سعر سبيكة الذهب اليوم الأحد 25-5-2025 بعد الارتفاع الكبير.. «بكام سبائك ال5 جرام؟»    مي عبد الحميد: تنفيذ أكثر من 54 ألف وحدة إسكان أخضر.. ونستهدف خفض الطاقة والانبعاثات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 25-5-2025.. كم بلغ سعر طن حديد عز؟    شهيد ومصابون ومفقودون فى قصف جوى على منزل بمنطقة جباليا    نموذج امتحان الاستاتيكا الصف الثالث الثانوي الأزهري 2025 بنظام البوكليت    خبير اللوائح: أزمة القمة ستسمر في المحكمة الرياضية الدولية    القبض على 3 شباب ألقوا صديقهم في بيارة صرف صحي ب15 مايو    الكشف الطبي على 570 مواطنًا خلال اليوم الأول للقافلة الطبية    مستشفى دمياط التخصصي: حالة الطفلة ريتال في تحسن ملحوظ    نجاح أول جراحة «ليزاروف» في مستشفى اليوم الواحد برأس البر    جريمة على كوبري البغدادي.. مقتل شاب على يد صديقه بالأقصر    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    عقب تحليق مسيّرات قرب المبنى الرئاسي.. 7 إصابات جراء انفجار في العاصمة الأوكرانية كييف    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    «بطلوا تبصولي في القرشين».. عمرو أديب: زميلنا جو روجان بياخد 250 مليون دولار في السنة    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    الجيش الإيراني يؤكد التزامه بحماية وحدة أراضي البلاد وأمنها    رئيس الكونغو الديمقراطية السابق يواجه محاكمة    برعاية مصرية.. «النواب العموم العرب» تطلق برنامجها التدريبي من مدينة الغردقة    "إكس" تعود للعمل بعد انقطاعات في الخدمة امتدت لساعات    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    "دفاع الشيوخ": قانون الانتخابات يرسخ مبادئ الجمهورية الجديدة بتمثيل كافة فئات المجتمع    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    زيلينسكي: المرحلة الثالثة من تبادل أسرى الحرب ستُنفذ الأحد    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    موجة حر شديدة تضرب القاهرة الكبرى.. انفراجة مرتقبة منتصف الأسبوع    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    ميلان يختتم موسمه بفوز ثمين على مونزا بثنائية نظيفة في الدوري الإيطالي    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    «أباظة» يكرم رئيس حزب الجبهة الوطنية في ختام مؤتمر الشرقية| فيديو    زلزالان خلال 10 أيام.. هل دخلت مصر حزام الخطر؟ أستاذ جيولوجيا يجيب (فيديو)    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    رئيس «برلمانية التجمع»: وافقنا على قانون الانتخابات لضيق الوقت ولكن نتمسك بالنظام النسبي    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف القضاء من أجرة الأماكن القديمة مجحف ويضاعف من ظلم المصريين
الحد الأدنى للأجرة يجب أن يكون 300 جنيه للشقة المكونة من غرفتين وصالة
نشر في الفجر يوم 21 - 03 - 2012

فى الأسبوع الماضى كتبت مقالا فى جريدة الأهرام عن الحد الأدنى لأجرة الأماكن القديمة وهى قضية فى ظنى تشغل بال كثيرين فى مصر.. هنا وعبر جريدة «الفجر» اكمل ما بدأت كتابته فى الأهرام-الجزء الثاني-..
