رئيس جامعة أسيوط يستعرض تقريراً حول الأداء البحثي خلال 2023    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    ارتفاع عجز الميزان التجاري إلى 2.73 مليار دولار خلال فبراير 2024    مصدر رفيع المستوى: رئيس المخابرات العامة يجري اتصالا مع رئيس المكتب السياسي لحماس    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    بيراميدز يفقد الشيبي في مواجهة فيوتشر    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    "تعليم القاهرة" تكشف التعليمات الخاصة بامتحان الشهادة الإعدادية    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    صدام جديد مع المخرج محمد رسولوف.. "بذرة التين المقدس" يثير غضب إيران    احتفالات شم النسيم 2024: نصائح لقضاء يوم ممتع ومليء بالفرح    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القبطية لغتنا.. والعربية أيضا!

اعتبار القبطية لغة المسيحيين تعصبا والأشد منه إعتبار العربية لغة خاصة بالمسلمين
العقيدة القبطية تأثرت بالعقيدة الفرعونية.. والإسلامية تأثرت بهما معًا
المنطقة العربية موبوءة بالطغيان والمتاجرة بالدين والتستر وراءه لقهر العباد
حين ينكرون أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين القومية فى العصور التى سبقت انتشار لغة الفاتحين العرب لا يثبتون إلا جهلهم واستعدادهم لإنكار الحقائق الثابتة إذا تعارضت مع أهدافهم وخططهم، ولا شك فى أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين قبل أن تحل محلها اللغة العربية.
تابعت ما نشر فى الأيام الأخيرة حول المؤتمر الدولى للدراسات القبطية الذى انعقد أخيرا فى القاهرة.. وحزنت!
حزنت لأن ما نشر حول هذا المؤتمر الهام لم يقدم لنا ما كنا نحتاج لمعرفته وهو كثير، والاهتمام به لا يقتصر على المختصين، فالدراسات القبطية هى الدراسات المصرية، أو هى جانب أساسى منها، لأن موضوعنا هو ثقافة المصريين ولغتهم وتاريخهم خلال المرحلة الممتدة من دخول الإسكندر المقدونى مصر فى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد إلى نهاية حكم الفاطميين فى أواخر القرن الثانى عشر بعد الميلاد، وهى ألف وخمسمائة عام على الأقل، إن كانت تهم المختصين من وجهة واحدة فهى تهم المصريين من وجهات كثيرة، وإذا كانت الدراسات القبطية تهم المسيحيين المصريين بالدرجة الأولى لأنها تتناول الثقافة المصرية فى عصورها المسيحية، فهى تهم المسلمين المصريين أيضا؛ لأن التاريخ المصرى ليس معسكرات طائفية، والحضارة المصرية فى كل عصورها تراث وطنى لا يمكن تقسيمه وتوزيعه على الشيع والنحل، وإذا كان المسلمون المصريون سيكتفون بالانتساب للعصر الذى صاروا فيه أغلبية، أى بالقرون العشرة الأخيرة من تاريخ مصر، والمسيحيون سيكتفون بالانتساب للعصر الذى كانوا فيه أغلبية، أى بالقرون العشرة التى سبقت، فمن ينتسب من المصريين لمصر التى لم تكن مسلمة ولم تكن مسيحية؟
من المؤسف أننا لانزال نجد اليوم مصريين يتعصبون للدين ويتطرفون إلى الحد الذى يتنكرون فيه للوطن ولتاريخه السابق على ظهور الديانة التى يتعصبون لها، وهم رغم هذا عالة على هذا التاريخ الذى يتنكرون له، فالسياح الأجانب الذين يقدمون إلى مصر بالملايين لا يجدون فى مصر ما يغريهم بزيارتها وإنفاق نقودهم فيها إلا ما تركه لنا أجدادنا الذين يتنكر لهم بعضنا الآن وهم يأكلون خبزا مدعوما بما حصلته الدولة من السياح الأجانب!
الدراسات القبطية إذن لا تهم العلماء المختصين فيها وحدهم، ولا تهم المسيحيين المصريين فحسب، وإنما تهمنا جميعا مسلمين ومسيحيين، مختصين وغير مختصين، مثلها مثل الدراسات الإسلامية والدراسات الفرعونية التى تتناول جوانب أخرى، فإذا كانت الصحف وأجهزة الإعلام قد قصرت تقصيرا معيبا فى تزويدنا بأخبار المؤتمر الذى عقد أخيرا حولها فى مصر، وبما قدم فى هذا المؤتمر من دراسات واكتشافات وما دار من مناقشات فهذا شىء محزن!
