الشباب الكوكبى ومجتمع المعرفة

بمناسبة انتهاء انعقاد المؤتمر الوطنى للشباب فى دورته السادسة بتاريخ 29 /7 /2018 الذى تناول فى أهم محاوره قضية «استراتيجية بناء الإنسان المصرى»، وفى إطار دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى ضرورة بناء شخصية الإنسان المصرى باعتبارها قضية قومية، وبالإشارة إلى النجاح الذى حققة المؤتمر على مدار دورات انعقاده المتتالية وتحوله إلى مؤسسة مستقلة تقوم على رسالة إنسانية هدفها بناء جيل جديد من الشباب الكوكبى الواعى بوحدة الحضارة الإنسانية الخالية من الصراعات والمتجه نحومستقبل يسوده السلام بين شعوب وثقافات العالم- علينا إثارة سؤال هام وهو: ما هى هوية هذا الجيل من الشباب؛ أوبالأدق هوية الشباب الكوكبى؟.
الإجابة عن هذا السؤال مردودة إلى طبيعة المرحلة الحضارية التى سيتكون فيها هذا الجيل، وهى مرحلة تتسم بما يسمى بالكوكبية والسؤال إذن ما هوالمقصود بالكوكبية؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغى أولا تحديد مصطلح الكوكبية إذ هويعانى التباسا شديدا فى المجتمع العربى. مصطلح Globalization مشتق من اللفظ اللاتينى GLOBUS ويعنى كوكب الأرض ودلالته الحضارية إزالة المسافة زمانياً ومكانياً بين سكان كوكب الأرض بحيث يصبح فى الإمكان تحقيق الفهم المتبادل والاعتماد المتبادل فى شتى مجالات الحياة بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية التى جعلت كوكب الأرض وحدة واحدة بلا فواصل. وتتمثل الثورة العلمية التكنولوجية فى الترابط المعرفى الذى تحققه تكنولوجيا المعلومات من كمبيوتر وإنترنت، و«إنترنت» لفظ يعنى «الكل المترابط».
وينشد مصطلح «الكوكبية» تحقيق «الاعتماد المتبادل» فى مجال إنتاج المعرفة الجديدة ولا يسعى إلى قصر هذه المعرفة على بلد معين أونظام رئاسى أواقتصادى بعينه، ذلك أن تملك المعرفة قد أصبح حقاً إنسانياً مكفولاً لكل البشر. بيد أن هذا الحق ليس مطلقاً ولكنه يشترط بعداً أساسياً وهوالإبداع. وعلى النقيض من الكوكبية يشير مصطلح العولمة لغوياً إلى العالم بما يشمل عليه من كواكب غير كوكب الأرض ونجوم ومجرات. أما فى دلالته السياسية فهويشير إلى الهيمنة، وبالتحديد هيمنة النظام السياسى والاقتصادى للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القطب الأوحد بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، ويساوى مصطلح العولمة بين العولمة والأمركة AMERICANIZATION وهوبذلك يتبنى منتجات الثورة العلمية والتكنولوجية بدعوة أنها وسيلة لتحقيق الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية لأمريكا.
وهذه المساواة المغلوطة بين الكوكبية والعولمة فى تقديرى مردودة إلى البعد الثقافى الذى تنطوى عليه ظاهرة الكوكبية. فالكوكبية بطبيعتها تزيل الفواصل بين الثقافات، وهذه الإزالة من شأنها أن تحدث تحولات فى الهويات الثقافية للشعوب المختلفة، مما يثير حفيظة هذه الشعوب الرافضة لهذه التحولات بدعوة الحفاظ على الخصوصية الثقافية والتراث.
ومن ثم يصبح مصطلح العولمة ملائماً للتعبير عن هذا الرفض لمصطلح الكوكبية. فما المقصود إذا ب«الشباب الكوكبى»؟.
إنه شباب مجتمع المعرفة ذلك المجتمع الذى تتجسد فيه ظاهرة الكوكبية وتتمثل فى منتجات الثورة العلمية والتكنولوجية على النحو التالى: انفجار المعرفة، ثورة الاتصالات المتجسدة فى الكمبيوتر والإنترنت «مجتمع المعرفة»، وهذا المصطلح من ابتكار عالم الإدارة الأمريكى «بيتر دركر» فى كتابه الشهير «الوقائع الجديدة» الصادر عام 1983. ويعرّف دركر المعرفة بأنها «المعلومات التى تحدث تغييراً فى شىء ما أو فى شخص ما، وذلك التغيير من شأنه التأسيس لفعل معين أو تنظيم تأثير الأفعال التى يقوم بها الفرد أو المؤسسة». ويفرق دركر بين المعلومات والمعرفة والبيانات، كما يعترض على المفهوم التقليدى السائد فى الأوساط الأكاديمية بأن المعرفة هى كل ما يتم طبعه ونشره، ويقول إن هذه ليست المعرفة، ولكنها مجرد بيانات خام. ويدلل على صحة تعريفه للمعرفة بالنحوالذى نشهده اليوم فى وحدة المعرفة بما يسمى «العلوم عبر البينية» وهذا التطور دليل كاف على استحالة إنتاج المعرفة داخل مجال واحد على النحو الذى كان يحدث فى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ويعرّف دركر المعلومات بأنها المبدأ العام الذى ينظم الإنتاج. وعلى هذا النحوهى من إفراز أول جهاز للكمبيوتر ظهر فى عام 1946 باسم ENIAC وكان مؤشراً لبداية عصر جديد تسود فيه المعلومات.
نخلص من هذه التعريفات إلى أن مجتمع المعرفة يقوم على أساسين رئيسيين: وحدة المعرفة والإبداع. ولذلك فليس من قبيل الصدفة أن يتطابق تعريف دركر للمعرفة مع تعريف مراد وهبة للإبداع فى كتابه «فلسفة الإبداع » (دار العالم الثالث 1999) وهو على النحوالتالى: «الإبداع هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الواقع»، فالعقل يقوم بتكوين علاقات جديدة بين المعلومات والبيانات التى توفرها وسائل التكنولوجيا ويوظفها بحيث تحدث تغييرا. وهذا التغيير يحدث بدوره نقلة نوعية فى الواقع بما ينطوى عليه من من أفراد ومؤسسات.
وهذا «التغيير» هو تغيير فى المعرفة من معرفة قديمة إلى معرفة جديدة تسهم فى إحداث نقلة كيفية فى الواقع. وهذه المعرفة الجديدة تنطوى على قوة تغيير الواقع، وبدون ذلك لا يقوم مجتمع المعرفة وبالتالى فالمجتمعات المستهلكة للبيانات والمعلومات لا تدخل فى نطاق مجتمع المعرفة؛ لأنها لا تنتج معرفة جديدة، وبذلك تصبح عبئاً على المجتمعات المنتجة للمعرفة الجديدة وتتحول إلى مجتمعات طفيلية.
ويبقى السوال المحورى:
كيف يسهم التعليم الإبداعى فى تكوين الشباب الكوكبى القادر على إنتاج معرفة جديدة تسهم فى تغيير الواقع؟.