المالية: توفير 20 مليون جنيه "فكة" بمناسبة العيد    جولد بيليون: الذهب عيار 21 يستقر عند 3140 جنيهًا للشراء    تداول 28 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بميناء دمياط    تحذير عاجل من البيئة بشأن مخلفات الأضاحي    "فحص طبي لثنائي وراحة يوم".. مصراوي يكشف برنامج الأهلي لمواجهة الاتحاد    محمد شريف: "وقعت للزمالك قبل الأهلي.. وفشل الانتقال بسبب هذا اللاعب"    في عيد ميلاده.. رحلة محمد صلاح من نجريج إلى قمة الكرة العالمية    مواعيد القطارات خلال إجازة عيد الأضحى 2024    إيرادات الجمعة.. "ولاد رزق 3" يحافظ على الصدارة و"أهل الكهف" الرابع    11 معلومة عن خطيب عرفات ماهر المعيقلي.. من أروع الأصوات وعمره 55 عاما    خطيب عرفة: الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة    ضمن خطة التأمين الطبي لعيد الأضحي.. إطلاق 33 قافلة طبية مجانية بمختلف محافظات الجمهورية خلال 4 أيام    بحجة ارتفاع أمواج البحر.. تفاصيل نقل الرصيف العائم من شاطئ غزة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    رئيس «النيابة الإدارية» يهنئ السيسي وشعب مصر بعيد الأضحى    إعلام لبنانى: مقتل شخص وإصابة آخر جراء استهداف مسيرة إسرائيلية لدراجة نارية    مقتل شخص وإصابة 2 آخرين في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    قبل انطلاق كوبا أمريكا.. رونالدينيو يهاجم لاعبي "السامبا"    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس بعيد الأضحى المبارك    البلتاجي: ركلة جزاء الأهلي صحيحة.. ومدافع الزمالك يستحق البطاقة الحمراء    بعد بوتين.. الرئيس الصيني يُهنئ رامافوزا بإعادة انتخابه رئيسًا لجنوب إفريقيا    كفرالشيخ: تحرير 7 محاضر لمخالفات خلال حملات تموينية على المخابز بقلين    هتصلي فين؟.. ساحات عيد الأضحى المبارك بالإسماعيلية    الاحتلال الإسرائيلي يعلن قصف مبنى عسكري لحزب الله جنوبي لبنان    إيطاليا تستهدف معادلة 6 منتخبات أبطال فى يورو 2024    الشيخ ماهر المعيقلي يلقي خطبة عرفة (بث مباشر)    محمد رمضان يكشف عن أغنيته الجديدة "مفيش كده".. ويعلق: "يوم الوقفة"    عمرو دياب يكشف عن أحدث أغانيه "تتحبي" بعد يومين من طرحه "الطعامة"    وفد من الكنيسة يهنئ محافظ شمال سيناء بعيد الأضحى المبارك    المشهد العظيم في اليوم المشهود.. حجاج بيت الله يقفون على جبل عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    وزيرتا التعاون والبيئة تبحثان مع الجانب الإيطالي تعزيز فرص التعاون في إدارة المخلفات الصلبة    مع ارتفاع درجات الحرارة.. 5 نصائح مهمة لتجنب الإصابة بضربات الشمس في عيد الأضحى    التضامن: تنظم سلسلة من الدورات التدريبية للاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين حول الإسعاف النفسي الأولي    هيئة« الدواء» تعلن رقمنة 5 خدمات للتواصل والاستفسار عن توافر الأدوية والإبلاغ عن الآثار الجانبية    الرعاية الصحية: انعقاد غرفة الطوارئ ضمن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى 2024    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    أسعار الفاكهة اليوم السبت 15-6-2024 في قنا    حكم صيام أيام التشريق.. الإفتاء تحسم الجدل    يوم عرفة 2024 .. فضل صيامه والأعمال المستحبة به (فيديو)    حملات لرفع عدادات المياه المخالفة