إذا ما كان وزير الاقتصاد الأسبق، يطرح هذا الاقتراح فيما يخص الحد الأدنى لأجرة المساكن القديمة من وجهة نظر اقتصادية، فإن الدكتور سمير تناغو، أستاذ القانون المدنى بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، يقدم دراسة قانونية حول الحد الأدنى لأجرة الأماكن القديمة وتقنين أحكام المحكمة الدستورية العليا، وهى تسير فى نفس الاتجاه مع الاقتراح المقدم من الدكتور سلطان أبو على. ويرى الدكتور تناغو أنه لا يوجد قانون فى مصر يجافى العدل، ويخالف العقل، مثل قانون إيجار الأماكن القديمة، ما أدى إلى تثبيت أجرة هذه الأماكن منذ أكثر من 70 عاماً، إلى انعدام هذه الأجرة تقريباً، وتبلغ أجرة بعض الشقق الفاخرة، فى أرقى أحياء القاهر 10 جنيهات تقريباً، فإذا ما أضيف الامتداد القانونى لعقد الإيجار، وحق المستأجر فى الاحتفاظ بأكثر من شقة واحدة، طبقاً لأحكام المحكمة الدستورية العليا، فإن النتيجة الطبيعية وجود أكثر من مليونى شقة يغلقها المستأجرون لعدم حاجتهم إليها، ولأنهم لا يدفعون عنها أية أجرة لا تستحق الذكر، وهذه النتيجة جريمة كبرى فى حق الاقتصاد الوطنى. ومع تقديرنا لمجهود الدولة، فى بناء المساكن الجديدة لمساعدة المواطنين بقدر الإمكان، وتخصيص مئات المليارات من الجنيهات لهذا الغرض، فالأولى بها إصدار قانون يفتح الشقق المغلقة، والقضاء على هذه الظاهرة الإجرامية، التى أدت إلى ندرة المساكن المتاحة، وإهدار الثروة العقارية. ويقول الدكتور تناغو إن القضاء يزيد الطين بلة، لأن محكمة النقض تسمح للمستأجر المهاجر، بالاحتفاظ بشقته فى مصر، حتى يحتفظ بعلاقته بوطنه الأصلى. وفى تعليق عبر الفضاء الإلكترونى، يقول أحد المستأجرين: «إنه مهاجر إلى أستراليا من 30 عاماً، ويريد الاحتفاظ بشقة تركها له والده فى روكسى، ليقيم فيها عند عودته، ولا يضطر إلى النزول فى فندق»، وقد سمحت محكمة النقض لهذا المستأجر، بالتمسك بالامتداد القانونى لعقد الإيجار، ودفع ما يعادل دولاراً واحداً فى الشهر، بينما أجرة أصغر شقة فى أستراليا لا تقل عن ألف دولار شهريا، وكان فى إمكان محكمة النقض الاحتفاظ لهذا المستأجر بشقته، مع دفع أجرة المثل فى روكسى، وليس فى أستراليا، أما أن يحتفظ بها، ويغلقها 30 عاماً، ويدفع دولاراً واحداً فى الشهر، فهذا مثال صارخ للظلم، وإهدار للثروة العقارية، فهو يريد الاحتفاظ بصلته بوطنه دون ثمن. ويضيف الدكتور تناغو أن الجميع يتحدث عن الحد الأدنى للأجور، والحد الأدنى للمعاشات، وجاء الوقت للحديث عن الحد الأدنى لأجرة الأماكن القديمة، وقد أعددنا مشروع قانون، نقدمه للحكومة ومجلس النواب، بشأن الحد الأدنى لأجرة الأماكن التى أبرم عقد إيجارها قبل 31 يناير 1996، هو مبلغ 300 جنيه شهريا، إذا كان المكان يتكون من غرفتين وصالة، وهذا المبلغ هو أجر مكان فى العشوائيات، وإذا زاد عدد الحجرات عن غرفتين وصالة، يزداد الحد الأدنى بمبلغ 50 جنيها عن كل غرفة زائدة. مع التزام الدولة بدفع الزيادة فى الأجرة لغير القادرين، وتمويل ذلك من الأجرة الزائدة التى يحصل عليها الملاك، وأهم ما يهدف إليه هذا القانون، هو فتح مليونى شقة مغلقة، وإتاحتها للتداول فى السوق، فالمستأجر الذى يحتفظ بشقة مغلقة، لا يحتاج إليها، لانعدام أجرتها، لن يحتفظ بها إذا أصبحت أجرتها 300 جنيه، بجانب فتح الشقق المغلقة، فإن القانون المقترح، يحقق قدراً يسيراً من العدل، للملاك الذين لحق بهم الظلم، وفى نفس الوقت، فإن هذا المشروع يراعى المستأجرين غير القادرين على دفع الأجرة الجديدة. من جهة أخرى، وعلى نفس الأرضية القانونية، قال وائل أنور بندق، ماجستير فى القانون، عضو الجمعية المصرية للقانون الدولى، إنه لا يوجد قانون فى مصر، يحتاج مراجعة شاملة وتعديلا؛ مثل قانون إيجار الأماكن، لأن تشريعات إيجار الأماكن أقرت فى مرحلة زمنية قصدت حماية الفئة الضعيفة وقت وضعها، (المستأجرين)، وقد غالى المشرع وتمادى فى هذه الحماية وفى تقدير المصالح الجوهرية بل الثانوية للمستأجرين على حساب الملاك، ومع مرور الزمن، بدا واضحا للكافة أن مغالاة المشرع فى الحماية أدت إلى ظلم فاحش للملاك ومجافاة واضحة للمبادئ العامة للقانون، وبدت الحقيقة الواضحة أن من يحتاج إلى الاهتمام التشريعى ورعاية مصالحهم هم ملاك العقارات وليس مستأجريها. ويرى بندق أن المشرّع تراخى كثيرا فى تعديل هذه القوانين، ولم يتدخل إلا فى إطار ضيق محدود وترك المحكمة الدستورية العليا تتصدى للمشكلة من خلال دورها فى الرقابة على دستورية القوانين، حتى لا يدفع المشرع الثمن السياسى للتعديلات المنشودة. ويقر بندق بأن ملاك العقارات يطالبون بضرورة تحرير العلاقة الإيجارية، وعدم خضوعها لقواعد الامتداد القانونى لعقد الإيجار الوارد فى قانون إيجار الأماكن، ويؤكد أنه رغم قناعته بعدالة هذا المطلب إلا أنه من المستحيل استجابة المشرع له فى الوقت الراهن، لذا فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله.