أردوغان فى إفريقيا

من المهم جدًا أن ندرس حركة من يناصبوننا العداء. وأن نكشف رؤاهم، وتطلعاتهم. وأن نبحث فى شبكات مصالحهم، وأراضيهم الجديدة التى يتطلعون لتأكيد نفوذهم فيها، لنرى بعين مستقبلية فيما هم يفكرون ويخططون.
بات من الواضح أن أردوغان هو أشد أعدائنا الآن، هو يتحرك بشكل سريع لاستعادة أمجاد إمبراطورية أجداده العثمانية، لتبقى مصر حجر عثرة كبرى فى هذا المشروع الذى عفا عليه الزمن.
أردوغان فى هذه الفترة يرى فى إفريقيا بعدًا جديدًا، هو يحاول وصل ما انقطع عبر التاريخ لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية على التراب الإفريقى، حيث كان معظم الشمال الإفريقى والسودان وإريتريا وإثيوبيا وبلاد الصومال جزءًا من الدولة العليا.
كان امتداد نفوذ العثمانيين من خلال معاهدات الصداقة والتحالف إلى إمبراطورية كانم- بورنو التى كانت تسيطر على ما يشكل حاليًّا دول نيجيريا والنيجر وتشاد، بل وصل النفوذ العثمانى إلى منطقة الكيب فى الجنوب الإفريقى، وشاركوا فى حملات بناء سكة حديد الحجاز، وجمعوا الكثير من الأموال.
هذا عن التاريخ، أما عن الحاضر فيشرحه د. حمدى عبدالرحمن فى دراسته المهمة «سياسات التغلغل: دوافع أردوغان لإحياء العثمانية الجديدة فى إفريقيا»، بأن أردوغان أعد استراتيجية لتنمية العلاقات الاقتصادية مع البلدان الإفريقية فى العام 2003. وكان الهدف المعلن هو الحصول على المواد الخام، وتعزيز التجارة مع إفريقيا.
وفى عام 2008، عُقدت قمة التعاون التركية الإفريقية فى إسطنبول، ومنذ ذلك الحين حدثت طفرة فى الزيارات رفيعة المستوى إلى القارة، كما زاد عدد السفارات فى إفريقيا من 12 إلى 42، وارتفع عدد مكاتب وكالة التعاون والتنسيق التركية فى إفريقيا من 3 إلى 11 تعمل فى 28 دولة فى إفريقيا، وارتفع عدد المكاتب التجارية من 11 إلى 26. كما زاد عدد الطلاب الأفارقة الذين تخرجوا فى الجامعات والمؤسسات التعليمية التركية أكثر من عشرة آلاف طالب، كما بلغ حجم التبادل التجارى التركى الإفريقى 24 مليار دولار.
ويستند أردوغان فى طموحاته، كما تشير الدراسة، إلى الاعتماد على القوة العسكرية جنبًا إلى جنب مع الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية، مع استغلال حالة الضعف التى تُعانى منها الدول الإفريقية مثل ليبيا والصومال، وهى نفس ما حاولت القوى الإمبريالية قديمًا استغلاله للتواجد فى إفريقيا بشكل استعمارى.
وأعتقد أن الدولة المصرية كانت على قدر كبير من الوعى بتلك التحركات الأردوغانية، ولكن من المهم فعلًا أن نتحرك لصد تلك الهجمة، حتى لا نستيقظ فى المستقبل على أزمة سد نهضة جديد.
menawy@gmail.com