لا تزال نيران الصراع بين أذربيجانوأرمينيا مشتعًلا، في نزاعهما على إقليم ناغورنو كاراباخ، خارقًا جميع الهدن وموقعًا المئات من القتلى بين الجانبين، والآلاف من اللاجئين، وخسائر عسكرية لا حصر لها من الجانبين، فقد شهدت المواجهة المسلحة بين باكو ويريفان حول إقليم ناغورنو كاراباخ تصعيدا خطيرا، مساء الأربعاء، بعدما قصفت قوات أذربيجانية معدات عسكرية أرمنية داخل أراضي أرمينيا في ضربة وصفتها بالاستباقية. وقالت وزارة الدفاع الأرمنية في بيان لها إن «القوات الأذربيجانية ضربت معدات عسكريا داخل الأرضي الأرمنية، وذلك لمجرد افتراضها أن هذه المعدات قد تقصف مدنا أذربيجانية»، محذرة من أن «القوات الأرمنية تحتفظ بالحق في استهداف أي منشأة عسكرية في أذربيجان». وحسب الدفاع الأرمنية، فإن القصف الأذربيجاني استهدف منطقة محاذية لمنطقة كرفاتشار (كلباجار) في إقليم ناغورنو كاراباخ. من جهته، قال الجيش الأذربيجاني إنه شن ضربة «استباقية» على منظومة صواريخ باليستية في «المناطق الحدودية مع أرمينيا» ودمرها، وذلك من أجل ضمان «سلامة السكان المدنيين»، لأن «الصواريخ الأرمينية كانت تستهدف غانجا ومينغاشفير ومدنا أخرى في أذربيجان». ونفت باكو صحة تصريحات صدرت عن يريفان بأن «قوات دفاع قراه باغ» أسقطت طائرة «سو-25» هجومة أذربيجانية اليوم الأربعاء، مشيرة إلى أنها «لا تستخدم الطيران الحربي في النزاع ولم تنفذ طائرات سو-25 أي طلعات». تأتي هذه التطورات رغم الهدنة الإنسانية التي تم الإعلان عنها نتيجة اجتماع وزيري خارجية أرمينياوأذربيجان في موسكو السبت الماضي. بدوره أعلن إقليم ناغورنو كاراباخ عن قصف مدفعي على مدينة مارتاكيرت في الإقليم، وقالت وزارة الدفاع في ناغورنو كاراباخ، إن الجيش الأذربيجاني انتهك مجددا الهدنة الإنسانية بقصف مكثف صباح اليوم على الإقليم. وأضافت أن القصف الأذربيجاني كان أشد على القطاعات الجنوبية الشرقية والشمالية والشمالية الشرقية من الإقليم. يأتي ذلك فيما قال مساعد رئيس أذربيجان إن التزام أرمينيا بالهدنة الإنسانية نفاق واضح.. مدينة تارتار تتعرض منذ الصباح لقصف مدفعي شديد. وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن التقارير الأولى التي صدرت عن الأزمة بين أرمينياوأذربيجان شهدت إصابات وقتلى في طرفي النزاع منذ أيامه الأولى. وتتداعى الهدنة الإنسانية التي توسطت فيها روسيا، رغم تصعيد النداءات من القوى العالمية لوقف القتال، واتهمت أذربيجان القوات الأرمينية بارتكاب «انتهاكات فظيعة للهدنة الإنسانية» التي تم التوصل إليها يوم السبت بهدف السماح للطرفين بتبادل الأسرى وجثامين القتلى. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأذربيجانية فاجيف دارجالي، إن أرمينيا تقصف أراضي أذربيجان في جورانبوي وأغدام وتارتار، مؤكدا أن قوات أذربيجان لا تنتهك وقف النار. وأعلنت سلطات كاراباخ عن سقوط 555 قتيلا من قواتها منذ اندلاع الحرب مع أذربيجان، فيما أجرى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، الأربعاء، اتصالا هاتفيا مع نظيره الآذري جيهون بيراموف ناقشا خلاله الأوضاع في إقليم ناجورنى كارا باخ، وذكرت وزارة الخارجية الروسية -في