تحويل كلية التكنولوجيا والتعليم جامعة حلوان إلى جامعة تكنولوجية دولية.. تفاصيل    احتفالات شهر الحضارة المصرية بكندا.. وزيرة الهجرة تبحث مشاركة الوزارة في يوليو المقبل -تفاصيل    مزايا تأمينية وحوافز شهرية.. فرص عمل جديدة بإحدى الشركات في الجيزة    بعد خسارته 30 جنيها.. ماذا حدث لسعر الذهب بمنتصف تعاملات اليوم؟    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    وزيرة التعاون تبحث التعاون المشترك مع الجانب البريطاني لتمويل برنامج سياسات التنمية    «القومي للبحوث» يصدر تقريرا عن شروط الأضحية وكيفية الفحص اللازم لها    إسكان النواب: يجب حل مشكلات الصرف الصحي بعد مخصصاتها الضخمة بالموازنة الجديدة    أردوغان يصف نتنياهو ب مصاص الدماء    السيسي: العمليات في رفح خطيرة على المستوى الإنساني والأمني والسياسي    ذخائر الاحتلال تفضح الولايات المتحدة.. والبيت الأبيض: دعمنا لإسرائيل مستمر ولم نرهم يقتحمون رفح    كوريا الجنوبية تتهم جارتها الشمالية بإرسال بالونات تحتوي على قاذورات وفضلات عبر حدودها    "هقول كلام يزعل".. شوبير يكشف مفاجأة بشأن رحيل حارس الأهلي    "خطأ جسيم".. تعليق ناري من عبدالملك على طلب نادي بيراميدز بشأن عبدالله السعيد    "يرمي الكرة في ملعب ريال مدريد".. باريس يحتجز مستحقات مبابي    دياب: نحتاج 4 مواسم لضبط مواعيد الدوري المصري مع العالم    رابط نتيجة المرحلة الابتدائية في السويس    تأجيل محاكمة المتهمين بالتزوير في محررات رسمية    33 ألف جنيه فقط تفصل فيلم شقو عن كسر أرقام الحريفة    رئيس جامعة سوهاج يهنئ الدكتور محمد هندي لحصوله على جائزة الدولة التشجيعية    شعبة الأدوية توضح أسباب نقص أدوية الحساسية والإسهال وموعد زيادة الأسعار    لماذا أسلم البروفيسور آرثر أليسون؟    كريم فؤاد: كورونا سبب انضمامي للنادي الأهلي.. وهذه نصيحة معلول لي    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    محافظ الدقهلية يشهد استلام مليون و250 الف ذريعة سمكية من اسماك البلطي    لصرف معاشات شهر يونيو| بنك ناصر الاجتماعي يفتح أبوابه "استثنائيًا" السبت المقبل    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    مصرع شخص إثر حادث انقلاب موتوسيكل في الشرقية    "تعليم الجيزة" يكرم أعضاء المتابعة الفنية والتوجيهات وأعضاء القوافل المركزية    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    جيش مصر قادر    سؤال برلماني بشأن آلية الدولة لحل أزمة نقص الدواء    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    اليوم.. انطلاق أول أفواج حج الجمعيات الأهلية    كأس مصر، موعد مباراة الجيش وبورفؤاد والقناة الناقلة    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 جنود وإصابة 10 في معارك رفح    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    السبت | «متحف الحضارة» يحتفي برحلة العائلة المقدسة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    ورش تدريب على ضوابط ترخيص البيوت الصغيرة لرعاية الأطفال في الدقهلية    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    بلاتر: كل دول العالم كانت سعيدة بتواجدي في رئاسة فيفا    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغتنا .. خط أحمر
نشر في المصري اليوم يوم 11 - 08 - 2011


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿الأحزاب:70﴾
اللغة ترسم حدوداً لا يمكن لفكرنا أن يتجاوزها .. فإن طبيعة أفكارنا تتحدد بطبيعة اللغة التي نتكلم .. ومعنى ذلك أننا لا نستطيع أن ننتج من الأفكار إلا ما تسمح به اللغة التي نستعملها .. فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة .. لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
ويرى الدكتور طه حسين (1889-1973) في كتابه "مستقبل الثقافة فى مصر- 1938" إننا نفكر باللغة فيقول: نحن نشعر بوجودنا وبحاجتنا المختلفة وعواطفنا المتباينة وميولنا المتناقضة حين نفكر ، ومعنى ذلك أننا لا نفهم أنفسنا إلا بالتفكير ، ونحن لا نفكر في الهواء ولا نستطيع أن نفرض الأشياء على أنفسنا إلا مصورة في هذه التي نقدرها ونديرها في رؤوسنا ، ونظهر منها للناس ما نريد ، ونحتفظ منها لأنفسنا بما نريد ، فنحن نفكر باللغة.
