لا يوجد قانون في مصر, يجافي العدل, ويخالف العقل, مثل قانون ايجار الأماكن القديمة, الذي يحكم عقود الايجار التي أبرمت قبل1996/1/31, وهو تاريخ العمل بالقانون رقم4 لسنة1996. الذي أخضع عقود الايجار التي تعقد اعتبارا من التاريخ المذكور للقانون المدني, والتي يطلق عليها في العمل اسم الايجار الجديد. - أما عقود ايجار الأماكن التي أبرمت قبل31 يناير1996, فتخضع لقانون خاص متعلق بالنظام العام هو القانون رقم49 لسنة1977, المعدل بالقانون رقم136 لسنة.1981 وقد صدر هذا القانون عقب تشريعات كثيرة سابقة عليه, وأهمها هو القانون رقم121 لسنة1947, والقانون رقم52 لسنة1969, وقد أبقي قانون1977 علي أهم الأحكام التي كانت قائمة قبل نفاذه. وهي التي تضع حدا أقصي لأجرة الأماكن, وتقرر الامتداد القانوني لعقود الايجار بعد انقضاء مدتها, مما يؤدي إلي تأبيدها. - وإمتداد عقد الايجار الي حد التأبيد, ولمدة وصلت أحيانا إلي أكثر من60 عاما, أي أكثر من المسموح به في عقد الحكر, الذي ينشئ الحق العيني في الحكر, هو حكم آخر ظالم بشكل فاضح, ومخالف لأبسط قواعد العدل, ومخالف للمبادئ العامة للقانون. وبالرغم من المظالم العديدة, والإهدار الكامل للثروة العقارية, فإن المشرع لا يستطيع أن يلغي قانون ايجار الأماكن بجرة قلم, وذلك لسببين رئيسيين: السبب الأول هو أن الظلم الذي تراكم لعشرات السنين, ونشأت عنه أوضاع ومصالح للمستأجرين, لا يمكن القضاء عليه, إلا بطريقة تدريجية يقتنع بها المستأجرون أنفسهم. والسبب الثاني يتعلق بمسئولية الدولة الأدبية, التي قالت للمستأجرين اسكنوا إلي الأبد أنتم وأولادكم بل وأقاربكم إلي الدرجة الثالثة نسبيا أو بأجرة رمزية لن تزيد أبدا, مما دفع المستأجرين إلي انفاق مدخراتهم في شراء السيارات الخاصة التي أصبحت الآن تعوق المرور, وتتكدس علي جانبي الشوارع والحارات. ولو كانت الدولة بدلا من ذلك, قالت لهم اشتروا مسكنا, لكان في امكانهم في الزمن الماضي شراء هذا المسكن بألف جنيه أو نحو ذلك, أما أن تتركهم هكذا مخدوعين بالوعد الذي قطعته لهم, عشرات السنين, وتأتي أخيرا, فتخرجهم إلي الطريق العام ليجدوا ثمن المسكن عشرات بل مئات الآلاف من الجنيهات, فهذا أمر لا يتصور حدوثه. والمالك قد لا تعنيه كثيرا مسألة الامتداد القانوني لعقد الايجار, لأن هدفه الأساسي هو الحصول علي الأجرة العادلة. والدولة تستطيع رفع أجرة الأماكن بطريقة تدريجية محدودة, بما يحقق قدرآ يسيرآ من العدل. وما لا يدرك كله لا يترك كله. أمام مجلس الشعب الآن فرصة تاريخية لتحقيق القليل من العدل, كخطوة أولي في طريق طويل. وكما نتحدث الآن عن الحد الأدني للأجور, فلابد من وضع حد أدني لأجرة المساكن القديمة, في حدود مبلغ ثلاثمائة جنيه, لكل شقة تتكون من حجرتين وصالة. وهذا المبلغ يمثل في الوقت الحاضر أجرة شقة من حجرتين في العشوائيات. ومن غير المعقول أن تكون أجرة الشقة في وسط القاهرة عشرة جنيهات. بينما أجرة الشقة الصغيرة في العشوائيات ثلاثمائة جنية أو أكثر. قوانين ايجار الأماكن, التي أهدرت حق الملكية, هي في حقيقتها نوع من الدعم الذي قدمته الدولة هدية مجانية إلي المستأجرين علي حساب الملاك. فالدولة لم تدفع ثمن هذا الدعم. ونظرأ لأنه كما يقول علماء الاقتصاد لا توجد وجبة غذائية مجانية, فان هذه الوجبة المستمرة الدائمة التي قدمتها الدولة للمستأجرين, دفع ثمنها الملاك, ودفع ثمنها الاقتصاد القومي. الحد الأدني لأجرة المساكن القديمة سيؤدي فورا إلي إخلاء المساكن التي يغلقها مستأجروها, ولا يحتاجون إليها فعلا. فإذا كان الاحتفاظ بها حاليا لا يكلف المستأجر شيئا يذكر. فإنه لن يحتفظ بها مقابل ثلاثمائة جنيه في الشهر, إذا كان لا يحتاج إليها وسيؤدي هذا إلي احياء الثروة العقارية التي تم اهدارها, وتخفيف حدة أزمة المساكن وتخفيض أجرة المساكن طبقا للقانون رقم4 لسنة1996 والقانون المدني. والحد الأدني لأجرة المساكن لن يعيد فقط إلي الملاك بعض حقهم, ولكنه سيؤدي إلي تحقيق بعض المساواة, بين سكان العشوائيات الذين يدفعون مئات الجنيهات أجرة لمساكنهم, وبين مستأجري المساكن القديمة الذين لا يدفعون شيئا يذكر. سيؤدي الحد الأدني لأجرة المساكن القديمة إلي راحة بال المستأجرين أنفسهم, مادامت الدولة تسير بخطي تدريجية, ولن تخرجهم من مساكنهم, ولن تحرر عقد الايجار بالكامل قبل مرور وقت طويل جدا. الحد الأدني لأجرة المساكن القديمة, يسري علي جميع المساكن التي أبرم عقد ايجاريها قبل1996/1/31, دون اعتداد بتاريخ انشاء المكان, أو تاريخ ابرام العقد, ولم تعد هناك أدني أهمية لتقسيم الأماكن إلي ثمانية أقسام, بحسب تاريخ انشاء المكان وتاريخ ابرام العقد, وهو ما تقرره قوانين ايجار الأماكن المتعاقبة. لأنه إذا كانت أجرة الشقة التي انشئت قبل يناير1944, والتي تقع في القسم الأول, هي ثلاثة جنيهات مثلا, بينما أجرة الشقة التي تخضع للقانون رقم49 لسنة1977, والتي تقع في القسم السابع هي ثلاثون جنيها مثلا. ولذلك فإن الحد الأدني يسري علي جميع هذه المساكن دون تفرقة. الحد الأدني لأجرة المساكن القديمة, خطوة أولي في طريق طويل, يهدف إلي تحقق العدل بالتدريج. ويجب علي الدولة أن تدفع هذه الأجرة لغير القادرين, بحيث يأتي بعض الدعم من الدولة, الجزء الباقي من الدعم علي عاتق الملاك, مراعاة للأسباب التاريخية السابق ذكرها. وقد أعددنا مشروع قانون بوضع حد أدني لأجرة الأماكن القديمة, وما يقتضه ذلك من تعديل جميع نصوص قوانين ايجار الأماكن اعتبارا من القانون رقم121 لسنة1947 إلي القانون رقم136 لسنة1981, وسواء كان المكان من غرفتين وصالة, أو أكثر, أو أقل.