تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغتنا .. خط أحمر
نشر في المصري اليوم يوم 11 - 08 - 2011


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿الأحزاب:70﴾
اللغة ترسم حدوداً لا يمكن لفكرنا أن يتجاوزها .. فإن طبيعة أفكارنا تتحدد بطبيعة اللغة التي نتكلم .. ومعنى ذلك أننا لا نستطيع أن ننتج من الأفكار إلا ما تسمح به اللغة التي نستعملها .. فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة .. لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
ويرى الدكتور طه حسين (1889-1973) في كتابه "مستقبل الثقافة فى مصر- 1938" إننا نفكر باللغة فيقول: نحن نشعر بوجودنا وبحاجتنا المختلفة وعواطفنا المتباينة وميولنا المتناقضة حين نفكر ، ومعنى ذلك أننا لا نفهم أنفسنا إلا بالتفكير ، ونحن لا نفكر في الهواء ولا نستطيع أن نفرض الأشياء على أنفسنا إلا مصورة في هذه التي نقدرها ونديرها في رؤوسنا ، ونظهر منها للناس ما نريد ، ونحتفظ منها لأنفسنا بما نريد ، فنحن نفكر باللغة.
ويرى أحد فلاسفة اللغة والتعليم الألمانى فيلهلم هامبولت (1767-1835) إن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل وإن لغة كل شعب من الشعوب تحمل في طياتها نظرة متميزة إلى العالم , ولعل ذلك هو ما يعيق التواصل بين الشعوب في كثير من الأحيان ويتسبب في الكثير من سوء الفهم أو انعدام التفاهم. ويترتب عن ذلك أيضا أن اختلاف اللغات يؤدي إلى تنوع واختلاف أساليب التفكير من ثقافة إلى أخرى ؛ ومن هنا تأتي صعوبة الترجمة , فقد يتمكن المترجم من ترجمة الكلمات ولكنه قد لا يستطيع ترجمة أسلوب التفكير الذي تعبر عنه وتحدده.
وعلى ما تقدم يمكن ايجاز العلاقة بين الفكر واللغة بأن الفكر يحتاج في وجوده إلى اللغة وفي المقابل تؤثر اللغة في الفكر وتحدده , وقد فطن الإنسان مبكراً - منذ آلاف السنين - إلى تلك العلاقة وأدرك أهميتها وخطورتها , وانكب عليها الدارسون والباحثون وأسفرت جهودهم عن العديد من النظريات والفلسفات التى ربطت بين اللغة والتعليم وأساليب التفكير. وتطور الاهتمام الانسانى بدراسة اللغات وتعليمها , واتسعت مجالات البحث وتفرعت إلى علوم , واقتضى هذا التوسع إقامة المعاهد والكليات ومراكز البحوث المتخصصة فى اللغات وعلومها. وكما أن لكل تطور أوجه ايجابية وأخرى سلبية , فقد استخدم البعض براعتهم وتمكنهم فى مجال اللغة وتأثيرها على الفكر من أجل تحقيق مآرب خبيثة تتمثل فى تشويش الأفكار وإعادة توجيهها أو العبث بالمعانى الأصيلة والمفاهيم الراسخة أو إفساد الذوق العام ... ألخ , وكان سبيلهم لتحقيق مآربهم الخبيثة هو "التحريف" الذى يمكن تصنيفه إلى:
1- التحريف المباشر: عن طريق الإضافة والحذف والتبديل لبعض كلمات (أو حروف) النصوص الأصلية , وغالباً ما يتم ذلك فى أضيق الحدود التى تفى بإحداث التغيير المنشود للمعنى الأصلى وبما يوحى للقارئين أو المستمعين سلامة النص المحرف.
2- التحريف الغير مباشر: عن طريق نشر استخدام ألفاظ فى غير معناها الأصلى , أو نشر استخدام ألفاظ بديلة تنحرف بالمعنى الذى يعبر عنه اللفظ الأصلى , أو إقحام مصطلحات جديدة على اللغة .. تكون حصان طروادة لتمرير أفكار دخيلة على الثقافة والعرف السائد.