فالقضية شائكة وفى صميم السياسة وتحتاج الى مناقشتها من جميع جوانبها.. لقد اقترحت ان يكون الحد الأدنى لأجرة الشقة المكون من غرفتين وصالة هو ثلاثمائة جنيه فى الشهر.. وهو اقتراح وجد هوى لدى كثيرين من مواطنين ومفكرين وأصدقاء منهم الدكتور حازم الببلاوى والدكتور سلطان أبو على والدكتور هشام صادق، هنا سأتوقف عند اكثر من نقطة مهمة منها موقف القضاء الذى زاد أحيانا من مظالم قوانين إيجار الأماكن وخفف منها فى أحيان أخري، وموقف الشريعة الإسلامية وهل هناك حاجة للالتجاء إليها، وهل صحيح أن عقود إيجار الأماكن القديمة باطلة، لأنها لا تقوم على التراضى كما قال فضيلة الشيخ نصر فريد واصل مفتى الديار المصرية الأسبق فى الندوة التى اقيمت فى ساقية الصاوى منذ أيام؟،.. ايضا كيف يتم تحديد الأجرة فى الأماكن القديمة، وهل صحيح أن أجرة بعض هذه الأماكن لاتزال تخضع لقانون صدر عام 1947وأخيراً نصوص مشروع القانون المقترح.
فلقد أرسلت مسودة الجزء الأول من المقال الى ابنتى الطبيبة الدكتورة مريم، قبل إرساله فى «الأهرام» فقالت لى أنت تغرد خارج السرب، فالكل يتحدث الآن فى السياسة، وأنت تكتب فى إيجار الأماكن القديمة. فقلت لها على العكس، فإن المقال يقع فى صميم السياسة.. فليس هناك فى السياسة أهم من المأكل والملبس والمسكن.. إلخ، وسيحظى المقال باهتمام القراء أكثر من اهتمامهم بأى موضوع سياسى آخر. وهذا ما تحقق بالفعل فى ردود الفعل الكثيرة والعنيفة أحياناً فى المواقع الإلكترونية.
وللعلم فإن السياسة لها معنيان، المعنى الأول هو تعريف أرسطو لها، بأنها إقامة الخير العام والخير الخاص للأفراد على أساس العدل، فاصطلاح السياسة مرادف لاصطلاح الأخلاق، وكتاب أرسطو فى السياسة هو كتاب فى الأخلاق، كما أن كتاب أرسطو فى الأخلاق، هو كتاب فى السياسة. أما المعنى الثانى فهو المعنى المعروف المتداول، وهو الصراع فى المجتمع من أجل الحكم، وتكوين الأحزاب، والانتخابات، والدستور، والمظاهرات والاعتصامات.. ألخ، والمعنى الثانى لا يخلو من الألاعيب، ولا يخلو من انعدام الأخلاق.
ومع ذلك فإن كل من يمارس السياسة بالمعنى الثاني، يدعى أنه يمارسها بالمعنى الأول، وأنه يسعى إلى تحقيق الخير العام والخير الخاص على أساس العدل.
ومن هذا القبيل أن كل الدول الشمولية فى العالم تطلق على نفسها اسم الدول الديمقراطية.. مثل ألمانية الديمقراطية قبل انيهارها، وكوريا الشمالية الديمقراطية.. ألخ.
ثانيا - موقف القضاء المصرى من مظالم قوانين إيجار الأماكن:
موقف القضاء المصرى مختلط، ولا يسير على وتيرة واحدة، فمحكمة النقض زادت الطين بلة، وزادت من مظالم هذه القوانين، أما المحكمة الدستورية العليا فقد زادت القانون إجحافاً فى حكم واحد فقط، ولكنها فى أحكام كثيرة أخري، حاولت التخفيف من مظالم هذه القوانين، وحاولت الحد من تأييد عقود الإيجار، ولكنها لم تتطرق إلى مسألة الأجرة وبقائها دون زيادات عشرات السنين.
فمحكمة النقض مراعاة لبعض المصالح الثانوية للمستأجرين، تقضى بحق المصرى المهاجر للخارج، أن يحتفظ بمسكنه، طالما أنه لم يعبر عن إرادته فى ترك هذا المسكن، بأن استمر فى دفع الأجرة.. إلخ، فهو قد ترك مصر كلها، ولكنه لم يعبر عن نيته فى ترك المسكن فى نظر محكمة النقض - طالما أنه يستمر فى دفع أو إيداع الجنيهات القليلة التى يطلق عليها مجازاً اسم الأجرة!!