وتحصيل المديونيات بعدة مدن جديدة    ننشر أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى في السويس    زراعة 327 ألف شجرة بكفر الشيخ.. والمحافظ: «زودوا المساحات الخضراء»    "كان بيقطع اللحمة".. لا شبهة جنائية في وفاة جزار بسكين في الجيزة    سمر علام بطلة العرض المسرحي "عامل قلق" أمام سامح حسين فى العيد    ب«6 آلاف ساحة وفريق من الواعظات».. «الأوقاف» تكشف استعداداتها لصلاة عيد الأضحى    هل رمي الجمرات في الحج رجم للشيطان؟.. «الأزهر» يوضح    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    الجالية المصرية في السعودية: تفويج جميع الحجاج المصريين إلى جبل عرفات    «تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    أستاذ ذكاء اصطناعي: الروبوتات أصبحت قادرة على محاكاة المشاعر والأحاسيس    هبوط اضطراري لطائرة تقل وزير الدفاع الإيطالي بعد عطل طارئ    بسبب جلسة شعرية محبطة.. صلاح عبد الله يروي سر ابتعاده عن كتابة الأغاني للمطربين    إبادة «فراشات غزة» بنيران الاحتلال| إسرائيل على قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    لاعب سلة الأهلى يكشف تفاصيل عدم السلام على رئيس الاتحاد السكندري    ألمانيا تسحق إسكتلندا بخماسية في افتتاح يورو 2024    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يتجه «العلمانيون العرب» إلى التصوف؟
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 07 - 2018

رصدت عدّة كتب انجذاب الإنسان بشكل عام نحو التّديّن وبعضها رصد انجذابه نحو الاتّجاهات الرّوحانيّة، ومن بين أكثر الحركات الرّوحَانيّة جذبا للمجذوبين هو التّصوّف الإسلامي.
اللافت للنظر أنه فى صيف عام 2010، نشرت جريدة «ذا آيرش تايم – The Irish Times» مقالة بعنوان «التّصوّف يغرى العلمانيين» وقبل ذلك تطرّق كتاب «التّصوّف والحداثة فى الإسلام» المنشور فى عام 2007 الى ظاهرة عودة انتشار التّصوّف بين فئات متعددة من المجتمع. فالمنشوران يتحدثان عن انجذاب فئة من المجتمع تتميز بثقافتها العلمانيّة إلى الثّقافة الدّينيّة. الخليج العربى أيضا خاضع لنفس الظّاهرة الكونيّة الرّاهنة. فهناك إقبال بين صفوف الشّباب والنّاضجين من ذوى الخلفيّات العلمانيّة، اليساريّة، المدنيّة، الليبراليّة واللا أدريّة التى تؤمن بأن القيم الحقيقية والغيبية لا يمكن تحديدها، على خوض تجربة التّصوّف بنسب متفاوتة. فعلى الرغم من إلصاق شتى النّعوت المُنْقِصَة للتّصوّف كمشروع تعايش إنسانى دينى منذ مطلع القرن العشرين وخصوصا من قبل السّيد رشيد رضا عبر جريدة ”المنار“، ومن ثم من قبل غيرهم انطلاقاً بشكل مكثّف من السّبعينيّات من القرن المنصرم، فإننا نشاهد رغم كل ذلك عودة البحث عن التّصوّف والإقبال عليه فى المجتمع الخليجي.
القليل من الباحثين التفتوا إلى ظاهرة التّحوّل الكونى نحو التّصوّف خصوصاً بين العلمانيين. ومن أعوز ما نحتاج إلى الإجابة عليه يرتبط بسؤال: ما المسّببات التى أثمرت مثل هذه التّحولات باتجاه التّصوّف فى المجتمعات العالميّة والخليجيّة؟ وعليه، فإن هذا البحث يسعى إلى وضع إطار نظرى أو أنموذج تبريرى لإستيضاح تلك الخلفيّات الدّافعة إلى هذا التّحول فى لحظة تاريخية تمتاز بتجاوزها المرحلة التّقليديّة إلى ثقافة ما بعد التّقليديّة، أى مرحلة دخول العالم ومعه منطقة الخليج فى أعماق المدنيّة الحداثويّة.