ويرى أحد فلاسفة اللغة والتعليم الألمانى فيلهلم هامبولت (1767-1835) إن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل وإن لغة كل شعب من الشعوب تحمل في طياتها نظرة متميزة إلى العالم , ولعل ذلك هو ما يعيق التواصل بين الشعوب في كثير من الأحيان ويتسبب في الكثير من سوء الفهم أو انعدام التفاهم. ويترتب عن ذلك أيضا أن اختلاف اللغات يؤدي إلى تنوع واختلاف أساليب التفكير من ثقافة إلى أخرى ؛ ومن هنا تأتي صعوبة الترجمة , فقد يتمكن المترجم من ترجمة الكلمات ولكنه قد لا يستطيع ترجمة أسلوب التفكير الذي تعبر عنه وتحدده.
وعلى ما تقدم يمكن ايجاز العلاقة بين الفكر واللغة بأن الفكر يحتاج في وجوده إلى اللغة وفي المقابل تؤثر اللغة في الفكر وتحدده , وقد فطن الإنسان مبكراً - منذ آلاف السنين - إلى تلك العلاقة وأدرك أهميتها وخطورتها , وانكب عليها الدارسون والباحثون وأسفرت جهودهم عن العديد من النظريات والفلسفات التى ربطت بين اللغة والتعليم وأساليب التفكير. وتطور الاهتمام الانسانى بدراسة اللغات وتعليمها , واتسعت مجالات البحث وتفرعت إلى علوم , واقتضى هذا التوسع إقامة المعاهد والكليات ومراكز البحوث المتخصصة فى اللغات وعلومها. وكما أن لكل تطور أوجه ايجابية وأخرى سلبية , فقد استخدم البعض براعتهم وتمكنهم فى مجال اللغة وتأثيرها على الفكر من أجل تحقيق مآرب خبيثة تتمثل فى تشويش الأفكار وإعادة توجيهها أو العبث بالمعانى الأصيلة والمفاهيم الراسخة أو إفساد الذوق العام ... ألخ , وكان سبيلهم لتحقيق مآربهم الخبيثة هو "التحريف" الذى يمكن تصنيفه إلى:
1- التحريف المباشر: عن طريق الإضافة والحذف والتبديل لبعض كلمات (أو حروف) النصوص الأصلية , وغالباً ما يتم ذلك فى أضيق الحدود التى تفى بإحداث التغيير المنشود للمعنى الأصلى وبما يوحى للقارئين أو المستمعين سلامة النص المحرف.
2- التحريف الغير مباشر: عن طريق نشر استخدام ألفاظ فى غير معناها الأصلى , أو نشر استخدام ألفاظ بديلة تنحرف بالمعنى الذى يعبر عنه اللفظ الأصلى , أو إقحام مصطلحات جديدة على اللغة .. تكون حصان طروادة لتمرير أفكار دخيلة على الثقافة والعرف السائد.
ولبيان مدى خطورة "التحريف" .. تعددت فى كتاب الله الآيات التى تؤكد على أن القرآن لا ريب فيه وأنه منزل من لدنه سبحانه وأن الله تعالى تكفل بحفظه كما أنزله .. كل تلك الآيات تهدف إلى درء شبهة "التحريف" وإلى بث الطمأنينة فى القلوب حتى لا يساورها أدنى شك فى كتاب الله , ومن هذه الآيات:
1-فى سورة البقرة:ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴿2﴾
2-فى سورة الحجر:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴿9﴾
3-فى سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴿41﴾لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴿42﴾
ولبيان مدى خطورة "التحريف" .. تعددت فى كتاب الله الآيات التى تحذر من "التحريف" ومن الذين يقترفونه , وتوعد الله سبحانه وتعالى الذين يحرفون كلامه بالخزى فى الدنيا والعذاب العظيم فى الآخرة ؛ ومعنى "يحرفون" فى تفسير الطبرى: يبدلون معناه ويغيرونه , وفى تفسير ابن كثير: يتأولونه على غير تأويله؛ ومن هذه الآيات:
1-فى سورة البقرة:أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴿75﴾
2-فى سورة النساء:مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِوَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴿46﴾
3- فى سورة المائدة: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴿13﴾
4- فى سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴿41﴾
وإذا تأملنا أنواع "التحريف" سنجد أن النوع الأول "التحريف المباشر" (ولا نهون من خطورته) يمكن رصده وكشفه بواسطة الباحثين والمتخصصين فى اللغات وتاريخها , وبالتالى يمكن تدارك آثاره ولو بعد حين. وأما النوع الثانى "التحريف الغير مباشر" فهو كالسم فى العسل , حيث تلوكه بعض الألسنة , ثم يبدأ فى الانتشار والتغلغل إلى أن يجد طريقه إلى النخب من المثقفين وأصحاب الرأى والساسة. و"التحريف الغير مباشر" له خطورة عظمى نظراً لتأثيره على تطور اللغة , ومع مرور الوقت يصبح من الصعب الحفاظ على التراث الفكرى والثقافى , فينقطع التواصل بين الأجيال لعدم قدرة اللاحق على فهم السابق على الوجه صحيح , وقد يصل الأمر إلى العجز التام عن استيعاب النصوص القديمة. ولبيان مدى خطورة "التحريف الغير مباشر" على فكر وثقافة الأمة , سأضرب مثالاً لأحد أساليبه وهو أسلوب " نشر استخدام ألفاظ بديلة تنحرف بالمعنى الذى يعبر عنه اللفظ الأصلى".
"الفدائى" (لمن لا يدرى أو ربما لا يتذكر) هو البطل الذى يختار أن يدفع حياته ثمناً لنصرة قضية يؤمن بها أو دفاعاً عن أهله ووطنه ... ألخ , وسبيله إلى ذلك الإقدام على فعل ("عملية فدائية") وهو يعلم مسبقاً أنه هالك لا محالة. وقد تربت أجيالنا والأجيال السابقة لها على ثقافة الفداء وتمجيد الفدائيين وتخليد ذكراهم.
ويزخر تاريخنا القديم والمعاصر بالعديد من الفدائيين الذين دونوا أسمائهم بأحرف من نور فى سجل الفداء , وأذكر منهم (لغرض البيان) مثالاً للشجاعة والفداء من أجل الأمة العربية والعروبة .. البطل السورى الملازم بحرى جول جمال .. الذى تصادف وجوده فى مصر - ضمن بعثة عسكرية لحضور تدريب على قيادة زوارق الطوربيد - مع العدوان الثلاثى عام 1956 ..فتطوع للقيام ب "عملية فدائية" استشهد في إثرها .. حيث أقدم على قيادة وتوجيه أحد الزوارق الحربية المصرية في مواجهة المدمرة الفرنسية العملاقة (جان بار) .. متصدياً لها ومحدثاً فيها أضراراً كبيرة أدت إلى تدميرها واغراقها أمام سواحل بورسعيد فى 4 نوفمبر 1956. وقد تعددت أساليب تمجيد البطل وتخليد ذكراه , وأذكر منها (لغرض البيان) : إطلاق اسم جول جمال على شارع رئيسى في حى الدقى بمدينة القاهرة , وفي عام 1960 تم إنتاج فليم مصري باسم "عمالقة البحار" إخراج سيد بدير وبطولة أحمد مظهر وعبد المعنم إبراهيم ونادية لطفى.
وحيث أن الأعمال الفنية والأدبية هى الذاكرة والمرآة التى تعكس المراحل التاريخية لتطور اللغة وفكر وثقافة الأمم .. أذكر (لغرض البيان) أنه ومنذ عشرات السنين كتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودى وغنى عبد الحليم حافظ "أنشودة فدائى" .. وفيها يتحدث الفدائى عن اعتزازه بكونه فدائى وعن استعداده للموت فداءاً لبلده وعروبته .. ويطلب من أمه ألا تبكيه بل تفرح من أجله وأن تفخر بذكراه عند تحقيق النصر .. وإن تأخر النصر وطال النضال فلتحرص أمه على أن تربى أخوته الصغار ليكونوا مثله فدائيين .. وينشد الفدائى :
فدائى فدائى
اهدى العروبة دمائى
واموت اعيش مايهمنيش
وكفاية اشوف علم العروبة
باقى باقى
وسط المخاطر هناك مكانى
و النصر عمره ما كان امانى
جوه المواقع بين المدافع
وسط القنابل امسك اقاتل
لو مت يا أمى ماتبكيش
راح اموت علشان بلدى تعيش
افرحى ياما وزفينى
و فى يوم النصر افتكرينى
و ان طالت يااما السنين
خاللى اخواتى الصغيرين
يكونوا زيى فدائيين
هكذا كانت لغتنا وبالتالى أسلوب تفكيرنا وثقافتنا .. فما هو حالنا الآن؟ تم تحريف لغتنا .. "الفدائى" صار "انتحارى" .. "العمليات الفدائية" صارت "عمليات انتحارية" .. "الفداء" صار "انتحار" .. وبما أن الانتحار حرام شرعاً فلا يجوز القيام بمثل هذه الأفعال. كلمة واحدة "فدائى" تم تحريفها إلى "انتحارى" غيرت أسلوب تفكير الأمة بأكملها!! وهنا مكمن الخطورة.
وهنا يجب التوقف لتوضيح أمر بالغ الأهمية ؛ إن كلمتى "فداء" و "فدائى" فى لغتنا العربية .. لا يوجد لهما كلمات تعدلهما فى اللغات الغربية التى تعود أصولها إلى الللاتينية .. ويخطىء من يدعى أن كلمة "sacrifice" فى اللغة الإنجليزية أو الفرنسية تعادل "فداء" فى اللغة العربية .. والصحيح إنها تعادل "تضحية" .. وفى ثقافتنا ندرك الفارق بين "الفداء" و"التضحية" .. ولكن الغرب لا يدرك هذا الفارق لأنه لا يعرف ثقافة "الفداء" .. فكتبوا "فدائى" بحروفهم "Fedayee" وأولوها على غير تأويلها طبقاً لأسلوب تفكيرهم وثقافتهم . ولا تتعجب عندما تجد كلمة "Fedayee" فى أحد قواميس اللغة الإنجليزية!! وتعريفها منقولاً عن قاموس "ميريام وبستر" (Merriam Webster dictionary) هو كالتالى:
fe·da·yee noun \plural fe·da·yeen\
Definition of FEDAYEE: a member of an Arab commando group operating especially against Israel —usually used in plural.
Origin of FEDAYEE: Arabic fidā'ī, literally, one who "sacrifices" himself.
First Known Use: 1955
وترجمة هذا التعريف كالتالى:
Fe.da.yeeاسم / الجمع fe.da.yeen/
تعريف FEDAYEE: عضو فى مجموعة "كوماندوز" تعمل ضد اسرائيل خاصة – وعادة تستخدم فى صيغة الجمع.