وجدير بالذكر أن محكمة النقض لا تعمل فقط فى سلامة تطبيق القانون، بل إنها تصنع القانون، أو تنشيء القانون فى بعض الحالات. فالقضاء مصدر من مصادر القانون، مثل التشريع.
والقضاء الذى ينشئ القانون، لا يخضع لرقابة المحكمة الدستورية العليا، لأن هذه الأخيرة تراقب دستورية نصوص التشريع واللوائح، ولكنها لا تراقب دستورية أحكام القانون التى انشأها القضاء، كقضاء محكمة النقض، أو قضاء المحكمة الادارية العليا.
ولهذا قلنا فى بعض أبحاثنا، إن المحاكم العليا فى مصر، وهى الدستورية، والنقض، والادارية العليا، لا يعلو بعضها على بعض، وأن المحكمة الدستورية العليا على وجه التحديد، لا تعلى على محكمة النقض، ولا تعلى المحكمة الادارية العليا.
فى إطار سلطة محكمة النقض فى صنع القانون وضعت هذه المحكمة العليا، نظرية اسمها نظرية المساكنة، تسمع لمن كان يساكن المستأجر الأصلي، ولو لم يكن لديه عقد إيجار، أن يستمر فى السكن أى أن يمتد إليه عقد الإيجار، بعد وفاة المستأجر الأصلي.
وقد كانت لهذه النظرية بعض الضرورة فى ظل القانون رقم 121 لسنة 1947، الذى لم يكن يقرر الامتداد القانونى لعقد الإيجار للأقارب. ومع ذلك فبعد العمل بالقانون رقم 52 لسنة 1969، والذى قرر الامتداد القانونى لعقد الإيجار لبعض الأقارب، لم تعد هناك حاجة للعمل بنظرية المساكنة.
ومع ذلك فقد استمرت محكمة النقض، فى الأخذ بنظرية المساكنة، ولم تعدل عليها حتى الآن، رغم أنها من الآثار البالية، التى حلت محلها أحكام القانون رقم 52 لسنة 1969، وما بعده من قوانين.
وقد أصبحت نظرية المساكنة الآن، الحيلة الكبرى التى يلجأ إليها كل من ليس له عقد إيجار، للاستمرار فى السكن، للتهرب من أحكام المحكمة الدستورية العليا، التى ألغت الامتداد القانونى لغير الزوج والوالدين والأولاد.
والمحكمة الدستورية العليا رغم انجازاتها الكثيرة قضت فى 15 نوفمبر 1997، بجواز احتجاز الشخص الواحد أكثر من مسكن فى البلد الواحد، وأبطلت الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1997، التى تقرر عكس ذلك. ومعنى ذلك أن المستأجر الذى يدفع عشرة جنيهات أجرة الشقة، لا يستطيع أن يغلقها، إذا كان لا يحتاج إليها، ويسكن فى شقة أخرى غيرها، تناسبه أكثر من الشقة التى أغلقها.
وهكذا أصبحت الشقق المغلقة، والتى لا يستخدمها مستأجروها، تزيد فى تقدير البعض على مليونى شقة، وهذا ظلم فادح للمالك، وإهدار كامل للثروة العقارية فى البلاد.
ومع ذلك فإن المحكمة الدستورية العليا، تستحق التقدير، لأنها قادت قاطرة التطوير، فى الوقت الذى وقف فيه المشرع متفرجاً، وأصدرت تسعة عشر حكماً، وأبطلت فيها العديد من نصوص قانون إيجار الأماكن رقم 49 لسنة 1977، والقانون رقم 136 لسنة 1981، وقد أصبح الامتداد الآن فى ايجار المسكن، مقصوراً على الزوج والأولاد وأى من الوالدين، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا فى 3 نوفمبر 2002، حكما بالغ الأهمية، يؤدى إلى عدم تأبيد عقد الإيجار.