«التصوف المحاسبي» والغرب
ستبنى هذه المقالة أطروحتها فوق ملاحظات لتغيّرات كونيّة وأخرى عربيّة وخليجيّة. على مستوى التّبدلات الكونيّة سنتطرق إلى كيف دخل السلوك التّصوّفى «المحاسبي» أو مراقبة الذّات إلى الأكاديميات الأميركيّة والأوروبيّة ومن ثم كيف إعترف فلاسفة أوروبا مبكراً بأهميّة تطوير «الذّات المحاسبيّة» كمنقذ للإنسان فى لحظة إضطرام الحداثة. أيضا على المستوى الكوني، سنتطرق إلى قضيّة فشل الأطروحة الرأسماليّة فى جلب السّعادة من خلال فرضيّة النّجاح المادى وكيف أصبح الحديث عن «الاستيقاظ الروحي» حديثاً رائجاً فى الغرب. هذا المحور الكونى وتطوراته له تأثير على كل المحليّات ومنه العرب ومنطقة الخليج العربي.
لكن على المستوى العربي/الخليجي، هناك أحداث خاصة تهيء للإنجذاب نحو التّصوّف منها: تفكك بنيوى فى العلاقة التقليديّة التى نظمت قنوات التّعلم بين الشيّخ وطالب العلم مما أعطى فسحة من التّحرر ومسافة للتحرّك لطالب العلم والذّهاب بحثاً عن المعرفة، فذهب بعضهم إلى المتصوّفة. أيضا ظهور اليوتيوب أو «الشيخ الرقمي»، سمح لكل «متطفل/باحث» الذهاب إلى قنوات التّصوف الرقميّة بدون الحاجة إلى خوض مراسيم مبايعة الشّيخ بناء على النّهج الطّروقي. أيضاً، انتشار الشعر الصوفى قبل الإنترنت بين شعراء الحداثة من ذوى الشعبية بين جماهير المدنيات والعلمانيات، ومن ثم بزوغ المجتمع المستهلك للرواية وعود الشعر الصوفى القديم جداً كنص يغنيه مغنّيون على أنغام الجاز الحديث. كل هذه الظروف فتحت ثغرات بين السائد ومثلت شروطاً موضوعيّة ساهمت فى إنجذاب المجذوبين من فئة عربية خليجية ذات خلفيّة مدنيّة نحو الإستيقاظ الروحى والإنجذاب الصوّفى، إن صح التعبير.
«الكتابة المحاسبيّة»
شهد العالم الأكاديمى فى الثمانينات من القرن المنصرم محنة «مصداقيّة». رصد هذه المحنة الكاتب الأنثروبولوجى الأميركى الكبير جيمس كليفورد فى كتابه ذائع الصّيت «المحنة فى عالم الثقافة». أجاد جيمس كليفورد القبض على مجمل الأزمة حينما وصفها بأنها أكاديميّات تنعت، جزافا، ذواتها ب»الموضوعيّة» فى حين أن مخرّجاتها المعرفيّة، نتيجة خلل فى مناهجها، أنتجت معلومات تعانى من «الإنحيازيّة» التى أغرقتها فى الذّاتيّة اللاموضوعيّة اللاعلميّة. وبفقدانها لمصداقيّتها العلميّة، إنتشر الشّك بفكرة «موضوعيّة» المخرّجات المعرفيّة.
اللافت أن جيمس كليفورد جعل من «النّهج المحاسبي» (Reflexivity)، وهى رياضة قائمة على محاسبة النّفس ومراقبتها، السّبيل الأنسب لإنقاذ «المعرفة» الإنسانيّة العلميّة من براثن التّعصب والميول والإنحياز واللاموضوعيّة.
«المحاسبيّة» كما تقول الموسوعات الإجتماعيّة البريطانيّة منتشرة عند أصحاب العرفان من أتباع الديانات، ومنهم المتصّوفة، فلا يصعب رؤية المتوازيّة بين ما طلبه جيمس كليفورد من صنّاع المعرفة من أن يمارسوا الكتابة المحاسبيّة بما تحمله من رقابة على ما يخطه قلم الكاتب وبين ما يمارسه المتصّوفة من المراقبة على أنفسهم. أهم ما طلبة جيمس كليفورد من الكاتب هو الإكثار من التساؤل حين الكتابة: «ما هى أهدافى الباطنيّة؟ هل هناك دوافع شخصيّة تدفعنى للقول بشيء ما؟ هل أنا أخفى حقيقة ما بقول شيء ما؟ هل أنا صادق عندما أؤيد فكرة ما أو أدحض فكرة ما؟».