والصحف وأجهزة الإعلام ليست وحدها المقصرة، وإنما تشاركها الهيئات والمؤسسات المصرية والدولية التى شاركت فى تنظيم المؤتمر على هذا النحو الذى بدا وكأنه مغلق عليها، وكأن عامة المصريين لا حق لهم فى الاهتمام به ومتابعة ما يدور فيه، وهذا أيضاً شىء محزن!
ونحن نعلم أن الدراسات القبطية أصبحت تشغل الكثيرين من المهتمين بمصر وتاريخها منذ شرع شامبليون فى فك أسرار الحضارة المصرية القديمة؛ لأن العصر المسيحى فى مصر هو حلقة الوصل بين تاريخها القديم وتاريخها الحديث.
اللغة القبطية ليست إلا الطور الأخير من أطوار اللغة المصرية القديمة، ونحن الآن نفهم كلمة «قبطية» بمعنى مسيحية، وهذا ليس معناها الأصلى، وإنما هى مشتقة من عبارة مصرية قديمة مؤلفة من كلمات ثلاث تدل على مصر هى «حت - كا - بتاح» ومعناها بيت روح بتاح، أى مركز عبادة بتاح إله الفنانين، وهو مدينة منف العاصمة القديمة التى كانت مصر كلها تسمى باسمها، كما نقول مصر ونقصد البلد ونقصد القاهرة أيضا. وقد تحولت هذه العبارة المصرية فى الاستعمال اليونانى إلى كلمة واحدة هى «إيجبتوس» التى تحولت فى النطق العربى إلى «قبط»، والقبط إذن هم المصريون جميعا، لكن ارتباط الكلمة بمصر المسيحية حصر دلالتها فى الأقباط الذين ظلوا على دينهم الأول، وباعد بينها وبين الأقباط الذين اعتنقوا الإسلام.
وكما أن اللغة القبطية هى اللغة المصرية فى طورها الأخير فالفنون القبطية طور جديد من أطوار الفنون المصرية القديمة مع بعض التأثيرات اليونانية.
ولا تخلو العقيدة القبطية ذاتها من بعض التأثيرات الفرعونية، يكفى أن تنظر فى الأيقونة القبطية التى تصور العذراء ترضع طفلها المسيح، وهو من مقتنيات المتحف القبطى لترى أنها هى تقريبا صورة إيزيس ترضع طفلها حورس، وهناك من يعتقد أن الشبه ليس فقط بين الصورتين، وإنما هو بين العقيدتين، فحورس هو ابن أوزوريس الذى نفخ فى إيزيس من روحه بعد أن قتل وانتقل إلى العالم الآخر، وكذلك كان المسيح الذى حملت به مريم من روح القدس.وكما تأثرت الثقافة القبطية بالثقافة الفرعونية تأثرت الثقافة الإسلامية فى مصر بالثقافة القبطية والثقافة الفرعونية.
اللغة العربية الدارجة التى يتكلمها المصريون مزيج من عناصر عربية ومصرية، وعمارة المسجد متأثرة بعمارة الكنيسة، والخزف الفاطمى امتداد للخزف القبطى، والتصوف الإسلامى متأثر بالتصوف المسيحى المصرى، وفى هذا يقول العلامة نيكولسون «إن ذا النون المصرى هو أحق رجال التصوف على الإطلاق بأن يطلق عليه اسم واضع أسس التصوف» وكان ذو النون الذى عاش فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى - التاسع الميلادى - يعرف اللغة القبطية فهى لغته القومية، وكان قادرا على قراءة النصوص الهيروغليفية كما جاء فى «أخبار العلماء بأخبار الحكماء» لابن القفطى الذى يقول «ذو النون بن إبراهيم الأخميمى المصرى من طبقة جابر بن حيان فى انتحال صناعة الكيمياء، وتقلد علم الباطن والإشراف على كثير من العلوم الفلسفية، وكان كثير الملازمة لبربا - أى آثار - بلده أخميم، فإنها بيت من بيوت الحكمة القديمة، وفيها التصاوير العجيبة والمثالات الغريبة التى تزيد المؤمن إيمانا والكافر طغيانا، ويقال إنه فتح عليه علم ما فيها بطريق الولاية».