أصل FEDAYEE: اللغة العربية , ومعناه لفظياً الشخص الذى "يضحى" بنفسه.
أول استخدام : 1955
ونحن فعلنا نفس الشىء مع ألفاظ غربية غريبة على لغتنا وفكرنا وثقافتنا مثل "ديمقراطية" و "ليبرالية" .. فكتبناهما كما ننطقهما ولكن بحروف لغتنا العربية .. ولا ضير من ظن بعضنا قدرته على فهم واستيعاب ما وراء هذين اللفظين من فكر وثقافة ويَدَّعون أنهما يعدلان "شورى" و "حرية" .. ولكنهم يخطئون بسعيهم إلى إقحامهما فى لغتنا ونشر استخدام "ديمقراطية" بديلاً ل"شورى" و"ليبرالية" بديلاً ل"حرية" .. فالفارق شاسع .. والطامة الكبرى أن يتضمن دستور مصر المرتقب ألفاظ مثل "ديمقراطية" و "ليبرالية" .. فهى دخيلة على لغتنا وبالتالى غريبة عن فكرنا وتتعارض مع ثقافتنا .. ولهذا حديث آخر.
وعودة لموضوعنا عن مدى خطورة أسلوب "نشر استخدام ألفاظ بديلة تنحرف بالمعنى الذى يعبر عنه اللفظ الأصلى" كأحد أساليب "التحريف الغير مباشر" .. وأن كلمة واحدة "فدائى" تم تحريفها إلى "انتحارى" غيرت أسلوب تفكير الأمة بأكملها .. فإنه يلزم الإجابة علىهذا السؤال: لماذا وكيف وقع هذا التحريف؟ وأرى أن الإجابة هى: أن أعدائنا - عبر التاريخ - ذاقوا الأمرين من ثقافة الفداء لدينا .. ومهما مال ميزان القوة لصالحهم فلم يستطيعوا كسر شوكتنا وتحقيق نصر بَيِّن علينا بسبب هذه الثقافة .. وحين أيقنوا أنه لا سبيل لهم علينا إلا بتجريدنا من ثقافة الفداء .. لجأوا إلى مجال اللغة لاستغلال تأثيرها على أسلوب التفكير والثقافة .. ومكروا مكراً كبارا .. فبما أن ثقافتنا تحرم قتل النفس .. وقتل النفس فى لغتنا يعبر عنه بلفظ "انتحار" .. و"انتحار" فى لغتهم "suicide" .. فقاموا بإطلاق "suicide operation" ("عملية انتحارية") على العمليات الفدائية.
والسؤال الذى يفرض نفسه الآن : من الذى قام بالتحريف؟ والإجابة هى : نحن!! نعم , نحن الذين قمنا بالتحريف. إن النخبة المثقفة ووسائل الإعلام لم تتنبه إلى خطورة الوصف المبتكر "suicide operation" .. فابتلعوا الطعم وقاموا بترديده .. بل قدموا خدماتهم بترجمته حرفياً إلى "عملية انتحارية" وتخلوا - غير مكرهين - عن "عملية فدائية" .. ومع استخدام "عملية انتحارية" و "انتحارى" فى وسائط الاعلام والخطاب الرسمى شاعوا على الألسن ووقع التحريف.
وقد تعرضت لغتنا سابقاً للتحريف وتتعرض حالياً للكثير من محاولات التحريف .. ويلزم لبيان كل حالة منها مقال خاص بها. الموضوع جد خطير .. ويستلزم تضافر جهود كل مؤسسات الدولة المعنية والمنظمات والجمعيات الأهلية ("المجتمع المدنى"!!) لندرأ عن لغتنا المزيد من التحريف وننقيها من الشوائب التى لحقت بها .. حفاظاً على فكرنا وهويتنا وتراثنا الثقافى والأخلاقى .. وأدعو إلى أن يكون شعار مشروعنا القومي فى المستقبل القريب العاجل هو "لغتنا .. خط أحمر " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.