ولكن الإصلاحات التى قامت بها المحكمة الدستورية، هى اصلاحات محدودة. فلايزال عقد ايجار المسكن يمتد لمصلحة المستأجر الأصلى وزوجته وأولاده وأى من والديه، الذين كانوا يقيمون فيه وقت الوفاة أو الترك. وظلت الأجرة ثابتة لا تتغير، وبقيت أجرة الشقة فى إحدى عمارات الدرجة الأولى عشرة جنيهات أو نحو ذلك، بينما أجرة الشقة المجاورة لها فى نفس العمارة، المؤجرة خالية طبقا للقانون المدني، تزيد على خمسة آلاف جنيه فى الشهر.
ومن هنا تأتى أهمية اقتراحنا بوضع حد أدنى لأجرة الأماكن القديمة، بمبلغ ثلاثمائة جنيه، لكل شقة مكونة من غرفتين وصالة.
ثالثا: موقف الشريعة الإسلامية، وهل هناك حاجة للالتجاء إليها؟
أنا أعتبر نفسى أحد المتخصصين فى عقد الإيجار فى الشريعة الإسلامية. ففى عام 1960، حصلت من كلية الحقوق جامعة القاهرة، على دبلوم الدراسات العليا فى الشريعة الإسلامية، وكان ترتيبى الأول على أكثر من مائتى طالب فى هذا الدبلوم، ونشرت فى مجلة المحاماة، بحثاً مطولاً عنوانه «طبيعة حق المستأجر فى الفقه الإسلامى الحنفي» رجعت فيه إلى أمهات الكتب، فى هذا الفقه، وقد وصف بعض أساتذة الشريعة الأجلاء هذا البحث، بأنه يصلح رسالة دكتوراه.
وأنا أعلم أكثر من غيرى أن عقد الإيجار فى الشريعة الإسلامية، هو عقد رضائي، محدد المدة، ومن ثم فإن قوانين إيجار الأماكن، لا تتفق فى معظمها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ومع ذلك فأنا لم ألجأ إلى أحكام الشريعة الإسلامية، فى هذا الموضوع لأسباب عديدة، فأنا التزم بأحكام القانون والدستور، وينص الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وهذا خطاب موجه إلى المشرع، والمقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية، كما يقول الدكتور السنهورى فى شرحه للمادة الأولى من القانون المدني، المبادئ الكلية التى لا خلاف عليها بين الفقهاء.
وقد أبرزنا رأى الدكتور السنهوري، فى أبحاث عديدة سابقة، انتهت إلى أن واضعى وثيقة الأزهر، أخذوا بها، فنجد فى وثيقة الأزهر أن المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
ويحاول بعض السلفيين تغيير النص، من المبادئ إلى الأحكام، فتصبح أحكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، ولو نجحوا فى هذا ستكون كارثة كبرى على حد تعبير الأستاذ جمال البنا، لأن الأحكام التفصيلية، يختلف بشأنها الفقهاء وستغرق الدولة فى بحر هذه الخلافات.
ولذلك فإن الرأى الصحيح هو أن المقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية، المبادئ الكلية، كما قال الدكتور السنهوري، وكما قالت وثيقة الأزهر، والمبادئ الكلية التى لا خلاف عليها بين الفقهاء، تعادل كلمة العدل، ولذلك قال أحد كبار المفكرين الإسلاميين المعاصرين، إن المقصود بالشريعة هو العدل.
وهذا القول يتفق مع قول المعتزلة فى الحسن والقبح العقليين، وهو ما نقله عنهم بعد ثلاثة قرون فيلسوف المسيحية الأول توماس الأكويني، وعقد بذلك الصلح بين أرسطو وبين الدين، وعقد كذلك الصلح بين القانون الطبيعى العقلي، والقانونى الألهي.
ولمن يريد أن يلجأ إلى أحكام الشريعة التفصيلية فليلجأ، أما نحن فنلجأ إلى المبادئ الكلية، أى إلى العدل والعقل.
وهذا ينقلنا إلى الفقرة الرابعة التالية.
