هذا قرارٌ صعب، أن أقطع علاقتي بتنظيم الإخوان الآن .. أنا ابن التيار الإسلامي، أفي للفكرة و أصون انتمائي لها، لكني اتساقاً مع مبادئي و احتراماً لنفسي و لقارئي أعتزل هذا الكيان إدارتَه و قراراتِه و توجهَه في هذه المرحلة .. الإحباط المكتوم يغزو أرجاء الجماعة مما أعلنه مجلس شوراها بعد اجتماعه الأخير، لكنّ أحداً لا يتكلم لئلا يُتهم في نيته .. فرأيت انه من الشجاعة أن أعلنَ أنا موقفي و لا أكتفيَ كإخوةٍ حولي بكلام الجلسات الخاصة و مكالمات التليفون الهامسة .. و إعلاني هذا مجازفةٌ كبرى-إن كنت لا تعلم، فإدارة الجماعة الحالية غذّت المشاعر السلبية تجاه من يختلف معها، و لم يَسلَم من ذلك أخٌ صغيرٌ أو كبير . و لقد زالت الشبهة الأخلاقية الآن تماماً، فالإخوان في أوج قوتها، و لا محل لاتهام المتكلم بإعانة الظلمة .. و أنا لا أتوقع دعماً من الصحافة، فموازين القوى قد اختلفت، فلا أقول ما أقوله الآن إلا خدمةً لما أومن به، وتنزيهاً لكتاباتي عن أن تكون دعايةً للجماعة كما يرى أكثر القراء .. فلا أحب أن تذهب أصوات المعجبين بما أكتب لمرشحي الجماعة بينما يصرّ قادتنا على أن يُبقوا الدعوة الإسلامية في خدمة المشروع الحزبي، بلا فصلٍ يؤمّن منافسة انتخابية نزيهة و يحمي سيْر الدعوة من تقلبات السياسة .. و قد بينتُ من قبل موقفي من الطريقة التي أنشئ بها حزب الإخوان الجديد و كأنه لجنة داخل الجماعة، بحيث أصبح الداخل في الحزب كأنه يوقع استمارة انضمام للإخوان، و غدا الحزب لا يلبي حاجة المجتمع في جعل الإخوان عضواً طبيعياً في جسم الوطن . أدري أن اليأس بلغ حده لدى مسئولين كبار في الجماعة (أعضاء مكاتب إدارية و مسئولي مناطق)، بعضهم بقي لكنه ينصح الشباب أن يكوّنوا التشكيلات التي تحقق طموحاتهم بعيداً عن الجماعة، و بعضهم رحل في صمت .. إنّ يد الجماعة صارت خشنةً جافةً من كثرة الصراع-كما قال لي د.إبراهيم الزعفراني يوماً، و يبدو أن استخدام يدٍ جديدة نضِرة أفضل من محاولة تليين القديمة بالكريمات . كتابي "من الإخوان..إلى ميدان التحرير" كان رسالة أخيرة مهمة، و قد ابتعدت فيه عما يثير الجدل، و ضمّنتُه مناشداتٍ رجوت أن يُلتفت لها .. لكنّ المجموعة النافذة داخل مجلس شورى الإخوان (كبيرة السن جداً القادمة من الستينيات المظلمة للقرن الماضي) أجهضتْ أملنا، و أعادت إنتاج نفس "الإخوان" القديمة، و ركّبتْ الجماعة بطريقة أكثر إزعاجاً لشركاء الوطن من ذي قبل .. و هو ما ينذر بعودة الصدام بين جماعة الإخوان و السلطة مرة جديدة فيما بعد المرحلة الانتقالية، لأنه لا دولة ترضى داخلها بمجموعة عقائدية لها واجهة سياسية تنشئ مجتمعها الخاص و شبكة علاقاتها العابرة للحدود، و كأنها طائفة أو دولة داخل الدولة . و أعتذر لإخواني و أصدقائي الذين أمِلوا أن أبقى و أساهم معهم في محاولة إصلاح الجماعة من الداخل .. أعرف أن إعلاني هذا سيحرجهم و يصعّب عليهم الدفاع عني و صد هجمات الاغتياب و الاغتيال المعنوي المتوقعة، غيرَ أني وجدت في بقائي انتهاكاً لقناعاتي و إرباكاً لمن يقرأ لي .. و سأظل أتابع شأن الإخوان كغيره من شئون هذا البلد الكريم، و أعطي ما أراه نافعاً من تعليقات .. و أتعهد أن أبقى أدافع عن قيم "التدين المعتدل" و "التسامح السياسي" التي أومن بها أينما حللتُ في مستقبَل الأيام . -------------------------------------------------------- أسامة درة..مؤلف كتاب: "من الإخوان.. إلى ميدان التحرير"