يمكن حصر الفرق بينهما فى أن كليفورد وظف منهج المحاسبيّة لإنتاج الكتابة الثقافية فى حين أن المتصوّف يوظف المحاسبيّة كمشروع فى كافة مجالات حياته.
«الذّات المحاسبيّة»
عاد الحديث عن «المحاسبيّة» فى عام 1991 مع المفكر البريطانى الكبير أنتونى جيدنز. فبعد أن درس المجتمعات الإنسانيّة الأوروبيّة التى بدأت وبعنف خوض حقبة ما يسميها «حداثة متأخرة» أو «مضطرمة». هنا توسع جيدنز فى الرفع من أهمية «المحاسبيّة» عندما توقع أن المستقبل العلمانى العقلانى الأوروبى سيكون بإتجاه إنتشار هوية فردانيّة تمتاز ذواتها بأنها تعمل بخاصية «الذّات المحاسبيّة». فإنسان ما بعد التقليديّة توفرت لدية معلومات ضخمة مباشرة من مصادر شتى بما يسمح للإنسان ممارسة رقابة ذاتية على تحليل هذه المعلومات ومن ثم إتخاذ موقفٍ خالٍ من ميول ونزعات الذّات. فضح النفس أمام النفس يدفع بالأوروبى الذى يمارس نهج «الذّات المحاسبيّة» من عيش حياة أقرب إلى الموضوعيّة.
بمعنى آخر، فإنه نتيجة تصدع معرفى (أطروحة جيمس كليفورد) من جراءُ كتّاب لم يمارسوا مراقبة ذاتيّة على أقلامهم ونتيجة تصدع إنسانى (إطروحة جيدنز) لأفراد لم تراقب هويّاتها، عانت بسببه كل من الأكاديميّات وسيرة الإنسان الأوروبى الكثير. وكان الحل الأنسب هو (كأنما) الإشتراك مع المتصوّفة فى ممارسة ما يمارسونه من نهج المراقبة على ذواتهم. مع الفارق إن دوافع جيمس وجيدنز (على التّوالي) لحاجات علميّة ومدنيّة فى حين أن دوافع المتصوفة لحاجات دينية.
اللافت للنظر إن «المحاسبيّة» دخلت المعاقل العلميّة «العلمانيّة/المدنيّة» والليبراليّة لتنتج المعرفة فى الأكاديميات التى تُخرّج أفواجاً من العقلانيين. كما أن المحاسبيّة نتيجة تطور البشريّة الإنسانيّة فى لحظات حداثتها بدأت تنتشر فى مجتمعاتها بشكل عام. هذه الأجواء تخرج المئات من الطلبة العرب وتشبعهم بمقدمات تجعل من السهولة -بحكم الصّدفة- أن يتقبلوا شيئاً من التّصوف فى المستقبل.
فشل أطروحات السّعادة الماديّة
الإنسان فى الأطروحة أو المعادلة الرأسماليّة تتشبّع مسامعه بخطابات مفادها أن عليه التّعلم لأنه بعد الشّهادة يأتى العمل ومعه الدّخل فالسّعادة. فإذا لم تأتِ السّعادة، يسمع أن عليه الزّواج فمع الزّواج تأتى السّعادة. فإذا لم تأتِ فبعد إنجاب الأطفال تأتى السّعادة. وإذا لم تأت فبعد زواج الأبناء تأتى السّعادة. وإذا لم تأتِ ستأتى بعد التّقاعد. مع كل هذا الرّكض الدّنيوى تظل «السّعادة» بعيدة المنال.
الإستياء من الأنموذج الرأسمالى الذى حشر الإنسان فى نظام روتينى ممل: الإستيقاظ صباحاً وزحمة المواصلات وضغط العمل اليومى فمتطلبات الأطفال والحياة سببت ضجراً واكتئاباً للإنسان.
لكن البعض من البشر أخذ بإكتشاف العديد من المدارس الروحانيّة من خلال الأصدقاء والإنترنت والقنوات الفضائيّة والصحف. فبدأوا يدركون وجود التّصوّف ودراسات الطاقة البشرية، الريكي، الهندوسيّة والبوذيّة. هنا بدأ الإنسان العلمانى المدنى يلاحظ أن هذه المدارس تتحدث عن السّعادة والأمان والروحانيّة وهى نفس الأمور التى وعدت به النماذج الرأسماليّة دون أن تنجح فى جلب السّعادة له.