ولبيان مدى خطورة "التحريف" .. تعددت فى كتاب الله الآيات التى تؤكد على أن القرآن لا ريب فيه وأنه منزل من لدنه سبحانه وأن الله تعالى تكفل بحفظه كما أنزله .. كل تلك الآيات تهدف إلى درء شبهة "التحريف" وإلى بث الطمأنينة فى القلوب حتى لا يساورها أدنى شك فى كتاب الله , ومن هذه الآيات:
1-فى سورة البقرة:ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴿2﴾
2-فى سورة الحجر:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴿9﴾
3-فى سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴿41﴾لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴿42﴾
ولبيان مدى خطورة "التحريف" .. تعددت فى كتاب الله الآيات التى تحذر من "التحريف" ومن الذين يقترفونه , وتوعد الله سبحانه وتعالى الذين يحرفون كلامه بالخزى فى الدنيا والعذاب العظيم فى الآخرة ؛ ومعنى "يحرفون" فى تفسير الطبرى: يبدلون معناه ويغيرونه , وفى تفسير ابن كثير: يتأولونه على غير تأويله؛ ومن هذه الآيات:
1-فى سورة البقرة:أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴿75﴾
2-فى سورة النساء:مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِوَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴿46﴾
3- فى سورة المائدة: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴿13﴾
4- فى سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴿41﴾
وإذا تأملنا أنواع "التحريف" سنجد أن النوع الأول "التحريف المباشر" (ولا نهون من خطورته) يمكن رصده وكشفه بواسطة الباحثين والمتخصصين فى اللغات وتاريخها , وبالتالى يمكن تدارك آثاره ولو بعد حين. وأما النوع الثانى "التحريف الغير مباشر" فهو كالسم فى العسل , حيث تلوكه بعض الألسنة , ثم يبدأ فى الانتشار والتغلغل إلى أن يجد طريقه إلى النخب من المثقفين وأصحاب الرأى والساسة. و"التحريف الغير مباشر" له خطورة عظمى نظراً لتأثيره على تطور اللغة , ومع مرور الوقت يصبح من الصعب الحفاظ على التراث الفكرى والثقافى , فينقطع التواصل بين الأجيال لعدم قدرة اللاحق على فهم السابق على الوجه صحيح , وقد يصل الأمر إلى العجز التام عن استيعاب النصوص القديمة. ولبيان مدى خطورة "التحريف الغير مباشر" على فكر وثقافة الأمة , سأضرب مثالاً لأحد أساليبه وهو أسلوب " نشر استخدام ألفاظ بديلة تنحرف بالمعنى الذى يعبر عنه اللفظ الأصلى".
"الفدائى" (لمن لا يدرى أو ربما لا يتذكر) هو البطل الذى يختار أن يدفع حياته ثمناً لنصرة قضية يؤمن بها أو دفاعاً عن أهله ووطنه ... ألخ , وسبيله إلى ذلك الإقدام على فعل ("عملية فدائية") وهو يعلم مسبقاً أنه هالك لا محالة. وقد تربت أجيالنا والأجيال السابقة لها على ثقافة الفداء وتمجيد الفدائيين وتخليد ذكراهم.
ويزخر تاريخنا القديم والمعاصر بالعديد من الفدائيين الذين دونوا أسمائهم بأحرف من نور فى سجل الفداء , وأذكر منهم (لغرض البيان) مثالاً للشجاعة والفداء من أجل الأمة العربية والعروبة .. البطل السورى الملازم بحرى جول جمال .. الذى تصادف وجوده فى مصر - ضمن بعثة عسكرية لحضور تدريب على قيادة زوارق الطوربيد - مع العدوان الثلاثى عام 1956 ..فتطوع للقيام ب "عملية فدائية" استشهد في إثرها .. حيث أقدم على قيادة وتوجيه أحد الزوارق الحربية المصرية في مواجهة المدمرة الفرنسية العملاقة (جان بار) .. متصدياً لها ومحدثاً فيها أضراراً كبيرة أدت إلى تدميرها واغراقها أمام سواحل بورسعيد فى 4 نوفمبر 1956. وقد تعددت أساليب تمجيد البطل وتخليد ذكراه , وأذكر منها (لغرض البيان) : إطلاق اسم جول جمال على شارع رئيسى في حى الدقى بمدينة القاهرة , وفي عام 1960 تم إنتاج فليم مصري باسم "عمالقة البحار" إخراج سيد بدير وبطولة أحمد مظهر وعبد المعنم إبراهيم ونادية لطفى.
