الشعر الصوفي جزء متميز من شعر الرمز الديني المكتوب في اللغات العربية والفارسية والتركية، عبارة عن قصائد محملة بالوجد والحنين إلي القرب من الذات الإلهية وشخص الرسول الكريم، وتتجاوز اللفظة الشعرية معناها المعجمي لتحتمل التأويل، هناك من يري أن الشعر الصوفي في زمنه الإبداعي هو امتداد للشعر الحديث، والكثيرون يؤكدون أن الشعر الصوفي لا يوجد حقيقة في العصر الحديث، ولم لا و "الحلاج" أحد - أقطاب الصوفية الكبار - لا يشكل شعره قيمة إبداعية تناسب تجربته الوجودية والفكرية، و"النفري" لم يترك سوي فيض من رؤية وجودية للكون، أكثر منها رغبة في إبداع شعرية جديدة؟ وهذا الكلام يدفع للذهن بسؤال: هل انتهي الشعر الصوفي أم أن هناك تجارب تستحق الالتفات؟ وهو ما نحاول الإجابة عنه في هذا التحقيق: حسن طلب: الشعر المكرس لمعني الصوفية انتهي يعرّف طلب الشعر الصوفي بأنه الخيال الشعري الذي يقوم علي الحدس ولا يقوم علي الفهم المباشر للنصوص الدينية، هذا الخيال أو الحدس موجود في الشعر، ولكن بعض الأدعياء ينشدون شعرا دينيا أو ما يسمي بالشعر الإسلامي الذي يتناول المدائح النبوية، أما الشعر الصوفي الأقرب إلي الفن فقد انتهي وحلت محله الروح الصوفية. ويوضح: الشعر المكرس لمعني الصوفية اختفي لأن فكرة الصوفية تقوم علي الحب الإلهي، أو وحدة الوجود عند ابن عربي أو الإشراق، إلخ، كل هذه الأفكار تم التعبير عنها في الشعر الصوفي القديم، أما الآن فقد اختفي الشعر الصوفي بالمعني الاصطلاحي، ولكن الروح الصوفية تخللت التجارب الشعرية المعاصرة بدرجة أو بأخري، وهي ليست شعرا صوفيا، ولكنها شعر يستلهم الروح الصوفية كما في أشعار صلاح عبد الصبور ووليد منير ونماذج من قصيدة النثر، فالشعر الصوفي انتهي ولكن روحه لا تزال باقية لأنها جزء حميم من التجربة البشرية والإنسانية. محمد آدم: التصوف كمنهج للهروب من الواقع لا يوجد الآن ما يسمي بالشعر الصوفي، فهناك بعض التجارب التي تكتب عن الصوفية ولكنها ليست تجارب صوفية بالمعني الحقيقي، فهي أخذت من المتصوفين اللفظ أو الشكل، ولكنها تبتعد كثيرا عن جوهر التجربة الصوفية، ولم تعد هذه اللغة صالحة لهذا العصر إلا إذا كانت تحمل تجربة حقيقية في ذاتها، لا تنفصل عن الواقع، ولكنها تعيد تشكيل وصياغة الواقع برؤية مختلفة، فلم يعد مقبولا استخدم اللغة التي استخدمها ابن الفارض أو ابن عربي اليوم، ولكن إذا كانت التجربة الصوفية منغمسة في لحم الواقع فأهلا بها، وهناك الكثير من الشعراء الذين يتخذون التصوف شكلا ومنهجا للهروب من خراب الواقع والضوضاء، فكل كتابة لا تغترف مرجعياتها من الأرض والواقع والعالم هي كتابة منسحبة ومهزومة. محمود قرني: انفض برحيل المتصوفين الكبار أتصور أن الشعر الصوفي انفض برحيل المتصوفة الكبار، الذين عايشوا تجربة حقيقية من الحدس الصوفي، وعلاقة الواقع العربي بهذه التجربة في الوقت الراهن تكون علاقة طفيليات نبتت في تربة غريبة، ولم يستعد الواقع العربي صورة الشعر الصوفي عبر قرون، إلا مع تجربة شعر الحداثة التي استنبتها في صيغتها اللبنانية باعتبار أن الحس الاستشهادي الذي ساد الشعرية الرسولية التي بشر بها أدونيس تلاقت مع مفهوم الحلول بمعناه اللاهوتي في المسيحية والإسلام، كانت الدعوة مغرية لأنها استنبتت لغة جديدة ساعدت علي تأكيد معاني التداعيات والهلوسات والبلاغة التي تستقطر نفسها في إطار ما أسموه تفكير اللغة، وهو الأمر الذي أسفر في النهاية عن مخاضات شعرية صنعت غابات كثيفة من اللغة، فلم تصنع شعرا بل توهمته وبالتالي ما أفضت إليه قليل الشأن لدي أدونيس وأتباعه وهم كثر. الدكتور الطاهر مكي: الموجودون حالياً هم أدعياء الصوفية لكي يكون هناك شعر صوفي حقيقي لا بد أن يكون هناك متصوفة حقيقيون، ولكن الموجودين حاليا هم أدعياء الصوفية، فالتصوف يختلف عن الدروشة، وهو اتجاه روحي يشترط أن يكون صاحبه متبحرا في العلم، وهناك بلاد إسلامية كثيرة لا تنظر إلي التصوف بعين الرضا، أما في مصر فالحياة الصوفية تتأثر بالحياة الثقافية، وما دامت الحياة الثقافية راكدة فسينعكس هذا بالضرورة علي التصوف، ولا أعتقد أن هناك شعرا صوفيا يستحق أن يقرأ، لخلوه من خصائص السمو الروحي الذي عرفته المجتمعات الإسلامية في العصور المختلفة. شعبان يوسف: ملامحه ظهرت عند شعراء الحداثة ما زال الشعر الصوفي موجودا في حلقات الذكر الصوفية، وبخاصة ذلك الذي يتحدث عن التوله في الذات الإلهية، ويعتبر امتدادا لروح الشعر الصوفي في عصور ازدهاره، ولقد تسربت بعض تقنيات الشعر الصوفي إلي شعراء الحداثة، كما في كتابات أدونيس وعفيفي مطر وصلاح عبد الصبور، وما زال الشعر الصوفي ينشد في جلسات «الحضرة» ويقتصر تداوله علي المريدين وأبناء الطرق الصوفية.