" على المرء ألا يقرأ إلا تلك الكتب التى تعضه وتوخزه . إذا كان الكتاب الذى نقرأه لا يوقظنا بخبطه على جمجمتنا فلماذا نقرأ إذن ؟ على الكتاب أن يكون كالفأس التى تهشم البحر المتجمد فى داخلنا .. " فرانز كافكا كاتب تشيكى من هذا المنطلق أهديكم كتاب الوادي المقدس لنتجول سويا بين سطوره .. فقد وجدت بين ثناياه الهدف الأسمى لثورة 25 يناير وهو الوصول إلى الوادى المقدس للوطن وللمواطن المصري بشكل خاص .. ليس هناك واد بعينه يقصده الناس ، إنما هناك واد مقدس لكل شخص .. قد يكون بقعة من الأرض .. أو قطعة من الزمن .. أو حالة نفسية تسمو فيها فوق طبيعتك وطبيعة الأشياء ، فوق ضرورات الحياة بل فوق حدود العقل .. وقد يكون حالة إنسانية يمكن أن يشترك فيها الناس جميعاً ، ذلك هو الوادى المقدس حيث آمالك كلها خير ، وأحلامك كلها جميلة ، لا يقع الشر منك ولا يقع عليك ، حيث تكون الطبيعة وجسمك وعقلك ونفسك متوافقة توافقاً موسيقياً تكتمل به السعادة الإنسانية .. الوادى المقدس هو مملكة السماء ،جنة الأرض ، أمور ثابتة فى النفس الإنسانية أصولها الإيمان والخير والحكمة ، وميادينها الدين والحب والعلم . تلك المفاهيم النورانية او الملائكية للوادي المقدس كانت بعيدة المنال على الفهم او الاستيعاب قبل ثورة 25 يناير .. لكن بعد تلك الثورة المباركة أصبح كل شيء محترم أو خيالي قابل للتنفيذ وللتحقق .. ولكن هل بلوغ هذه الغاية سهل ؟ ، سهل إذا أراد الإنسان ، أما إذا ضعف وترك نفسه لما حوله فسيفقد الراحة النفسية والبدنية ففي النظام القائم بين الناس مرتفعات وسهول ووديان ، وفوق المرتفعات أقزام هم دونك قدراً ، وأقل منك علماً وحكمة وخلقاً ، لكنهم يتحكمون فى أمور حياتك بقوة أرتفاعهم عنك ، فهم أعلى منك ، وإن لم يكونوا أطول قامة ولا أعظم نفساً ، وفى الوديان قوم يرونك ، فهم بمنزلة أهل المرتفعات منك .. أما فى الوادى المقدس ، فلا يتفاضل الناس إلا بقدر ما فيهم من خير ، فيسمو المظلوم فوق الظالم .. والظالم لا يستطيع أن يستمتع بأمن الوادى المقدس ما دام ظالماً.. الوادى المقدس إذن حالة يمكن أن يبلغها الإنسان فيستريح بها على شقاء الحياة ، لكن حتى يبلغها عليه ان يتطهر ، بالرياضة النفسية على أجتناب الخطأ والخطايا .. والتطهر ليس حالة ثانوية فى الإنسان بل هو الأصل ، وهو طبيعة فى الإنسان وعنوان إنسانيته ، على أن هذا لا يعنى أن يشعر الإنسان باليأس إذا لم يستطع أن يتغلب على كل ما فيه من ضعف أمام نفسه أو الحياة من حوله .. فالخير يقاس بما تبذله من جهد فى هذا السبيل ، وإن لم تبلغ الغاية التى تطمح إليها ... والسؤال المرحلي هنا هل نجحت الثورة المصرية فى الوصول بنا إلى " حالة الوادى المقدس " حيث النقاء والعشق للوطن .. والعشق أيضا للعمل والعلم .. أرى أننا ما زلنا نبحث عن الطريق إلى الوادى المقدس فقد يتفق معي البعض إننا وصلنا إلى حالة العشق للوطن ولكن حالة عشق العمل وثورة السلوكيات لم تحدث بعد ؟ فهل السبب هو عدم النضج السياسي او التعليمي أم ان أتباع الشر وأصحاب المصالح أقوى من عزيمة المصريين العاشقين لمصريتهم .. نحن هنا إزاء أعترافات بتفاوت القدرة البشرية ، وأفق أوسع لفهم الإنسان ، وليس أختزاله فى شيء واحد .. إن الشر فى النفس البشرية ليس من طبائعها .. فما هو رأيك فى الذين يعتبرون الإنسان شراً كله معبأ بالغرائز الجنسية ، فملأنا حياتنا بالتحريم كأنه ليس لنا من عمل إلا إرتكاب الخطايا .. إن الطهر موجود .. إن الطهر لا يفسده بعض الشر حين تعمله عرضاً أو مرغماً ، فكما يكون من الحجارة ما هو ضعيف أو معوج ويكون البناء قوياً كذلك قد ترتكب فى حال الغضب أو الشدة ما لا ترضى عنه نفسك ثم تكون حياتك فى آخر الأمر جميلة طيبة إذا كان قوامها التطهر .. ثم يصل الغاية فى معنى الحياة الصادقة بأنها هى التى تقوم على السلم .. السلم بينك وبين نفسك ويحققه الإيمان ، بينك وبين الأقربين ويحققه الحب ، بينك وبين العالمين ويحققه الخير ، والتسامح يغطى الجميع .. والتسامح فيه حق التمعن والأختلاف وحرية التعبير .. فلا يضير الدين شيئاً أن يترك للجمال أن يعمل فى النفس عمله الطبيعي وهو السرور الذى لا تستقيم النفوس حقاً إذا حرمته ؟ ثم لا يضير الدين شيئاً أن يترك للعقل تحقيق المعرفة وهى ميدانه الطبيعي والمعرفة لا تغنى عن الجمال فى تحقيق السرور ، ولا تغنى عن الدين فى تحقيق الهداية ، وحب الجمال لا يغنى بدوره عن الدين فى هدايته للناس .. أن الوادى المقدس ليس كتاباً بقدر ما هو صرخة أو فأس حاد يهشم فكرنا الجامد المعلب حول كيفية عشق الوطن .. لا يجب ان نعلن حبنا لمصر دون العمل على ذلك بشكل علمي مدروس .. لا يكفى الكلام فقط .. ولكن ماذا علينا ان نفعل حقاً ؟ أيقظني السؤال : لماذا حقاً لم يصل كثيرون من الذين يملئون حياتنا بالغضب إلى ما وصل إليه الدكتور محمد كامل حسين ؟ ليست لهم نفس نفسه وواديها المقدس ؟ ربما ؟ رحم الله مفكر مصر الكبير محمد كامل حسين.. الذى لخص المسألة فى جملة واحدة " أبحث عن الوادى المقدس داخلك وسوف تجده حتماً .. والدليل ثورة 25 يناير كانت بحق طريق من نور للوصول الى هذا الوادى ولكن علينا فعل الكثير لنرى هذا الوادى المقدس فى كل أرجاء الوطن .. حتى يكون حالة عامة وليست حالة خاصة فقط .. عزيزي القارىء .. عزيزتي القارئة .. آن الآوان للبحث عن الوادى المقدس فى حياتنا؟ آن الآوان للبحث عن الوادى المقدس فى فكرنا وعملنا ومستقبلنا . أن الأوان للبحث عن الوادى المقدس فى كل مكان فى أوطاننا ؟