كورونا والسياسة

لم يعد فيروس كورونا الذى ظهر فى مدينة ووهان بالصين، وانتقل إلى مناطق ودول أخرى، مجرد مسألة صحية ترتبط بالعلاج والوقاية، ولكنه أثار العديد من القضايا السياسية على المستوى المحلى (فى الصين) وعلى المستوى الدولى، وهى قضايا جديرة بالاهتمام والتحليل.
فقد أوضح انتشار فيروس كورونا فى الصين أهمية قضايا الصحة كمصدر للإنجاز وشرعية النظم السياسية، فبالرغم من الطبيعة الخاصة للنظام السياسى فى الصين، والإنجاز التنموى الكبير الذى حققه الحزب الشيوعى خلال العقود الماضية، فإن استناد الحزب على شرعية الإنجاز على ما عداها من مصادر للشرعية، والتحدى الذى تواجهه الدولة الصينية فى مقاومة فيروس كورونا- أديا الى نقاش حول احتمال تأثير الأزمة على شرعية الحزب والنظام السياسى. يضاف لذلك أن أزمة كورونا كان لها تأثير على الاقتصاد الصينى، وهو المرتبط أيضا بشرعية الحزب، فعزل مدينة ووهان (أحد معاقل الصناعة الصينية)، والقيود التى فرضت على الحركة والتنقل، أثر بالسلب على الاقتصاد، وأدى لقيام الصين بضخ 1.2 تريليون يوان (173 مليار دولار) للمساعدة فى امتصاص الصدمة التى عانت منها الأسواق المالية، وأوصت الحكومة البنوك بزيادة الإقراض وتجنب استدعاء الديون من المناطق التى تأثرت بانتشار القيروس.
أثارت كورونا أيضًا الجدل حول قضية المركزية واللامركزية فى التعامل مع الأزمات، وكيف أن تركيز السلطات على المستوى القومى وليس المحلى يؤدى إلى تعقيد الأزمات والتأخر فى التعامل معها، وكيف أن اللامركزية هى الوسيلة الأفضل والأسرع للتعامل مع الأزمات التى تظهر فى النطاق المحلى.
.. كما ألقت أزمة كورونا الضوء على الدور الذى تلعبه شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى أثناء الأزمات المتعلقة بانتشار الأوبئة، وكيف يمكن أن تكون الإنترنت وفيس بوك أداة للتوعية والتثقيف، أو وسيلة لنشر الذعر والخوف بين المواطنين، وقد تردد فى الصين فى الأيام الأخيرة مقولة «تتوقف الشائعات عندما تكون المعلومات علنية».
كما أعاد فيروس كورونا الجدل حول قضية العولمة بآثارها الإيجابية والسلبية، فما بدأ فى الصين كان له تأثير على العديد من الدول وعلى الاقتصاد العالمى، حيث تم إلغاء العديد من الرحلات الجوية من وإلى الصين للمساعدة فى احتواء الفيروس، كما أغلقت العديد من الشركات العالمية متاجرها فى الصين ولو بشكل مؤقت مثل شركة آبل، وستاربكس، وماكدونالدز، وغيرها من رموز العولمة الاقتصادية، كما تعطلت خطوط الإمداد من الشركات الصينية والتى تغذى الكثير من الصناعات حول العالم. وتشير التحليلات إلى أن الآثار السلبية على الاقتصاد العالمى من فيروس كورونا ستكون أكبر بكثير من الآثار التى ارتبطت بوباء سارس الذى ضرب الصين منذ 17 عاما، لأن الاقتصاد الصينى أصبح أكبر بثمانى مرات مما كان عليه عام 2003، والصين أصبحت أكبر دولة مصدرة ومستوردة فى العالم.
ولكن أزمة كورونا أوضحت أيضا أهمية التعاون الدولى فى مواجهة هذا الفيروس، وأهمية الدور الذى تلعبه منظمة الصحة العالمية (أحد مظاهر العولمة) فى هذا الصدد، وهو ما دفع البعض الى القول بأن أفضل وسيلة للتعامل مع خطر تفشى الأمراض المعدية المحلية فى جميع أنحاء هو تعزيز، وليس الحد من، التعاون بين الحكومات والمنظمات الصحية الدولية، أو أن احتواء مخاطر العولمة يمكن أن يتحقق أيضا من خلال المزيد من العولمة.