هذا المكان الذى تمثله الدراسات القبطية اجتذب إليه علماء كثيرين من أنحاء العالم شكلوا فيما بينهم هيئة سموها الهيئة الدولية للدراسات القبطية التى تنظم مؤتمرا دوليا ينعقد كل أربع سنوات، وقد انعقد هذا المؤتمر فى دورته الأخيرة فى مصر، فإذا كانت الهيئة الدولية لا تدعو لحضور المؤتمر إلا المختصين، فقد كان من واجب المؤسسات المصرية المهتمة بالدراسات القبطية أن توسع دائرة الاهتمام بالمؤتمر وتدعو لحضوره المهتمين بالثقافة المصرية بصرف النظر عن تخصصاتهم الدقيقة وعن انتمائهم الدينى.
لقد بدا المؤتمر للبعض كما أشرت من قبل وكأن الدراسات القبطية لا تهم إلا الأقباط، وقد كان لهذا الإحساس ردود سلبية، إذ نظر بعضهم للمؤتمر من زاوية سياسية، وخاصة حين علم أن بعض العلماء الإسرائيليين المختصين فى الدراسات القبطية دعوا للمشاركة فيه، وهى دعوة لا دخل للمصريين المشاركين فى المؤتمر بها، واتخذ بعضهم بناء على هذه النظرة موقفا سلبيا لا من المؤتمر وحده، بل من الدراسات القبطية كلها، ومن اللغة القبطية بالذات.
فقد ذكرت بعض الصحف أن بعض الذين يقدمون أنفسهم للناس على أنهم دعاة إسلاميون حمل على اللغة القبطية وعلى من يعتبرونها اللغة الأم للمصريين، ووصفهم بأنهم كاذبون، وقال إن هناك من يلعب بورقة الأقليات، وإن اللغة القبطية خليط من لغات مختلفة!
طبعا.. هناك من يلعب بورقة الأقليات، لأن مصر المتحضرة التى تعتبر المصريين جميعا أبناءها، وتساوى بينهم أمام القانون، ولا ترفع طائفة على طائفة، ولا تميز بين دين ودين - مصر هذه العاقلة المستنيرة المؤمنة بحقوق الإنسان لا تعجب قوى كثيرة، وخاصة فى هذه المنطقة العربية الموبوءة بالطغيان الذى لا يتورع عن المتاجرة بالدين والتستر وراءه حتى يواصل سيرته فى قهر العباد وامتصاص دماء البلاد، مدعيا أنه يدافع عن الدين ويحارب أعداءه، فلابد من اختلاق صراع طائفى ينشغل به الناس وينصرفون عن المطالبة بحقوقهم ويمتثلون للطغيان ويجعلونه حكما بينهم وهو عدوهم اللدود.
هكذا يلعب اللاعبون بورقة الأقليات التى يحتاجون لمن يثيرها حتى يمكنهم أن يلعبوا بها، ومن المضحك أن يكون بعض الذين يستنكرون اللعب بورقة الأقليات أدوات فى أيدى من يلعبون بها، لأنهم لا يشنون هجومهم على إقحام الدين فى السياسة، وهو المناخ الذى يشجع على اللعب بورقة الأقليات، بل هم يروجون لدولة دينية جديدة ويترحمون على الدول الدينية البائدة، وبذلك يثيرون الفتنة التى ينبهون غيرهم لخطرها، لكن تطرف هؤلاء يعريهم ويفضحهم.
حين ينكرون أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين القومية فى العصور التى سبقت انتشار لغة الفاتحين العرب لا يثبتون إلا جهلهم واستعدادهم لإنكار الحقائق الثابتة إذا تعارضت مع أهدافهم وخططهم، ولا شك فى أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين قبل أن تحل محلها اللغة العربية.
هذه الحقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو مزور، وكما أننا لا نتنكر للغتنا الأصلية التى كانت ركنا أساسيًا من أركان حضارتنا القديمة لا نخجل ولا نتبرأ من لغة الغزاة الفاتحين التى أصبحت لغتنا حين نطقنا بها، وفكرنا، وكتبنا، وأبدعنا، وأضفنا للأدب العربى ما لم يكن فيه.
لا نتنكر للغتنا القبطية كما لا يتنكر الأوروبيون للغات التى كانوا يتكلمونها قبل أن تنتشر فى بلادهم لغة الرومان الفاتحين التى صارت على ألسنة الفرنسيين لغة فرنسية، وعلى ألسنة الإسبان لغة إسبانية، وكما لا يتنكر الأفارقة واليهود الأمريكيون للغاتهم الأصلية التى كانوا ينطقون بها قبل أن تنتشر فى بلادهم الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية.
أما اتهام اللغات القبطية بأنها خليط من لغات مختلفة فكلام فارغ لا يستند لعلم أو منطق، لأن اللغة نظام لا يمكن خلطه بنظام آخر، يمكن أن تستعين اللغة بمفردات لغة أخرى تخضعها لطريقتها فى النطق، أما الأبنية الأساسية التى تقوم عليها اللغة فلا يمكن نقلها للغة أخرى، لا يمكن مثلاً أن تنشئ فى الفرنسية أو فى الإنجليزية جملة اسمية خالية من الفعل كما تفعل فى العربية التى يمكن أن تتألف فيها الجملة الاسمية من اسمين؛ مبتدأ أو خبر.
واللغة القبطية لم تكن لغة جديدة ولم تنشأ من فراغ، وإنما هى طور جديد من أطوار لغة عريقة تشكلت على مهل، وقامت عليها ثقافة باذخة، وظلت حية آلاف السنين، وتقول عالمة المصريات الإنجليزية بربارا واترسون في كتابها أقباط مصر إن اللغة القبطية التى كانت لهجة شعبية فى القرون السابقة على الميلاد «تحولت إلى لغة أدبية لها قواعد فى النحو والإملاء خاصة بها».
وهناك من يظن أن اللغة القبطية اختفت من الوجود فى أعقاب فتح العرب لمصر، والحقيقة ليست كذلك، فقد كان العرب الفاتحون يعدون بالآلاف، وكان المصريون يعدون بالملايين وقد ظل معظمهم يتكلم لغة آبائه وأجداده قرونًا عديدة بعد الفتح، وظلت القبطية لغة حية إلى أواخر القرن السادس عشر، فعندما دخل العثمانيون مصر كانت بعض القرى فى الصعيد لاتزال تتكلم القبطية.
واللغة القبطية لم تختف تمامًا بعد ذلك، وإنما تقمصت لغة الفاتحين العرب وحلت فيها فظهرت من اللغتين لغة ثالثة هى العامية المصرية التى تعتبر عربية من ناحية المفردات ومصرية من ناحية التراكيب التى يعود جانب كبير منها لأصول قبطية.
عندما تقول «انت مين؟» بدلاً من «من أنت؟» وعندما تقول «ما اقدرش» بدلاً من «لا أقدر» تسمى الأشياء كما سماها العرب، وتفكر فيها كما فكر المصريون. والعامية المصرية ليست الإنجاز الوحيد فى طريق تمصير العربية، الفصحى أيضًا تمصرت فى قصائد البهاء زهير، وحافظ إبراهيم، وصلاح عبدالصبور، وفى كتابات يحيى حقى، وحسين فوزى، وطه حسين.
حين يقول البهاء زهير:
إياك يدرى حديثًا بيننا أحدُُ
فهم يقولون للحيطانِ آذانُ!
أو حين يقول:
يا من تَجنَّن عامدا
وأريد أُذهِب جِنَّه
وكأنه كلبُُ عوى
لا بل أقول بأنَّهُ
فلأكوينَّ جبينَه
وسْمًا وأقطع أَذْنَهُ
وأكون كلبا مثله
إن لم أصدق ظنه
حين نقرأ هذا الشعر نجد فيه كلام المصريين وإشاراتهم وإيقاعاتهم وطرقهم فى التفكير والتعبير. وهذا أمر طبيعى، فكما تختلف عامية مصر عن عامية العراق وعامية المغرب، تختلف أيضًا -وإن بدرجة أقل - فصحى مصر عن فصحى المغرب والعراق والشام، لأننا لسنا مستشرقين نتكلم لغة أجنبية تعلمناها بالأمس، وإنما نتكلم ونكتب لغة أصبحت لغتنا، فنحن نتصرف فيها تصرف المالك الحر الراشد القادر على أن يأخذ ويترك ويضيف ويجدد.
واللغة ليست مجرد معجم نستعمله كما يستعمله غيرنا، وإنما هى إلى جانب ذلك تراكيب تعبر عن عقلية المتكلم وتعكس تصوره للعالم وإدراكه لما بين الأشياء والأفكار من علاقات. فإذا كانت العربية الفصحى لم تنشأ فى مصر وإنما دخلتها بعد أن استكملت قواعدها وأصبحت نظامًا يفرض نفسه على من يتكلمها، فقواعد اللغة ليست قيودًا حديدية وإلا تسببت فى موت اللغة، وإنما هى حددود مفتوحة وقوانين مرنة تساعد اللغة على أن تتجدد وتلبى حاجات الذين يتكلمونها وتتطور معهم.
