وثيقة حماس الجديدة لا تعدو سوى إشارة انطلاق الانقلاب الثانى لحماس. مقالات متعلقة * بريطانيا وإسرائيل والمنطقة العازلة * لماذا يتوحش المسلمون؟ عام 2006 شاركت حماس لأول مرة بالانتخابات التشريعية الفلسطينية. وفِى عام 2007 جاء انقلاب حماس الأول الذى سلخت فيه قطاع غزة عن بقية الأراضى الفلسطينيةالمحتلة فى الضفة الغربية. الآن تقول وثيقة حماس الجديدة إن القضية مع إسرائيل لم تعد دينية، بل سياسية وطنية، وإنها تعترف بدولة فلسطينية على الأراضى المحتلة عام 67، لكنها لن تعترف بإسرائيل، ولن تتنازل عن كامل فلسطين. ودعك من حديثها عن كامل فلسطين، فهى لم تفعل سوى تطبيق مشروع شارون فى فصل غزة أحاديا وتدمير أساسات أول سلطة وطنية فلسطينية فى التاريخ. والحقيقة أنه ليس مطلوبا من حماس، كفصيل، الاعتراف أو عدم الاعتراف مع إسرائيل، إنما المطلوب منها أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطينى. ولذا تبدو الترجمة الواقعية لوثيقة حماس الجديدة هى أن حماس تريد أن تكون بديلا لمنظمة التحرير أو على الأقل استبدال حماس بفتح فى رئاسة منظمة التحرير. وهذا هو جوهر الانقلاب الثانى أو المقبل لحماس. مع كل قرار نوعى لحماس تجد الأمريكيين دائما على الخط. تعمدت حماس إعلان وثيقتها الجديدة قبل ساعات قليلة من زيارة الرئيس الفلسطينى الأخيرة لواشنطن للقاء ترامب. ولا تغفل عن دلالة قولها لترامب وغيره: أبومازن لا يمثل إلا نفسه. أما فى عام 2006، فقد أصر، بل ضغط الأمريكيون من أجل عقد الانتحابات الفلسطينية بمشاركة حماس، ورفضت فتح وأغلب القيادات الوطنية، كما نصحت مصر بعدم عقد مثل هذه الانتخابات دون إلزام حماس بمقتضيات اتفاقية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية والتزامات منظمة التحرير، لكن أبومازن استمع إلى الصوت الأمريكى وحده، فدخلت حماس انتخابات تنظمها اتفاقية أوسلو وبرعاية منظمة التحرير، وهى تسب وتلعن أوسلو وفتح ومنظمة التحرير. وأنت تعرف حاليا كيف جاءت النتيجة أو الكارثة الوطنية الفلسطينية. ولا مرة أثبتت حماس أن قضيتها الأولى هى إسرائيل أو تحرير فلسطين، إنما هى القيادة فى فلسطين، أو الهيمنة على القضية الفلسطينية. فى مارس 2005، جاء خالد مشعل للقاهرة للانضمام إلى حوار المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، لكنه ترك قاعة حوار المصالحة فى مدينة أكتوبر إلى جريدة الأهرام، ليقول فى ندوة نظمت له بناء على طلبه: فى الستينيات دفعت مصر بحركة فتح إلى قيادة منظمة التحرير والعمل الوطنى الفلسطينى، وقد جاء الآن دورها لإعطاء حركته هذه القيادة. لا يكفى أبدا أن تصدر حماس وثيقة جديدة من النوع المطاطى الذى أعلنته أخيرا، لكى نقول إننا صرنا إزاء حماس مختلفة ومتطورة عما سبق. الاختلاف والتطور فى حالة حماس إنما يكون بفك أسس وقواعد تقاطع المصالح بين حماس وإسرائيل. هذا التقاطع الذى لم تقتصر نتائجه الكارثية على الداخل الفلسطينى فقط، بل امتد تجاه مصر أيضا. فى كتابه الجديد «عن الفلسطينيين فقط.. جدلية النجاح والفشل» الذى صدر بالقاهرة أخيرا يكشف مروان كنفانى، مستشار الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، أنه «فى بداية صيف عام 1994، وبعد توقيع اتفاق غزة- أريحا أخبرنى الرئيس عرفات أنه متحسس من دخوله فى القفص، على حد تعبيره. وأن هذا القفص ليس سوى تقاطع المصالح بين حماس وإسرائيل. يقول كنفانى نصا: تحدث الرئيس عرفات يومها عن احتمالات وقوعه بين نارين ومن جهتين مختلفتين ومتعاديتين، تجمعهما لأسباب مختلفة مصلحة واحدة فى التخلص من منظمة التحرير والسلطة الوطنية ومنه، أى الرئيس عرفات شخصيا. هذا التخوف، الذى تحقق فعلا بعد عشر سنوات على عودته لأرض الوطن. بنباهة الباحث أيضا يرصد كنفانى أنه منذ أنشئت حركة حماس عام 1987 وحتى وقتنا الحاضر لم تتحالف حماس أو تتعاون أو تقود أى تجمع لأى تنظيم سياسى أو إدارى فلسطينى مشترك، كما لم تقدم أى صيغة لهذا الغرض حتى مع حركة الجهاد التى تتماثل معها فى بعض الأهداف والوسائل. يصيف كنفانى: قد يبدو موقف حماس هذا طبيعيا باعتباره تقليدا ثابتا لجماعة الإخوان، التى ولدت حماس، ونمت وترعرعت ضمن مفاهيمها وقناعاتها. تزامنا مع زيارته الأخيرة لأمريكا، هدد الرئيس الفلسطينى أبومازن باستراتيجية جديدة أكثر حسما لإخضاع حماس لإرادة السلطة الفلسطينية. ربما يكون الوقت قد تأخر بعد 11 عاما من انفصال حماس بقطاع غزة. إنما الأكيد أن أى استراتيجية لن تكون مجدية ما لم تضع حدا لتقاطع المصالح الذى يشكل أساس التحالف الموضوعى بين حماس وإسرائيل. يقول مروان كنفانى: عندما أعد ميدان المواجهة الكبرى فى انتفاضة عام 2000، كانت حماس وإسرائيل نظريا، ولأسباب مختلفة تسعيان لإنهاء السلطة الوطنية واتفاق أوسلو، والرئيس عرفات نفسه. وقد تم لهما ذلك كما نعرف جميعا. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة