وعدت أخاطبه قائلة:
- لا تقلق. لست باحثًا ولن تكون مؤرخًا يعيد كتابة سيرتى الذاتية. لن تنساق وراء شائعات تطاردنى أو تفاهات تسعى للنيل منى. سأطلعك على كل شىء جوهرى. سأهبك خلاصة حكاياتى وعطر مواقفى. وقع قطرات الغضب والحرمان، الغيرة والانتقام، مضافا إليها لعبة الست، وهى ترتطم داخل كهفى البعيد السرى. سأحدد مساحة الهامش وآفاق المتن، سحر المقدمة وشجن الختام. سأكون المؤلفة الحقيقية ويكفيك شرفا أن تكون يدى التى أكتب بها. لن تفعل شيئا سوى الإنصات لهمساتى وتدوين ما أمليه عليك.
احتضنت خديه بأناملى غير الناعمة:
- يا عبيط!
تلامس أنفانا.
- كل هذا ولم تفهم بعد؟
لقد تحولتُ إلى تمثال من شمع يقدسه الجميع. هرم من الكريستال ينتصب شامخا على البُعد دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منه واختبار ملمسه. لا ذرة تراب، لا سطر شخبطة على الورق المصقول. بعد كل هذه السنوات على انتقالى للحياة الأخرى لم تعد تلك الصيغة مريحة. جاء جيل مختلف، متمرد، لن يحبنى إلا إذا رأى ضعفى، وتحسس هشاشتى، وعاين على الطبيعة إنسانيتى.
لا تعرف الأشباح الانفعال، لكن هذا الرجل الذى يحمل الغلاف توقيعه كمؤلف فعلها. جعلنى بهدوئه القاتل أنفعل حقا. كنت أنا الشبح البارد الهائم فى سديم العالم الآخر أكثر حرارة وحيوية منه. أتعب قلبى، لكن للأسف هو فقط من يصلح لهذه المهمة. استعدت هدوئى، وقلت:
- ستتحرك عبر الزمن صعودًا وهبوطًا حسب ما أمليه عليك دون أدنى التزام بترتيب الأحداث.
بدلًا من الامتنان، وجدتُ المدعو محمد بركة يهتف بوقاحة:
- عدتِ مرة أخرى يا ستنا إلى ممارسة ديكتاتوريتك العتيدة حتى وأنتِ فى العالم الآخر!.
صرختُ فى وجهه مستجمعة شتات الكبرياء الكلثومى:
- طبعا أنا الديكتاتورة الأولى والأخيرة فى قوم تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا، وإلا كيف تظن أننى أصبحت أم كلثوم؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.