ونحن نعرف أن العرب يؤثرون الجملة الفعلية على الجملة الاسمية على عكس الأوروبيين الذين لا يعرفون إلا الجملة الاسمية، ويبدو لى أن المصريين أقرب إلى الأوروبيين فى هذه المسألة، فالجملة الاسمية هى الأساس فى العامية المصرية، وهى تتردد بكثرة فى أعمال الكتاب المصريين وخاصة المعاصرين.
أقول فى النهاية: نعم! اللغة القبطية هى لغتنا الأم أو لغتنا الأصلية، لكنها أصبحت الآن لغة ميتة لا تستخدم إلا فى الصلاة مثلها مثل اللاتينية، فالذين يدعون لإحيائها واهمون، والذين يتبرأون منها متعصبون، فإذا كان موت القبطية يحول بيننا وبين استخدامها فى حياتنا اليومية ونشاطنا العقلى، فهو لا يحول بينا وبين دراستها، وليس مفهومًا أن يهتم العالم بالقبطية وأن نتجاهلها نحن وننساها، وإذا كنا ندرس السريانية والحبشية والسواحلية فى جامعاتنا، فالقبطية أحق بهذه العناية وأولى.
وأقول بعد ذلك: نعم! اللغة العربية هى فى الأصل لغة العرب الفاتحين، لكنها الآن لغتنا، وهى لغة حية نتعلمها ونتعلم بها، ونفكر بها ونعبر ونضيف إليها ما لم يكن فيها من قبل، وإذا كان من التعصب المقيت اعتبار القبطية لغة المسيحيين وحدهم، فأشد تعصبا وأشد مقتا أن تعتبر العربية لغة المسلمين!
فى الأصل كانت لهجة
ما معنى اللغة القبطية وتاريخها وتطورها ؟
سؤال بحثت عنه «اليوم السابع» فوجدت أنها آخر مراحل تطور اللغات المصرية, وبالتحديد هى آخر دور للهجة المصرية العامية فى اللغة المصرية القديمة التى تكلم بها سكان وادى النيل منذ آلاف السنين، وقد تحولت هذه اللهجة إلى لغة دينية وعامية مستعملة فى أوائل القرن الثالث الميلادى وظلت كذلك حتى حلول القرن السابع عشر واقتصرت على الكنائس فى ظل انتشار اللغة العربية التى أصبحت لغة البلاد الرسمية.
القبطية إذن مجرد (لهجة) دارجة قائمة بذاتها وتطورت تطورًا طبيعيا جرى عليها كما جرى على كل اللهجات المنبثقة من كل لغة من لغات العالم، فمثلاً الفرنسية كانت لهجة لاتينية ثم تطورت لتصبح لغة فرنسا، وكانت اللاتينية أيضًا لهجة تطورت من اللغات الهندية, والهندية تنتمى إلى مجموعة اللغات الآرية، وإن كانت اللهجات السبع الأولى للغة المصرية القديمة قد كُتبت بالحروف المصرية الهيروغليفية واللهجة التاسعة بالهيروغليفية مع تغيير فى أصوات العلامات ، واللهجة العاشرة بالديموطيقية فإن اللهجة القبطية خالفتهُ وكُتِبت بحروف اللغة اليونانية الإثنين والعشرين مع استعارة 7 أحرف فقط من الخط المصرى الديموطيقى.
إذن فالدور الأخير من اللغة المصرية وهى ما نسميها اللغة القبطية قد كُتبت بحروف يونانية صِرْفة لا علاقة لها بالحروف المصرية واستعارت من المصرية سبعة أحرف ديموطيقية لم توجد فى اليونانية، وقد قصد المسيحيون بذلك قطع الصلة مع المصريين لسببين:
1 - لقطع الصلة قدر الإمكان بينهما وبين الوثنية.
2 - لزيادة التقرب بينهم وبين اليونان الذين بشروهم بالمسيحية.
لمعلوماتك..
◄3 فى القرن الثالث الميلادى بدأ المصريون تداول اللهجة القبطية.
◄7 هى عدد الأحرف التى تم استعارتها من الخط المصرى الديموطيقى
نقلاً عن الأسبوعى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.