من الأمور المثيرة هنا، ظهور كتب تتحدث عن ظاهرة «الاستيقاظ الرّوحي»، أى النّداء الدّاخلى غير المفهوم الذى يدفع بالإنسان نحو طرح أسئلة روحيّة خاصة تبحث عن الله وعن الإنسان ومسار الإنسان فى هذه الحياة وغاية حياة الإنسان.
ومما عزز هذا الاستيقاظ الكونى إنتشار روايات ذات ميول صوفيّة فى مجتمعات تستهلك الرواية بشكل يومى ومنها: «الخيميائي» (The Alchemist) التى صدرت عام 1988 للروائى البرازيلى باولو كويلو. «قوة الآن: الدليل إلى التنوير الروحي» (The Power of Now) التى صدرت عام 1997 وهى من تأليف إيكهارت تول. «السر» (The Secret) الذى صدر عام 2006 وهو من تأليف روندا بايرن. «طعام، صلاة، حب» (Eat, Pray, Love) التى صدرت عام 2006 وهى من تأليف إليزابيث غيلبرت وأخيرا «قواعد العشق الأربعون» (The Fourty Rules of Love) التى صدرت عام 2010 وهى من تأليف التركية أليف شافاق.
جلال الدّين الرومى فى اليوتيوب
فى العقد الأخير، إشتهر مولانا جلال الدّين البلخي/الرومى كأنما إكتشف العالم شخصيّة هو بأمس الحاجة إلى نمطها.
فهذه الشخصية التى يكتنف سيرة حياتها الكثير من عدم الإستقرار وتوحش الزمان الذى عاشه، حروب وغزو وموت وتقلص سبل الحياة وضعف الإقتصاد والسفر من مكان إلى مكان بحثاً عن الأمان وأسباب الاستقرار، كل هذا يبدو مألوفا من أهل زماننا. فحياة الإنسان المعاصر لا تختلف كثيراً عن هذا، لكن جلال الدين الرومى كان إيجابيا. كتب شعر «المثنوي» وهو شعر لا يتمكن أفضل الشعراء من مجاراته. شعر مليء بالحكمة والحب والأمل والسّعادة. هذا الشعر تمت ترجمته وغنّاه الباحثون عن السّعادة بلغات حيّة عدة. فسمعه الكثير ومع الوقت إشتاقوا إلى التّمثل ببعض من حياته مما قادهم إلى التصوّف.
تفكك بنيوى بين علاقة الطّالب والفقيه لدى العرب
لاحظ الأمريكى ديل إيكلمان (Dale Eickelmann) بعد أن أجرى بحثاً معمقاً فى سلطنة عمان عام 1992 ، تغيّراً بنيوياً فى طبيعة العلاقات الضّابطة بين الشّيخ وطالب العلم. ففى إطار تلقّى المعرفة الدّينيّة التّقليديّة، إكتشف أيكلمان أنه مع إرتفاع مستوى التّعليم العالي، أجاد طالب العلم القدرة على تحليل النّص الدينى بشكل متطور وبذلك لم يعد الشّيخ هو المصدر الوحيد القادر على تحليل النّصوص المقدّسة. إنحسار إحتكار السّيادة التّأويليّة أدى إلى اختلال سيادي. فسيادة الشّيخ شبه المطلقة على طالب المعرفة أصبحت تتضاءل بشكل ملفت.
عاد ايكلمان الى الخليج عام 1999 فى كتاب مهم ليؤكد لنا أن هناك تغيراً جذرياً لا فى سلطنة عمان فحسب بل فى الخليج العربى وكافة أنحاء العالم العربي. توقف إيكلمان مليّا عند التكنلوجيا (إنترنت، أقمار اصطناعية، تغطيات أخبار فوريّة) وقال إنها ستغير علاقة الفرد بالجماعة الدينيّة التى ينتمى إليها. وبرر ذلك بتغير بنى قنوات المعلومات التى إصطحبت مرحلة الحداثة (أو ما بعد التّقليديّة). فالمجتمع الحداثى فى لحظاته المتأخّرة يسمح بحيز أكبر للفرد من الوصول إلى المعلومات التى كان يحتكرها تقليديّا المركز من خلال شخصيّاته. وبعد تمكنه من الوصول إليها مباشرة متجاوزاً المركز التقليدي، تمكن طالب العلم بقدراته المعرفيّة التعليميّة العاليّة من أن يحلل المعلومات دون الحاجة إلى مساعدة تأويليّة أو تفسيريّة من المركز. هكذا ضعف المركز وضعف إحتكاره التأويلى وبهتت قدرته على ترويج المعلومات الممزوجة برؤيته السياسية والهويّاتية.