رابعاً - هل صحيح أن عقود إيجار الأماكن القديمة باطلة؟
فى ندوة انعقدت فى ساقية الصاوي، منذ أيام شارك فيها عدد كبير من المفكرين ورجال الدين، ووزراء الإسكان السابقين.. ذهب فضيلة الشيخ نصر فريد واصل مفتى الديار المصرية الأسبق إلى القول بأن عقود إيجار الأماكن القديمة باطلة، لأنها لا تقوم على التراضي.
وهذا الرأى بالذات يبرر السبب، الذى من أجله لا نريد أن نلجأ إلى أحكام الشريعة التفصيلية، التى يختلف فيها الفقهاء، وإذا رجعنا إلى مبادئ القانون الوضعى المصرى نجد أن مصادر الالتزام، متعددة، فهناك العقد، وهناك القانون، وهناك حكم القاضي.. ألخ.
وعندما يتدخل المشرع فى العقد، فيخفض الأجرة، أو يقرر الامتداد القانونى للعقد بعد انتهاء مدته، فإنه يقوم بما يطلق عليه فى القانون المدني، اصطلاح التجديد.
والتجديد هنا يتم بإدارة المشرع، فتحل هذه الادارة محل إدارة المتعاقدين، وتصبح إدارة المشرع هى مصدر الالتزامات الجديدة بعد التجديد.
فالالتزامات الناشئة عن العقد قد انقضت وحلت محلها التزامات جديدة، مصدرها إدارة المشرع أو القانون.
والالتزامات التى تنشأ عن القانون مباشرة، هى التزامات صحيحة، لا يمكن الحديث بشأنها عن البطلان.
أما إذا كان المالك يعلم وقت انعقاد العقد، بالحد الأقصى للأجرة، والامتداد القانونى لعقد الإيجار، فإن التراضى يكون موجوداً، ويكون العقد صحيحا وقت إنشائه، ولا يكون هناك تجديد للالتزامات التعاقدية.
خامساً - كيف يتم تجديد الأجرة فى الأماكن القديمة؟
قسم المشرع الأماكن من حيث الحد الأقصى للأجرة إلى ثمانية أقسام بحسب تاريخ انشائها، وتاريخ إبرام العقد، القسم الأول يشمل المبانى التى انشئت قبل أول يناير 1944 وأبرم إيجارها منذ أول مايو 1941، والقسم الثانى يشمل المبانى التى انشئت منذ أول يناير 1944، وكان البدء فى انشائها قبل 18 سبتمبر 1952، والقسم الثالث يشمل الأماكن التى انشئت منذ 18 سبتمبر 1952، وكان البدء فى انشائها قبل 12 يونيه 1958، والقسم الرابع يشمل الأماكن التى انشئت منذ 12 يونيه 1958، وكان البدء فى انشائها قبل 5 نوفمبر 1961.. إلخ، وإلى أن أن ننتهى إلى القسم الثامن والأخير الذى يشمل الأماكن التى يسرى عليها القانون رقم 136 لسنة 1981.
وقد نص المشرع فى المادة «9» من القانون رقم 49 لسنة 1977، على الابقاء على كل القوانين السابقة فى شأن الحد الأقصى للأجرة، اعتبارا من القانون رقم 121 لسنة 1947.
وهكذا فإن أماكن القسم الأول، لازالت حتى الآن نخضع للقانون الصادر عام 1947، والذى يحدد أجرة الأساس بأجرة شهر أبريل عام 1941 أو مثلها، مع زيادة طفيفة بالنسبة للمسكن هى 10٪ إذا كانت الأجرة المتفق عليها أو أجرة المثل لا تتجاوز أربعة جنيهات شهرياً.. ألخ.
وهكذا فإن أجرة أماكن القسم الأول ظلت ثابتة لمدة تزيد على سبعين عاماً وهذه مهزلة كبري.
وقد فقد تقسيم الأماكن إلى ثمانية أقسام أهميته، بمرور الزمن، وزيادة الأسعار، والتضخم.
وإذا بلغت أجرة المكان فى القسم الأول ثلاثة جنيهات، وأجرة المكان فى القسم الثامن ثلاثين جنيها، فلم يعد هناك فارق يذكر بين ثلاثة جنيهات وثلاثين جنيها، فكل هذه المبالغ زهيدة جداً، لا تعبر بأى حال عن أجرة الأماكن فى الوقت الحاضر.
ولذلك فإن الاقتراح بوضع حد أدنى لأجرة المكان المكون من حجرتين وصالة، بمبلغ ثلاثمائة جنيه، يسرى على جميع الأماكن، لا فرق بين أماكن القسم الأول، وأماكن القسم الثامن.
سادساً - تعليقات الأصدقاء، وكذلك تعليقات القراء:
تلقيت أول اتصال تليفونى من الدكتور حازم الببلاوي، الذى أيد الفكرة وقال إنها تحقق الحد الأدنى من العدل الذى لا يستطيع أن يرفضه أحد، كما أنها تتميز بالبساطة وعدم التعقيد، والبساطة والوضوح تجعل الأفكار قابلة للتطبيق.
وتلقيت بعد ذلك اتصالا من الدكتور سلطان أبو علي، الذى أيد الفكرة وقال إنه كان يود لو أننا جعلنا مساحة 70 متراً هى وحدة القياس بدلا من غرفتين وصالة، وكذلك لو أننا راعينا الفروق بين الأحياء المختلفة، ولكنه يؤيد الفكرة لبساطتها ودون حاجة لتعقيدها بالتفصيلات كخطوة أولي. أما الدكتور هشام صادق فقد أخبرنى بأن الظلم الكامل ليس فى مصلحة المستأجرين أنفسهم، لأنه يهدد السلام الاجتماعي، ولذلك فهو يؤيد هذه الخطوة التى تحقق قدراً يسيراً من العدل، كخطوة أولى فى طريق الإصلاح.
أما تعليقات القراء فى المواقع الإلكترونية، فتتسم بالحدة والعواطف الجياشة، وهذا أمر متوقع، لأن الدولة وقفت موقف المتفرج عشرات السنين، لأسباب سياسية معروفة، وهى أن عدد المستأجرين، أكبر من عدد الملاك. فالدولة تقبل باستمرار الظلم لإرضاء الأغلبية، وتتخلى بذلك عن دورها فى القيادى وتحقيق العدل، وهذا موقف مؤسف للغاية، لابد من تغييره، حتى لا تبقى مصر دائما، ظالمة لأهلها.
ويمكن من مطالعة هذه التعليقات القول، إن المستأجرين لا يدافعون الآن عن هذا الأوضاع الظالمة، باستثناء تعليق قال فيه كاتبه «أن المالك قد استرد قيمة العقار من المستأجر عدة مرات.. «وتعليق آخر يقول فيه المستأجر، إنه مهاجر إلى استراليا منذ ثلاثين عاما، ويريد الاحتفاظ بشقته التى تركها له والده، فى روكسي، ليقيم فيها عند حضوره إلى مصر، ولا يضطر إلى النزول فى فندق، ومع الأسف فإن محكمة النقض كما أسلفنا سمحت لمثل هذا المستأجر، أن يحتفظ بالامتداد القانونى لعقد الإيجار القديم، وقد قلنا إن محكمة النقض قد زادت فى مظالم قوانين ايجار الأماكن مراعاة لمصالح ثانوية جدا لبعض المستأجرين.
وعلى خلاف هذين التعليقين، قال مستأجر آخر اقسم بالله إن أبغض أيام الشهر إلى نفسى هو أول الشهر عندما أسدد الأجرة الحقيرة «12 جنيها شهرياً» بينما الشقة المجاورة يتم تأجيرها ب 2000 جنيه شهرياً، وقد كتبت مع الملاك عقد إيجار جديد بأجرة 1200 جنيه شهريا وتنازلت عن العقد القديم، وقد أصر الملاك لنبلهم أن يجعلوا مدة العقد الجديد 50 سنة، مع زيادة الأجرة سنويا 5٪.. ألخ.
