ارتبطت البشرية منذ بداية العصور القديمة بالأعمال الفنية، والتى خلدت ألوانها تاريخ تلك الحضارات. أبدع الفنان خلالها فى رسم ملامح حياته اليومية، فزين الكهوف والمعابد والمقابر. تطورت الألوان وتقنياتها على مدار العصور، إذ لجأ الإنسان البدائى إلى تفتيت الأحجار لاختراع الألوان مرورا بالمصرى القديم الذى أحدث طفرة فى التلوين بالاعتماد على الطبيعة. ونلقى الضوء فى هذه الصفحة على صناعة وتكوين الألوان فى الحقبات الزمنية المختلفة والتى تبدأ بالعصر الحجرى وتنتهى بالعصر الحديث. العصر الحجرى.. التلوين بصخور الأوكر حاول إنسان الكهف أن ينقل صورة لحياته اليومية، والتى اعتمدت على الصيد كمصدر رئيسى للحياة، باحثا عن الوسيلة التى تخلد وجوده وسيطرته، فأبدع فى رسم الحيوانات على جدران الكهوف باستخدام صخور الأوكر الملونة. ويظهر كهف شوفيه المتواجد فى جنوبفرنسا- والذى يعود تاريخه إلى 32 ألف عام قبل الميلاد- مدى براعة الفنان البدائى، حيث يحتوى على رسومات ملونة لحيوانات من 14 فصيلة مختلفة، كالدببة ووحيد القرن والماموث والفهود والبقر والبيسون. ويقول الدكتور ياسر شحاتة، المؤرخ الفنى، إن الفنان البدائى قطع عشرات الكيلومترات فى الصحراء للبحث عن صخور الأوكر، لينقلها إلى الكهوف، وأنه كان يستخدم حجر الصوان فى طحن هذه الصخور. وخلط الفنان القديم الصخور المطحونة بدهون الحيوانات، مما ساهم فى بقائها آلاف السنين، وحصل الفنان البدائى على ألوان محدودة بتلك الطريقة من ضمنها: (الأحمر والأخضر والأصفر، بالإضافة إلى استخدامه للفحم الأسود). الحضارة المصرية القديمة.. ابتكار أساليب جديدة غيرت مفهوم التلوين يعد التلوين فى الحضارة المصرية القديمة من أركان الإبداع الرئيسية لتلك الحقبة، حيث قام قدماء المصريين برسم وتسجيل حياتهم اليومية على جدران المقابر وزينوا أيضا بها معابده. وغطى الفنانون المصريون جدران الحجر الجيرى بطبقة رقيقة من الجص، رسموا عليها مشاهد مختلفة بالاعتماد على ستة ألوان رئيسية وهى: الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر والأبيض والأسود. وامتدت عبقرية المصرى القديم لابتكار أساليب جديدة فى التلوين، فاعتمد على طريقتى التلوين «الفريسك- التى تتكون من الأكاسيد بالإضافة إلى خامات الطبيعة- والتمبرا- التى كونها باستخدام صفار البيض بالإضافة إلى الأكاسيد». وتشرح الباحثة ميرفت جرجس، الخبيرة فى مجال ترميم الصور الفوتوغرافية القديمة، طرق تكوين الصبغات اللونية حيث اعتمد المصرى القديم على الأكاسيد الملونة وخلطها بوسيط كان عبارة عن مستخرج من النباتات أو الزهور أو الحشرات وعرفت تلك الصبغات باسم «دايز». وتقول: «المصرى القديم أضاف للبشرية ألوانا جديدة، ميزته عن العصور البدائية، حيث بذل مجهوداً كبيراً فى اكتشاف الألوان، حيث اكتشف اللون الأحمر على سبيل المثال من المغرة الحمراء المستخرجة من معدن الهيماتيت المتواجد فى الصحراء الغربية، وحصل على اللون الأزرق من معدن الكوبر ريفايت – والذى يتكون من سليكات النحاس والكالسيوم والكربونات النحاس القاعدية». العصر المسيحى.. اكتشاف الألوان الشمعية ساهمت الألوان الشمعية فى إحداث نقلة كبرى فى مجال التلوين، حيث انتشر رسم الأيقونات باستخدام ألوان الشمع، بالإضافة إلى تطوير تقنية تلوين التمبرا- المعتمد على صفار البيض والأكاسيد، وتعد بورتريهات الفيوم- والتى يعود تاريخها إلى 250 عاما قبل الميلاد- خير دليل على نجاح تلك التقنية والتى واجهت عوامل التعرية على مدار مئات السنين. ويشرح الدكتور