قال عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، إن صفقة القرن هى اقتراح أمريكى إسرائيلى مشترك، ولا يجب أن يعتبر إنذارًا نهائيًا يُقبل أو يرفض دون تفاوض أو تعليق أو تعديل، موضحًا أنه تمامًا كما كانت المبادرة العربية، كانت موقفًا عربيا قابلًا للتفاوض على خلفية القرارات والاتفاقات القائمة وقتها، ومن ثم فإن الوثيقتين تمثلان سويًا أساسًا لعملية تفاوض نشطة يجب أن تنطلق فوريا. واقترح موسى أن تجرى المفاوضات تحت رعاية الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة ومعهم ألمانيا بالإضافة إلى الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى (أى الرباعية الدولية إلى جانب الدول الخمس الكبرى) وأن يدعى إلى المسار التفاوضى مصر والأردن لما لهما من أدوار متصلة بتحقيق حل منصف لطرفى التفاوض أى الإسرائيلى والفلسطينى. وأعرب موسى فى حواره ل«المصرى اليوم»، عن تفهمه لأسباب رفض الفلسطينيين الصفقة المقترحة باعتبارها انتهاكًا لحقوقهم، وانحيازًا واضحًا للطلبات الإسرائيلية المتناقضة جذريًا مع القانون الدولى ومبادئ العدالة والإنصاف، واعتبر وزير الخارجية الأسبق أن الطرح الأمريكى الإسرائيلى المسمى «صفقة القرن» رد متأخر على المبادرة العربية الصادرة عام 2002، محذرًا من تدهور الأوضاع فى المنطقة وتصاعد الغضب العام حال فرض الصفقة على الفلسطينيين بشكل أو آخر.. وإلى نص الحوار: ■ كيف تقيم المبادرة الأمريكية لحل الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية التى تم إعلانها تحت مسمى «صفقة القرن»؟ - لا تنسى أننا أمام موضوع مركّب، نحن ليس فقط أمام اقتراح أمريكى إسرائيلى، وإنما أيضًا أمام موقف فلسطينى رافض له، وبالتالى فإن «الصفقة» التى تحتاج إلى طرفين حتى يكتمل تعريفها ويتم المضى على أساسها لم تكتمل، لا يوجد طرفان للصفقة ومن ثم فلا صفقة، وحتى يتم ل«الصفقة» أوصافها يجب أن يدعى الطرف الآخر (الفلسطينى) لأن يقدم وجهة نظره وأن يُنسق ويُتقبل أن الصفقة تفترض التفاوض والنقاش ثم التوافق والانعقاد (انعقاد الصفقة)، ورأى الجانب الفلسطينى الموثق (والمؤيد عربيا) تتضمنه وتطرحه المبادرة العربية. حتى من حيث الشكل شهدنا رئيس الولاياتالمتحدة ورئيس وزراء إسرائيل معه يطرحان الصفقة دون وجود الطرف الفلسطينى، الرئيس دونالد ترامب يطرح المبادرة ورئيس الوزراء الإسرائيلى يكاد يتقافز فرحًا ومرحًا، حتى ال(Decorum) ويقصد بها (قواعد البروتوكول) لم يحترمها بى بى نتنياهو. ■ إذن.. ما الحل؟ - دعينى أستكمل طرح رأيى، أولًا هل المطروح فى تلك «الصفقة» قيام دولة فلسطينية حقًا أم أنها مجرد شكل دون مضمون، وسلطة مطلوب منها أن تنفذ التزامات لصالح الدولة الإسرائيلية دون حقوق فلسطينية سيادية؟ نحن حين نتحدث عن «دولة» فإننا نتحدث عن كيان مكتمل (Viable) أى «قابل للحياة» قادر على خدمة مواطنيه، وتأمين حياتهم والأجيال القادمة، يتمتع بكامل حقوقه السيادية، ويتمتع سكانه ومواطنوه بكافة حقوقهم التى تكفلها القوانين والاتفاقات الدولية مثل باقى الشعوب. فى غياب ذلك نصبح أمام صورة أخرى لنظام «الأبارتايد» (الفصل العنصرى)، مع بعض «التجميلات».. علم و«مزيكة» ولا شىء آخر. هذا لا يكفى ولن يرضى به أحد إلا إسرائيل ومن معها طبعًا، بل إن الكثير من الإسرائيليين بدأوا يظهرون معارضتهم لما تطرحه تلك «الصفقة». هناك ظلم واضح للفلسطينيين، ومن الضرورى المضى قدمًا مع العالم ومؤسساته وعلى رأسهم الأمريكان أنفسهم للتوصل إلى معادلة مقبولة عن طريق التفاوض الذى لا يستبعد الدور الأمريكى ولا الصفقة الأمريكية الإسرائيلية، كما لا يستبعد المبادرة العربية والأسس والنقاط التى طرحتها. هناك مثل إنجليزى يقول (It takes two to tango)، وهنا لا يوجد طرف آخر لحصول هذا ال«تانجو»، إلا إذا كان المقصود أن الراقصين هما أمريكا وإسرائيل، وبالتالى تكون حفلة خاصة غير مفتوحة للآخرين. ■ لكن بعض التقارير تقول إن الأمريكان حاولوا مناقشة «الصفقة» مع الجانب الفلسطينى، لكن الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن هو الذى رفض؟ - ربما يكون الرئيس «أبومازن» قد رأى فيما جرى فى وقت سابق من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما رافقه من نقل السفارة الأمريكية إليها، ثم بعد ذلك إطلاق بعض التصريحات من جانب السفير فى القدس بشأن الاستيطان... إلخ، ما جعله يتحسب منذ الدقيقة الأولى. ■ ولكن كيف يتحقق مسار تفاوضى ناجح خصوصًا أن إسرائيل نالت كل ما تريد ولن تقبل التفاوض؟ - لقد نالت إسرائيل ما تريد خارج إطار الشرعية، وسوف يظل كل ما تحصل عليه نتاجًا للقوة وليس الشرعية، وعليه سيكون من الصعب اعتراف العالم لها بأى شرعية خارج نطاق حدودها عام 1967.. لذا فإن التفاوض والاتفاق يسمحان لها باعتراف شرعى بما قد تكتسبه إلى جانب الاعتراف (من جانبها) للفلسطينيين بكيانهم ودولتهم الحقيقية التى ينبغى أن تكون دولة (Viable) كما ذكرت من قبل. هذا شىء، الأمر الآخر هو أنه فى غياب دولة حقيقية يجب النظر فى الحل عن طريق قيام «دولة واحدة»، فالدولة غير مكتملة الأركان ليست إلا «ولاية» أو «محافظة»، وبالتالى فإننا فى الواقع أمام طرح جديد داخل «الصفقة»، وهو بدايات إطلاق الدولة الواحدة مع نظام المواطنة الناقصة للفلسطينيين، بالمقارنة مع المواطنة الكاملة للإسرائيليين، أى نظام أبارتيد (فصل عنصرى) لن يقبله العالم كله أبدًا، وعلى رأسهم الأمريكيون.. هذا ما أتوقعه، وهذا ما أراه. ثم هناك شىء آخر هو أن هناك تفاهمات سابقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب استدعاؤها على مائدة التفاوض، مثل الاتفاق بينهما على «تبادل أراضٍ، والنسب التى كانت مطروحة، وصفة الدولة الفلسطينية بأنها سوف تعيش فى سلام مع الدولة المجاورة إسرائيل مع عدم المساس بأمن الفلسطينيين، وتفاصيل ذلك، خصوصًا تفاصيل الالتزام الإسرائيلى بالتعاون فى خلق إطار من ال (Peaceful but full viability of the Palestinian state). ■ لكن الصيغة التى وردت بها الخطة وما رافقها من تصريحات انضوت على تناقضات، فبينما تطرح الخطة قيام عاصمة فلسطينية فى القدسالشرقية، استخدم ترامب لفظ «شرق القدس» فى حين يرفض نتنياهو أى سيادة لفلسطين على المدينة. - نعم، إن استخدام تعبير «شرق القدس» يختلف جذريًا عن تعبير القدسالشرقية، أى أن الأمر لا يتعلق فقط بدولة أو دويلة منقوصة السيادة، أو الولاية، وإنما أيضًا بلا عاصمة إلا على قطعة أرض أو مساحة طالما جرى الحديث عنها ورفضها الفلسطينيون تمامًا منذ بدايات الحديث عنها فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، وهى قرية أو ساحة «أبو ديس». وبالمناسبة فإن الحديث عن عاصمة فلسطين فى القدسالشرقية لا يعنى بالضرورة تقسيم المدينة، فيمكن أن تظل مدينة موحدة، أما كيف وأى تفاصيل أخرى.. فتترك للتفاوض الذى اقترحه. ■ مرة أخرى، نتحدث عن التناقضات، ففى حين تعهد الرئيس الأمريكى بفرض «تجميد على الأرض» للنشاط الاستيطانى، أكد مسؤول إسرائيلى كبير فى إسرائيل أنه لا تجميد للاستيطان.. هل هذا يعنى أنه إذا مرّت الصفقة لن تلتزم إسرائيل ببنودها؟ - نعم، هذا معناه أنه حتى مع هذه الصفقة المرفوضة فلسطينيا، هناك نوايا غير طيبة لدى الحكومة الإسرائيلية، وعند تنفيذها- إذا قدر لها أن تنفذ- لن يحصل الفلسطينيون على ما قد يكونون قد قرأوه فى نص «الصفقة». ■ بالمناسبة، ما الأطراف التى يمكنها أن تطلق هذا المسار التفاوضى؟ - أولًا الدول ال5 دائمة العضوية فى الأممالمتحدة (الولاياتالمتحدة، روسيا، الصين، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا)، وثانيا الرباعية الدولية، وثالثا منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها، بل إننى لا أستبعد أن تتبنى جامعة الدول العربية مثل هذا المطلب.. يمكن لأى منهم اقتراح فتح مسار تفاوضى.. واقتراحه فى اتصالات بينية تنتج تفاهما أو تفاهمات، على أن تشمل هذه الاتصالات إسرائيل أيضًا (حكومة ومعارضة). ■ وإن لم ينجح كل ذلك؟ - إذن يجب أن يتغير الطرح الفلسطينى، بل العربى، والاتجاه إلى تكريس الدولة الواحدة وانسحاب السلطة الفلسطينية، وأعتقد أن هناك توجها داخل السلطة الفلسطينية أيضًا، بوجود السلطة الفلسطينية واعتبار الأراضى الفلسطينية أراضى تحت الاحتلال، أى إعادة صفة «الدولة القائمة بالاحتلال» ومسؤوليات ذلك إلى إسرائيل. ■ ولكن بعض التقارير تحدثت عن قبول دول عربية صفقة القرن بصيغتها الحالية. - لم يصلنا ذلك بصفة مؤكدة، ولكن هناك أمرين مهمين، أولهما أن ثلاث دول عربية أرسلت سفراءها لحضور الحفل الأمريكى الإسرائيلى الخاص بإطلاق «الصفقة»، وهذا الحضور له صفة فردية، أى إنه لا يمثل العرب، وثانيهما أن هناك انعقادا لمجلس وزراء الخارجية العربى يوم السبت أول فبراير، سوف يرشح عنه الكثير على ما أعتقد، وعلينا أن ننتظر لنرى. ■ هل ترى أن طبيعة الداخل الفلسطينى كان لها أثرها فى خروج الصفقة بهذا الشكل؟ - نعم، لعب الانقسام الفلسطينى دورًا حاسمًا فى تكريس الاستهانة بالفلسطينيين، كما لعبت نتائج «الربيع العربى» دورها فى الاستهانة بالعرب. من ناحية أخرى، فإن إحدى مزايا إعلان «الصفقة» كانت ضم صفوف الفلسطينيين وتنظيماتهم جميعا.. أرجو أن يظل هذا الاصطفاف قائمًا، وأن يتدعم ويصمد حتى يمكن للعالم أن يرى تعريفًا فلسطينيا محترمًا، أما إذا انفك هذا الاصطفاف مرة أخرى، فقل على مستقبل الفلسطينيين السلام. ■ كيف ترى استبعاد الأممالمتحدة من هذا التطور الجديد؟ - استبعاد الأممالمتحدة لا يعنى استبعاد أو سقوط الشرعية الدولية، فهى قائمة بمقتضى النظام الدولى القائم، وكما تذكرين فإن اقتراحى يشمل دعوة الأممالمتحدة لرعاية عملية المفاوضات التى أقترحها مع الطراف الأخرى، طبعًا تعرفين أن إسرائيل تكره الأممالمتحدة وتكره كذلك ميثاقاتها وقراراتها، ولكن إسرائيل ليست كل العالم. ■ كنتَ شاهدًا على مفاوضات أوسلو فى تسعينيات القرن الماضى، فهل تحب أن تُذكِّر القارئ بها؟ - مفاوضات أوسلو كانت إسرائيلية فلسطينية مباشرة، لم يحضرها أحد بخلاف الطرفين، لا مصر ولا الولاياتالمتحدة. ورغم الانتقادات الكثيرة التى طالت المفاوضات، فإنها التى مكّنت الرئيس الراحل ياسر عرفات من العودة إلى الأراضى الفلسطينية وغزة، دون ذلك لم تنفذ إسرائيل ما تضمنته المفاوضات، ولم تُمكِّن الفلسطينيين من أن ينتقلوا بأنفسهم نقلة جديدة إلى وضع جديد يُعد للدولة الفلسطينية. وكتبت فى مذكراتى بالجزء الأول منها أن الرئيس مبارك وأنا كنا متفقين على أنه مادام الفلسطينيون يتفاوضون بأنفسهم فلا داعى للتدخل إلا إذا طلب الجانب الفلسطينى ذلك. ■ وهل يعنى إطلاق «الصفقة» انتهاء ما آلت إليه مفاوضات أوسلو، ثم إذا كانت إسرائيل تحصل على كل ما تريد عن طريق واشنطن، فلماذا تقبل التفاوض؟ - لقد طرح علىَّ هذا فى سؤال سابق.. إسرائيل تحتاج الشرعية، والعقلاء فيها يفهمون ذلك، ليس كل الإسرائيليين نتنياهو، كما أن العالم به كثير من الدول المحترمة المتعقلة، وسوف يكون لهم موقف رصين على ما أعتقد. نعم الكل لا يريد معركة أو صدامًا مع أمريكا، والعالم العربى مثلهم، ومصر أيضًا، ولكننا ندعو إلى كلمة سواء وتسوية تنصف الفلسطينيين وتسمح لهم، وهم يستفيدون من الدعم المالى المقترح «50 مليار دولار فى صورة سندات»، بأن يكون لهم قرار سيادى صادر من دولة ذات سيادة مكتملة الأركان، دولة قابلة للحياة «Viable». ■ ما توقعاتك لما سيحدث فى فلسطين، هل يمكن أن تشهد انتفاضة جديدة؟ - لو انطلقنا فى مسار تفاوضى بين إسرائيل والفلسطينيين برعاية الدول الخمس الكبرى والرباعية الدولية وحضور مصر والأردن وعلى أساس وثيقة «الصفقة»، إلى جانب وثيقة «المبادرة العربية»، فسوف يمكننا أن نتجنب مثل هذا الاحتمال. ■ فى رأيك لماذا تخيرت واشنطن هذا الوقت بالتحديد للإعلان عن «الصفقة» رغم الحديث عنها قبل شهور طويلة؟ - ربما لمساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلى فى الصعوبات التى يواجهها فى الداخل، والمتمثلة فى اتهامات الفساد، وكذلك لمساعدة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الانتخابات الأمريكية المقبلة. ■ هل وضعت الإدارة الأمريكية الصفقة بهذا الشكل لكى يرفضها الفلسطينيون؟ تحدثت إحدى الصحف الأمريكية عن أنها مقصودة لإظهار اهتمام إسرائيل بمبادرات السلام ورفض الفلسطينيين المطلق لها؟ - لا هذه لهجة قديمة فى الحديث عن الفلسطينيين، فى وقت سابق كان يُقال عن الفلسطينيين إنهم لا يتركون فرصة للخسارة أو للرفض إلا انتهزوها وكلام من هذا القبيل، ولكن هذه المرة الأمر مختلف، وواضح جدًا أن «الصفقة» لا تعطى للفلسطينيين شيئًا، أو على الأحرى شيئًا كبيرًا، وبالتالى فالجهود جميعها إذا ما تضافرت من خلال مسار تفاوضى فورى، يُمكِّن من تقديم إضافة عادلة، فسوف يتحقق قدر من التوازن. ■ قام رئيس حكومة إسرائيل بزيارة روسيا بعد يوم واحد من إعلان «الصفقة» لإطلاع موسكو عليها.. فى رأيك لماذا روسيا تحديدًا؟ - أرى أن هذه الزيارة هدفها إقناع روسيا بالصفقة واختيار روسيا تحديدًا سببه أن موسكو لها وجود كبير فى الشرق الأوسط، وموقفها من هذه المبادرة الأمريكية، المتمثلة فى «الصفقة» بقبولها أو رفضها له معنى وثقل كبير. ■ كيف ترى التكهنات التى كانت تتحدث عن تضمين سيناء فى «صفقة القرن» قبل الإعلان عنها؟ - بالفعل تردد الكثير من مثل هذه التكهنات، وفى الواقع كان الرد المصرى عليها عنيفًا جدًا وحاسمًا، وقضى على مثل تلك التكهنات منذ بدايتها.