بيان أوردته وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية في نسختها باللغة الإنجليزية- أن الجانبين أكدا خلال الاتصال الهاتفي التزامهما بالاتفاقات التي تم التوصل إليها في موسكو بشأن كاراباخ. وناقش لافروف وبيراموف الوضع الصعب في منطقة النزاع ناجورني كاراباخ، وأكدا ضرورة الالتزام الصارم ببنود البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية روسياوأذربيجانوأرمينيا في موسكو يوم 10 أكتوبر. وعادت الأمور ثانية بين أذربيجانوأرمينيا إلى المربع الأول، رغم وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه السبت الماضي، مع تجدد تبادل الاتهامات بين الطرفين الخميس. فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأرمينية اليوم أن القوات المسلحة الأذربيجانية قصفت ناغورنو كاراباخ مجدداً، فيما تواصل قوات الإقليم التصدي للهجمات. كما اتهم وزير الخارجية الأرميني أذربيجان بمواصلة نسف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، معتبراً أن باكو مستمرة في شن حرب واسعة النطاق ضد كاراباخ بدعم وتورط مباشر من تركيا ومقاتلين «إرهابيين». في المقابل، أفادت وزارة الخارجية الأذربيجانية أن القوات المسلحة الأرمينية قصفت أهدافا مدنية أذربيجانية، ما أدى إلى وقوع ضحايا. وأضافت أن القصف جاء بعد محاولة فاشلة ليلا للسيطرة على بعض مواقع الجيش الأذربيجاني. يذكر أنه لليوم السادس على التوالي ورغم الدعوات الدولية للتهدئة والالتزام بوقف التصعيد العسكري، بقي وقف إطلاق النار الذي دفعت روسيا للتوصل إليه حبرا على ورق. وأمس أعلن الجيش الأذربيجاني، للمرة الأولى أنه قصف «موقعين لإطلاق الصواريخ» ليلا في أراضي أرمينيا يستخدمان بحسب باكو لاستهداف اذربيجان. بدورها، أكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأرمنية شوشان ستيبانيان تعرض أراض أرمنية للقصف، لكنها نفت وجود أي نية لاستهداف مناطق مدنية في أذربيجان. وقالت إن «هذه الادعاءات لا أساس لها» مضيفة أن الجيش الأرمني «يحتفظ الآن بحق استهداف أي منشأة عسكرية وأي عملية قتالية على الأراضي الاذربيجانية». وفي بيان آخر، اتهم الجيش الأرميني أذربيجان ب«السعي إلى توسيع الرقعة الجغرافية للنزاع عبر مهاجمة أراضي أرمينيا السيادية». يذكر أن إقليم ناغورنو كاراباخ ذو الغالبية الأرمنية الذي سعى قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي، للانفصال عن أذربيجان، بعد حرب أوقعت ثلاثين ألف قتيل في تسعينات القرن الماضي، يشهد منذ سبتمبر الماضي اشتباكات متواصلة، اخترقها إعلان لوقف النار السبت الماضي، إلا أن الطرفين تبادلا منذ ذلك الحين الاتهامات بخرقه. وأوقعت هذه المعارك الجديدة في الإقليم أكثر من 600 قتيل وفقا لحصيلة جزئية يرجح أن تكون أعلى بكثير لأن أرذبيجان لا تكشف الخسائر في صفوف قواتها. بدأت أزمة ناغورنو كاراباخ منذ عام 1988 واستمرت لما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، حيث سيطرت أرمينيا على ما يقارب 20 بالمئة من أراضي الجمهورية الأذربيجانية، وفي عام 1994 تم عقد معاهدة لوقف اطلاق النار بين الطرفين بمساعدة أمريكاوروسيا وفرنسا، وقد أدى هذا