وحيث أن الأعمال الفنية والأدبية هى الذاكرة والمرآة التى تعكس المراحل التاريخية لتطور اللغة وفكر وثقافة الأمم .. أذكر (لغرض البيان) أنه ومنذ عشرات السنين كتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودى وغنى عبد الحليم حافظ "أنشودة فدائى" .. وفيها يتحدث الفدائى عن اعتزازه بكونه فدائى وعن استعداده للموت فداءاً لبلده وعروبته .. ويطلب من أمه ألا تبكيه بل تفرح من أجله وأن تفخر بذكراه عند تحقيق النصر .. وإن تأخر النصر وطال النضال فلتحرص أمه على أن تربى أخوته الصغار ليكونوا مثله فدائيين .. وينشد الفدائى :
فدائى فدائى
اهدى العروبة دمائى
واموت اعيش مايهمنيش
وكفاية اشوف علم العروبة
باقى باقى
وسط المخاطر هناك مكانى
و النصر عمره ما كان امانى
جوه المواقع بين المدافع
وسط القنابل امسك اقاتل
لو مت يا أمى ماتبكيش
راح اموت علشان بلدى تعيش
افرحى ياما وزفينى
و فى يوم النصر افتكرينى
و ان طالت يااما السنين
خاللى اخواتى الصغيرين
يكونوا زيى فدائيين
هكذا كانت لغتنا وبالتالى أسلوب تفكيرنا وثقافتنا .. فما هو حالنا الآن؟ تم تحريف لغتنا .. "الفدائى" صار "انتحارى" .. "العمليات الفدائية" صارت "عمليات انتحارية" .. "الفداء" صار "انتحار" .. وبما أن الانتحار حرام شرعاً فلا يجوز القيام بمثل هذه الأفعال. كلمة واحدة "فدائى" تم تحريفها إلى "انتحارى" غيرت أسلوب تفكير الأمة بأكملها!! وهنا مكمن الخطورة.
وهنا يجب التوقف لتوضيح أمر بالغ الأهمية ؛ إن كلمتى "فداء" و "فدائى" فى لغتنا العربية .. لا يوجد لهما كلمات تعدلهما فى اللغات الغربية التى تعود أصولها إلى الللاتينية .. ويخطىء من يدعى أن كلمة "sacrifice" فى اللغة الإنجليزية أو الفرنسية تعادل "فداء" فى اللغة العربية .. والصحيح إنها تعادل "تضحية" .. وفى ثقافتنا ندرك الفارق بين "الفداء" و"التضحية" .. ولكن الغرب لا يدرك هذا الفارق لأنه لا يعرف ثقافة "الفداء" .. فكتبوا "فدائى" بحروفهم "Fedayee" وأولوها على غير تأويلها طبقاً لأسلوب تفكيرهم وثقافتهم . ولا تتعجب عندما تجد كلمة "Fedayee" فى أحد قواميس اللغة الإنجليزية!! وتعريفها منقولاً عن قاموس "ميريام وبستر" (Merriam Webster dictionary) هو كالتالى:
fe·da·yee noun \plural fe·da·yeen\
Definition of FEDAYEE: a member of an Arab commando group operating especially against Israel —usually used in plural.
Origin of FEDAYEE: Arabic fidā'ī, literally, one who "sacrifices" himself.
First Known Use: 1955
وترجمة هذا التعريف كالتالى:
Fe.da.yeeاسم / الجمع fe.da.yeen/
تعريف FEDAYEE: عضو فى مجموعة "كوماندوز" تعمل ضد اسرائيل خاصة – وعادة تستخدم فى صيغة الجمع.