وهكذا قوى الفرد (طالب العلم) أمام ضعف «الشّيخ/الفقيه» مما أتاح له لا تجاوز المركز التقليدى الذى كان يزوده بالتأويلات للنصوص المقدسة فحسب، بل أن التّمكن الجديد قاد طالب العلم بجرأة الى الذّهاب إلى مراكز أخرى تنتمى إلى مبانٍ معرفية أخرى غير تلك التى نشأ عليها وذلك لكى يمارس عملية تسوق معرفى بدافع فضول ذاتى ومن ثم بعملية التلفيق الفقهى أو التّرجيح النسبى أو القطع الجذري، يتخذ موقفاً دينياً جديداً ومختلفاً.
إنها أجواء تخلخل العلاقات حتماً بين الشّيخ والمريد فاتحةً ثغرة لتغيير غير مسبوق. نجد جزئياً أو كلياً أن الشّيعى يتحرر من سيادة مرجعيّته والعلمانى من سيادة أيديولوجياته والمدنى من سيادة قناعاته والسّلفى من سيادة مرجعيّاته ومن ثم التّوجه إلى شيخ متصوف والمتصوفة بحثاً عن معارف جديدة ولخوض تجربة معرفيّة جديدة.
مجتمع الشّعر فى الخليج العربى
قد تكون الشعوب العربية من أكثر شعوب العالم شغفاً واستهلاكاً للشعر. فعند العرب أشعار تتلوها للمناسبات الصغيرة قبل الكبيرة. أشعار تنسب إلى العرب القدماء وإلى الراهنين منهم. أشعار تتداولها نواديهم باستمرار.
والشعر نتيجة لرواج سوقه وسعة انتشاره، يصل محتواه إلى وعى ووجدان الأمة من خلال قنوات المجالس والصّالونات والمنتديات والراديو والتلفزيون والشبكة العنكبوتيّة. يبقى سؤالنا هو: ماذا لو أن الشعر أخذ من التّراث الصوفى فهل سيكون له تأثير ما فى تشكيل وعى المتلقّي؟ ماذا لو أن الشعر الحديث، وهو يَروج أكثر ما يروج بين الطبقة الأكثر تحرراً وتعلماً ومدنيّة وعلمانيّة، توشح برداء من التصوف (Mysticism) فهل يصل التّصوف إلى عقول الطبقة العربيّة الحداثيّة التى تستهلك الشعر العربى الحديث؟
فى دراسة نادرة نشرت تحت عنوان «توظيف التراث الصوفى فى الشعر العربى الحديث، قام الأكاديمى البحرينى د. حسين السّماهيجى بسبر أغوار مثل تلك الأسئلة، فتطرق إلى أشعار الحداثيّين العرب من ذوى الشعبية الجماهيرية واسعة النطاق من أمثال أدونيس، محمد عفيفى مطر، صلاح عبدالصبور، جبران خليل جبران وعبدالوهاب البيّاتي. فهذه الأسماء أشتهرت بتعاملها مع التّراث الصوفى ووظفته نظرياً وإبداعياً وذوقياً فى أعمالها الأدبية.
الرسالة الأهم المبثوثة فى كتاب السّماهيجى هى أن الشّاعر العربى فى لحظة إنتقاليّة بنيويّة قلقة. فى لحظة يوشك عندها أن يتخذ الشاعر العربى قراراً بالإنتقال يعبر حينه من مبانيه الثقافيّة التقليديّة التى ألفها إلى مبانى معارف حداثوية غير مألوفة. هنا يرصد السّماهيجى أن الطلائع العربيّة الشعريّة قررت أن توظف التراث الصّوفى ليكون عنواناً مألوفا ليدخل معه عالم الحداثة غير المألوف.