التوتر إلى مقتل اكثر من 30 الف شخص. ومع هذه الاوصاف فإن لأزمة الاختلافات الحدودية بين أذربيجانوأرمينيا جذور تاريخية عميقة، وقد تم تشكيل ناغورنو كاراباخ في القرن التاسع عشر من قبل الاذربيجانيين المسيحيين والارمن والأتراك والتي أصبحت من ضمن الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر. دامت الحرب الطاحنة بين أرمينيا والجمهورية الأذربيجانية لمدة عامين ما بين عامي 1918 و1920، ومع انهيار امبراطورية نيكولاي الثاني، الثورة الروسية عام 1917 ومع ظهور الدول المستقلة في القوقاز مع نهاية الحرب العالمية الأولى، أدّى بدء المنافسة للسيطرة على ناغورنو كاراباخ والاختلافات الحدودية والقومية والتاريخية في المنطقة الجبلية زانغزور (نخجوان) إلى نشوب صراعات عنيفة بين أول جمهورية أرمينية والجمهورية الديمقراطية الأذربيجانية. حيث استمرت هذه الحرب لمدة أربع سنوات ومن بين الحروب التي شملت منطقة القوقاز تلك الفترة بما في ذلك (معركة باكو ومعركة سارداراباد والحرب الأرمنية التركية). وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية قام الحكام الجدد للاتحاد السوفييتي بإعلان منطقة ناغورنو كاراباخ منطقة حكم ذاتي بأكثرية قومية ارمنية داخل الاتحاد وكان هذا الاجراء جزء من سياستهم لتوطيد أصول حكمهم في المنطقة، وتم الإعلان عن جمهورية أذربيجان في أوائل عام 1920. وعندما ضعف حكم الاتحاد السوفييتي على المنطقة في أواخر سنة 1980، أعلن برلمان المنطقة عن استقلالها وصوّت للانضمام إلى الجمهورية الأرمنية، الأمر الذي أدّى إلى هبوب رياح الحرب بين أرمينياوأذربيجان. وعلى طول فترة الصراعات التي أسفرت عمّا يقارب من 20 إلى 30 ألف ضحية وفقدان اكثر من مليون شخص سيطر الأرمن على تلك المنطقة، ومن أجل احتلال منطقة أخرى خارج ناغورنو كاراباخ سعوا إلى وصل ناغورنو كاراباخ بارمينيا. مع العلم أن أرمينيا لم تعترف رسمياً باستقلال هذه المنطقة على الاطلاق لكنها تعدّ من أهم الداعمين لهذه المنطقة على الصعيدين المالي والعسكري. ومنذ عام 1992 بدأت مباحثات بين الجانبين للتوصل إلى اتفاق يضمن السلام بين الجانبين بمساعدة مجموعة مينسك التي تتضمن روسيا وفرانسا ومنظمة الأممالمتحدة، والتي أدّت إلى توقيع معاهدة لوقف إطلاق النار بين الجانبين عام 1994. ومنذ زمن وقف إطلاق النار واجهت المفاوضات طريقاً مسدوداً، فما زال الاذربيجانيون غير راضين عن احتلال الأراضي التي يعدونها جزءًا من حقهم المشروع ومازال الأرمن غير مهتمين بإعادة هذه الأراضي على الاطلاق. وكانت هناك تطورات مهمة في المفاوضات بين قادة الجانبين في شهري مي ونوفمبر من عام 2009، لكن هذا التقدم سرعان ما تم إيقافه ومنذ ذلك الحين حتى الآن يتم نشوب اشتباكات ومناوشات عسكرية بين الجانبين كل فترة وأخرى، وآخر هذه الاشتباكات كان عام 2016 واستمر مدة 4 أيام متتالية. ويتّهم الطرفان بعضهما بإطلاق المواقع العسكرية الحدودية التابعة الرصاص المتبادل، وأن الطرف المقابل هو من بدأ بإطلاق النار، حيث قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية إن رجلاً يناهز من العمر ال76 عاماً قتل برصاص الجنود الأرمن في قرية اكدام الحدودية.