ياسر شحاتة طريقة تكوين الألوان، حيث كان يضع الفنان الشمع فى الأفران بدرجة حرارة عالية ثم يخلطها بالصمغ والصبغات النباتية وفى الختام يمزجه بالأكاسيد، فحافظت تلك الطريقة على عدم تشقق الألوان. العصر الحديث.. اختراع الألوان الزيتية وصولاً إلى التلوين بالليزر ابتكر فنانو عصر النهضة – الذى انطلق مع بداية القرن الرابع عشر- تقنيات حديثة فى التلوين، معتمدين على الألوان التى اخترعوها ونسبت إليهم. ووضع الفنان التاريخى ليوناردو دافينشى فى بداية عصر النهضة دستور التلوين، بالاعتماد على ثلاثة ألوان فقط هى: «الأحمر والأزرق والأصفر» وشكل من خلالها جميع الألوان الأخرى. وساهم الفنان الهولندى جان فان إيك خلال عام 1410 ميلادية، فى تطوير الألوان الزيتية حاصلا على مزيج كيميائى معتمداً على مركبات معدنية وعضوية، منها ما يذوب فى الماء والكحول، ومنها ما يمزج بالزيت وغيره. وطوَر التأثيريون طرق التلوين عن طريق مزج الألوان مباشرة على اللوحة، ويوضح الدكتور ياسر شحاتة أن القرن ال17 شهد طفرة بفضل تلك الحركة التاثيرية، والتى استخدمت ايضاً الألوان المائية. ويقول الدكتور حمدى أبوالمعاطى، نقيب الفنانين التشكيليين، إن اختراع ألوان الأكريلك فى القرن العشرين أحدث طفرة كبرى، خاصة أن تلك الألوان تجف سريعا وتعطى نفس نتيجة الألوان الزيتية، وأن تلك الألوان لا تمثل أى ضرر للفنان، لأنها تعتمد على الوسيط المائى. ويعد التلوين بالليزر- وهو إشعاع كهرومغناطيسى تكون فوتوناته مساوية فى التردد - من مكتسبات القرن الماضى، فاستخدم العديد من الفنانين هذه التقنية فى طباعة أعمالهم، ويرى الدكتور ياسر شحاتة أن التلوين بالليزر أحدث نقلة كبرى فى التقنية لكن من ناحية كبير لم يرقى إلى مستوى الحركات التشكيلية التاريخية. كيف تكتشف لوحة مزورة؟ - تعد قضية تزوير اللوحات التاريخية، من القضايا التى انتشرت فى القرن الماضى، إذ لجأ البعض فى استخدام التقنيات الحديثة فى التلوين لتقليد تلك اللوحات. ويقول الدكتور عادل عبدالحميد، خبيركشف تزوير الآثار، إن العلم الحديث يكشف عن الزمن الحقيقى للوحات بالاعتماد على الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، حيث تخضع الألوان لعمليات الفحص، كما يتم تصوير اللوحات بالأشعة السينية، فتكشف فى وقت قصير الزمن الذى رسمت فيه اللوحات. ويضيف: «التقنية الأولى تأخذ وقتا قصيراً لكن لا تعطى نتائج تفصيلية عن عمر اللوحة لذلك تخضع اللوحات للاختبار باستخدام الكاربون المشع أو ما يسمى «الكاربون 14» وتأخذ تلك التقنية أسبوعا بأكمله للوصول بدقة إلى عمر الألوان». ويتابع: «يتم الاختبار أيضا بالحلقات السنوية، بالإضافة إلى الرنين المغذلى وتأخذ تلك العملية 15 يوما للوصول إلى عمر اللون». اللون والمكمل فى «الظل والضوء» فى بداية الدراسة بالأكاديميات الفنية فى جميع دول العالم يتعرف الطلاب عما يعرف بدائرة اللون – وهى طريقة مزج الألوان- حيث يتعرف الطلاب على الألوان الثلاثة الرئيسية: (الأحمر – الأزرق والأصفر) والتى يتكون منها جميع الألوان الأخرى. فعلى سبيل المثال إذا أردنا رسم اللون البنفسجى فيتم خلط اللونين الأزرق والأحمر، وإذا أردنا البرتقالى نمزج الأصفر والأحمر. ولكل لون من الألوان الرئيسية لون مكمل له لرسم مناطق الظلال، فعلى سبيل المثال: «اللون المكمل للأحمر فى مناطق الظل هو اللون الأخضر والمكمل للأصفر هو اللون البنفسجى والمكون للأزرق هو البرتقالى». وتشرح هذه الخريطة اللون والمكمل له: Your browser doesn't support iframes