أصل FEDAYEE: اللغة العربية , ومعناه لفظياً الشخص الذى "يضحى" بنفسه.
أول استخدام : 1955
ونحن فعلنا نفس الشىء مع ألفاظ غربية غريبة على لغتنا وفكرنا وثقافتنا مثل "ديمقراطية" و "ليبرالية" .. فكتبناهما كما ننطقهما ولكن بحروف لغتنا العربية .. ولا ضير من ظن بعضنا قدرته على فهم واستيعاب ما وراء هذين اللفظين من فكر وثقافة ويَدَّعون أنهما يعدلان "شورى" و "حرية" .. ولكنهم يخطئون بسعيهم إلى إقحامهما فى لغتنا ونشر استخدام "ديمقراطية" بديلاً ل"شورى" و"ليبرالية" بديلاً ل"حرية" .. فالفارق شاسع .. والطامة الكبرى أن يتضمن دستور مصر المرتقب ألفاظ مثل "ديمقراطية" و "ليبرالية" .. فهى دخيلة على لغتنا وبالتالى غريبة عن فكرنا وتتعارض مع ثقافتنا .. ولهذا حديث آخر.
وعودة لموضوعنا عن مدى خطورة أسلوب "نشر استخدام ألفاظ بديلة تنحرف بالمعنى الذى يعبر عنه اللفظ الأصلى" كأحد أساليب "التحريف الغير مباشر" .. وأن كلمة واحدة "فدائى" تم تحريفها إلى "انتحارى" غيرت أسلوب تفكير الأمة بأكملها .. فإنه يلزم الإجابة علىهذا السؤال: لماذا وكيف وقع هذا التحريف؟ وأرى أن الإجابة هى: أن أعدائنا - عبر التاريخ - ذاقوا الأمرين من ثقافة الفداء لدينا .. ومهما مال ميزان القوة لصالحهم فلم يستطيعوا كسر شوكتنا وتحقيق نصر بَيِّن علينا بسبب هذه الثقافة .. وحين أيقنوا أنه لا سبيل لهم علينا إلا بتجريدنا من ثقافة الفداء .. لجأوا إلى مجال اللغة لاستغلال تأثيرها على أسلوب التفكير والثقافة .. ومكروا مكراً كبارا .. فبما أن ثقافتنا تحرم قتل النفس .. وقتل النفس فى لغتنا يعبر عنه بلفظ "انتحار" .. و"انتحار" فى لغتهم "suicide" .. فقاموا بإطلاق "suicide operation" ("عملية انتحارية") على العمليات الفدائية.
والسؤال الذى يفرض نفسه الآن : من الذى قام بالتحريف؟ والإجابة هى : نحن!! نعم , نحن الذين قمنا بالتحريف. إن النخبة المثقفة ووسائل الإعلام لم تتنبه إلى خطورة الوصف المبتكر "suicide operation" .. فابتلعوا الطعم وقاموا بترديده .. بل قدموا خدماتهم بترجمته حرفياً إلى "عملية انتحارية" وتخلوا - غير مكرهين - عن "عملية فدائية" .. ومع استخدام "عملية انتحارية" و "انتحارى" فى وسائط الاعلام والخطاب الرسمى شاعوا على الألسن ووقع التحريف.
وقد تعرضت لغتنا سابقاً للتحريف وتتعرض حالياً للكثير من محاولات التحريف .. ويلزم لبيان كل حالة منها مقال خاص بها. الموضوع جد خطير .. ويستلزم تضافر جهود كل مؤسسات الدولة المعنية والمنظمات والجمعيات الأهلية ("المجتمع المدنى"!!) لندرأ عن لغتنا المزيد من التحريف وننقيها من الشوائب التى لحقت بها .. حفاظاً على فكرنا وهويتنا وتراثنا الثقافى والأخلاقى .. وأدعو إلى أن يكون شعار مشروعنا القومي فى المستقبل القريب العاجل هو "لغتنا .. خط أحمر " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.