ومن التعليقات التى أيدت المقال، قول أحدهم «تسلم اليد التى كتبت الجملة، لا يوجد قانون فى مصر يجافى العدل، ويخالف العقل، مثل قانون إيجار الأماكن القديمة»، وهى العبارة التى وردت فى صدر مقالنا السابق.
أما الملاك فمعظم تعليقاتهم، لا ترضى بالقليل، ولا ترضى بالتدرج، وتريد إلغاء قوانين إيجار الأماكن بجرة قلم.
وتدور تعليقات الملاك حول عدة أمور، أولها التأكيد على الظلم البالغ لقوانين ايجار الأماكن، مع استخدام بعض العبارات الحادة، التى تعبر عن الألم الشديد، والشعور بالظلم.
والأمر الثانى هو القول بأن عقد الإيجار القديم باطل طبقا للشريعة الإسلامية، واستنادا إلى آراء بعض الفقهاء ورجال الدين، وقد تناولنا هذه المسألة من قبل.
والأمر الثالث، هو أن الأجرة القديمة ينبغى أن تحسب بالذهب، أو ما يعادل الذهب، وهذا القول يخالف ما ينص عليه القانون المدني، من بطلان شرط الذهب، أو الدفع بالذهب، حماية للعملة الوطنية.
وحتى لو كان شرط الذهب صحيحاً، فإنه من ناحية الواقع، لا يوجد شرط الدفع بالذهب فى أى عقد ايجار قديم.
وفى بحث مطول نشرناه عام 1976 عن أثر التعديل الثانى للاتفاقية المنشئة لصندوق النقد الدولية، ذهبنا فيه إلى أنه بعد هذا التعديل، أصبح شرط الدفع بالذهب أو لما يعادل الذهب، صحيحا فى القانون، ومع ذلك تظل مشكلة هؤلاء الملاك أن عقود الإيجار لا تتضمن هذا الشرط، وإنما هى فقط أوهام وتمنيات بأن هذا الشرط موجود.
سابعا - مشروع القانون المقترح:
مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981 وغيرها من قوانين إيجار الأماكن بعد الديباجة..
المادة الأولي
«يكون الحد الأدنى لأجرة الأماكن التى أبرم عقد إيجارها قبل 31 يناير 1996، أيا كان تاريخ إنشاء المكان، أو تاريخ إبرام العقد، هو مبلغ ثلاثمائة جنيه فى الشهر، إذا كان المكان يتكون من غرفتين وصالة، وتكون الأجرة مائتى جنيه إذا كان المكان مكوناً من غرفة واحدة وصالة، وتكون الأجرة مائة جنيه إذا كان المكان أقل من غرفة وصالة. وإذا زاد عدد الحجرات عن غرفتين وصالة فيزاد الحد الأدنى بمبلغ خمسين جنيهاً عن كل غرفة زائدة».
وتلتزم الدولة بدفع الزيادة فى الأجرة لغير القادرين، وفقا للشروط والضوابط التى يحددها وزير الإسكان.
المادة الثانية
«تلغى نصوص كل القوانين التى تضع حداً أقصى لأجرة الأماكن، يخالف ما نصت عليه المادة الأولى من هذا القانون، وهى القوانين رقم 121 لسنة 1947، ورقم 169 لسنة 1961، ورقم 46 لسنة 1962، ورقم 7 لسنة 1965، ورقم 52 لسنة 1969، ورقم 49 لسنة 1977، ورقم 136 لسنة 1981 وغيرها.
وتلغى كل النصوص الواردة فى هذه القوانين والتى ترتب آثاراً مدنية أو جنائية على مخالفة الحد الأقصى للأجرة الذى حددته هذه القوانين».
المادة الثالثة
«تسرى أحكام هذا القانون، من اليوم التالى لتاريخ نشره على الأجرة المستحقة أول الشهر التالى لنفاذه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.