فالتراث الصوفى منذ أن أستعر فى صدر الإسلام وهو حالة تجدّدية. فمن الحلاج إلى البسطامى إلى سمنون وابن الفارض نحن أمام «اللا مألوف». فتراث التصوف المألوف هو تراث «اللا مألوف» المتجدد وهذا هو ما جعل شعراء العرب فى الخمسينيات وما تلاها يوظفون التراث الصوفى لخلق توليفة تصالح بين دخول عالم حداثى جديد علينا كعرب مع التصوف. والأهم أن خصلة «المحاسبيّة» الصوفية تجعل كلاً من الشاعر الحداثوى والمتلقى العربى يمارس جدلاً ذاتياً وموضوعياً لا يسعى فقط إلى تطوير القصيدة بل ومعها إلى تطوير المتلقى العربى ومن خلالها تطوير كافة المجتمعات العربية.
مع كل هذا الحراك الحداثى للشعر العربي، حدث حراك ناعم تمكن وبشكل غير مباشر من جعل النص الشعرى الحداثى أداة جذب إلى التّصوف بين صفوف مستهلكى أشعاره والتى لا مسناها بشكل واضح عندما تقدم جيل الخمسينيات والستينيات العمر فى لحظتنا التاريخية الرّاهنة.
الشّيخ الرقمى
المجتمعات الرقميّة ذات الهواتف الذكيّة والألواح المحمولة وهبوط تكلفة شبكات الاتصال الرقمية، ساهم فى خلق مجتمع خليجى رقمى هائل. الإحصائيات تسير بشكل تصاعدى لتؤكد أن المجتمع الخليجى يتصدر الكثير من الدول بإنخراطه الكبير فى مواقع التواصل الإجتماعي. هذا الإنخراط قاد المجتمع الخليجى إلى إكتشاف «الشيخ الرقمي». ومن بين هؤلاء الشيوخ الرقميّين٫ إكتشف المجتمع الرقمى شيوخ التّصوّف. الشيخ الرقمى بدّل الواقع الصوفى من علاقة مباشرة قائمة على التواصل مع الشيخ فى حلقته وفى مجلسه إلى التواصل غير مباشر عبر اليوتيوب. هذا التطور الرقمى فى المجتمعات الرقمية سهل عملية الإطلاع على التّصوف دون الحاجة الى الالتزام مع الشيخ وهو أمر يناسب الجيل الحديث ونمط حياته مما ساهم بتشجيع أعداد كبيرة من الشباب على الإطلاع على التصوف الرقمى ومن ثم الإنجذاب نحوه.
مجتمع الرّواية فى الخليج العربي
فى الثمانينيات من القرن الماضي، كان الإقبال على قراءة الروايات أمراً غير معهود بين طبقة القرّاء الواسعة فى المجتمع الخليجي. كان الشعر أكثر إنتشاراً وبعده بمسافة كبيرة يأتى استهلاك الروايات الطويلة أو القصيرة بشكل خجول جداً. الأمر بدأ يتغير فى التسعينيات، لكن مع دخول الألفية الثالثة شهدنا تبدلاً نوعياً بين فئة القراء حيث برز مجتمع واسع وعريض يقبل على طلب جنس الروايات من بين مخرجات الأدب الناطق باللغة العربية.
وكما أشرنا سابقا الى أمثلة من الرّوايات ذات البعد «الرّوحاني/الصّوفى» وما كان لها من تأثير فى إيقاظ الهمم الكونيّة بإتجّاه الرّوحانيات والتصوّف٫ فإن نفس تلك الروايات ترجمت إلى اللغة العربيّة وتبدأ التأثير على مجتمع الرّواية فى الخليج العربي. هذه قائمة بتاريخ النشر لهذه الأمثلة من الرّوايات:
-نشرت دار الهلال المصريّة أول ترجمة لرواية «الخيميائي» عام 1996 بترجمة الأستاذ بهاء طاهر.
- نشرت دار الخيال اللبنانيّة أول ترجمة لرواية «قوة الآن: الدليل إلى التنوير الروحي» فى عام 2007 بترجمة مؤيد يوسف حداد.
-نشرت مكتبة جرير السعودية أول ترجمة لرواية «السر» فى عام 2009.
- نشرت الدار العربيّة للعلوم اللبنانيّة أول ترجمة لرواية «طعام، صلاة، حب» فى عام 2010 بترجمة زينة أدريس.
- نشرت دار الآداب للنشر والتوزيع اللبنانيّة أول ترجمة لرواية «قواعد العشق الأربعون» فى عام 2013 بترجمة محمد درويش.
وبعد مرحلة ترجمة الروايات ذات السّحنة الصوفية، كتب الروائى السعودى محمد حسن علوان الرواية الصوفيّة الأولى بعنوان «موت صغير» المتمحورة حول حياة محى الدين بن عربى والتى نشرتها دار السّاقى فى عام 2016 وفارت بجائزة الرواية العربية فى العام التالى 2017. ومع نقطة الإنقلاب هذه دخل الخليج العربى رسمياً فى مرحلة إنتاج تصوف روائى خاص به ليعكس رؤيته فى الوجود المادى من خلال روحانية شبابية جديدة.
قواعد العشق للمحبين والشّعر فى مجتمع رقمى
بعد نجاح كبير حققه الشاب الشّيخ الصوفى الليبى المقيم فى مصر محمد عوض المنقوش بين أوساط مجتمع الفيسبوك العربى المتسائل عن التّصوف، قام فى عام 2014 بتقديم حلقات تلفزيونية على اليوتيوب بعنوان «قواعد العشق للمحبين».
قام هذا البرنامج متفاعلاً فى لحظة تاريخية غير مسبوقة شهدت اهتماماً شبابياً كبيراً بالتّصوف خصوصاً بعد الصدى الكبير الذى أحدثته رواية «قواعد العشق الأربعون» عندما نشرت أول ترجمة لها باللغة العربيّة فى عام 2013 بترجمة محمد درويش.
الملفت للنظر أن البرنامج تضمن غناءً لأشعار صوفيّة لمتصوفة قدماء فى قمة الذوق الصوفى بأداء فنان شاب شعره طويل اسمه الفنى «زجزاج» وهو من اكتشاف الموسيقار المصرى الكبير هانى شنودة. أغانى حلقات برنامج الشّيخ الشّاب محمد عوض المنقوش تغنى على أنغام موسيقى «جاز» من قبل «زجزاج» والنص المُغنى لأسماء صوفيّة قديمة من مثل سمنون المحب (المتوفى فى بغداد سنة 298 ه)، ابن الفارض (توفى سنة 632 ه) جلال الدين الرومى (604ه - 672ه)، عبدالغنى النابلسى ( توفى عام 1050 ه). اجتمع الماضى بالرّاهن، اجتمع التّقليدى بالحداثي، أنها أطروحة غير مسبوقة. أطروحة تسمح للشباب بالتواصل فى الحداثة دون انقطاع عن القديم الإسلامي. كل هذا جذب الجيل الجديد من الشباب نحو التّصوف.
سعت هذه المقالة لفهم سر إنجذاب فئة علمانيّة من المجتمعات العربية بشكل عام والخليجيّة بشكل خاص نحو التّصوف. بتبيان أن هناك تبدلاً كونياً عاماً يسير بالبشريّة نحو البحث عن الروحانيّات فى إطار ما يسمى «الاستيقاظ الكوني» بعد تراكم فشل التوجهات الماديّة الكونية والدينيّة الأخرى. هذه الإستيقاظات أخذت تتمدد فى إطار ذو بعد محلى يسمح لها بخلق إستيقاظ روحى يناسب المحليّة العربية والخليجيّة من خلال محاور الشعر والرواية والتطور الرقمى وتبدل بنيّة العلاقة بين الشيخ وطالب العلم.
تنشر هذه الدراسة بترتيب من www.themfadhel.com
*الدكتور محمد الزكرى أنثروبولوجى بحرينى نال درجة الدكتوراه فى علم الثقافة الأنثربولوجية فى المجتمعات الإسلامية (دراسة حالة شرق الجزيرة العربية) من جامعة إكستر البريطانية، معهد دراسات العرب والإسلاميات، 2005 بأطروحة عنوانها: «المداخلات الدينية بين الصوفيّة والسلفيّة فى شرق الجزيرة العربية: موضوع الهويّة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.